على غير عادته سليم دولة يُهدي توأم ميلاده محمود درويش رسالته السنوية قبل أوانها.. إليك فحواها
تعوّد الكاتب الحر والفيلسوف والشاعر التونسي سليم دولة إهداء “توأم ميلاده” شاعر الحرية والحب والتفاصيل العاطفية محمود درويش، رسالته السنوية بمناسبة توافق يومَي ميلادهما، في الثالث عشر من مارس من كل عام، إلّا أنّه هذا العام اختار إرسال رسالته المعتادة قُبيل بداية العام الجديد 2025 بأيام، فماذا قال فيها؟
سليم دولة، صاحب ديوان “حين لا صيدلية عاطفية”، الذي أهدى بوابة تونس شذراته الجديدة، كتب لصاحبه الراحل في التاسع من أوت 2008، بعضا من أوجاع الاشتياق تحت عنوان “لا أعرف من منا الراحل ومن منا المقيم؟”. هذا نصه:
بين الحين والآخر تُعاودني واقعة سردية بيني وبين ابن حورية (محمود درويش) حين وداع أخير أمام نزل “الأنتار نسيونال” في سرّة العاصمة التونسية، سألني بصوته المحبّب ونظرته المحبّبة التي يعرفها الأصدقاء:
ماذا ستفعل بحياتك بعد “جراحاتك ومداراتك”.. يا سليم؟
قلت له: يبدو أني سوف أتزوّج.. يا ابن حورية.
ابتسم ابن حورية، وقال ضاحكا:
أجمل الخمور لك
وأجمل النساء لك..
فقلت له:
أجمل النساء لك
وأجمل الخمور لك..
وهو ما أثبته حرفيا في مكتوبي “ديلانو شقيق الورد” في طبعتيه التونسية والفلسطينية.
***
تمرّ السنوات وتذوي شموس الأمنيات
فلا أجمل الخمور.. ولا أجمل النساء!
وأنا أرى ما كان قد رأى السيد الشاعر الطرماح منذ قرون وقرون “لم أر كاليأس شافيا”.. لذلك وسواه.. أصبحت أكثر خفة روحية.. وإن هو يأسي مرح أحيانا.. لأمر بسيط ويا للمفارقة أنّ في الحياة ميتاااات.. يعقبها موت أكبر..
لذلك وسواه.. قرّرت أن أرحل عن العالم مختارا، إذ لا أريد أن أعيش عالة على أحد.. كائن من كان وكائن من يكون احتراما لذاتي، أولا.. وللحياة ذاتها.. التي هي في الأصل لم نختر الخوض فيها أصلا.. وما أبلغ ما دوّنت أنامل صاحب كتاب “الإشارات” ورسالة الصداقة والصديق:
“أما الدنيا لم تواتني لأكون من الخائضين فيها.. والآخرة لم تغلب عليّ لأكون من العاملين لها”.
أورد العبارة من ذاكرتي.. علّها تلعثمت في الصياغة..
آه غالبا ما يطرق ذهني حين يمرّ بي خبر رحيل.. من أعرف أو لا أعرف.. أو أتذكّر صديقا جمعتني به صدفة الميلاد وخطى الطريق.. فأقول لي:
من منّا الراحل ومن منّا المقيم..؟ وإن هي كلها الإيقامات إلى حين. وليس صدفة أن تسمي اللغة العربية العذبة والمعذّبة.
تسمّي الموت “بالحين”.. وتفعل ذلك، لأنها تدرك بحدس عبقريّ ربما أنّ الموت إنما هو/ هي ميقات المواقيت كلها.
ما أشدّ هشاشة إنيسان الكون.. ما أشدّ هشاشتي العاطفية.. التي نصحتني أمي من خطرها ولم أنتصح!!
