سعيّد يوشك أن يخسر كلّ شيء!!
tunigate post cover
رأي

سعيّد يوشك أن يخسر كلّ شيء!!

يرى محلّلون أنّ تونس وصلت إلى حافة الانهيار الاقتصادي بسبب الإدارة "الغريبة" لقيس سعيّد وإضعافه مؤسّسات الدولة وعدم قدرته على الإلمام بالملفات الاقتصادية وفقدانه أيّ توجّه لإنعاش الاقتصاد، وهذا ما جعل البلاد على حافة الإفلاس.
2023-06-08 23:23

محمد بشير ساسي


ظلّ الرئيس التونسي قيس سعيّد في كلّ مناسبة يؤكّد أنّ تونس لا تتلقّى دروسا من أيّ جهة كانت، بل هي قادرة على إعطاء الدروس، باعتبار أنّها تمتلك تاريخا في مجال الحقوق والحريات أثرى بكثير من عديد الدول الأخرى.

وفي كلّ اجتماعاته مع أعضاء الحكومة أو لقاءاته شخصيات سياسية أو أساتذة جامعيين، يشدّد سعيد على ضرورة إيجاد حلول تونسية خالصة للتحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها البلاد دون إملاءات من الخارج، وفق تعبيره.

وعند استقباله أو اتّصالاته بنظرائه وخاصّة من دول الاتّحاد الأوروبي، ظلّ الرئيس التونسي ثابتا على تلك السّردية القائلة بأنّ شروط صندوق النقد الدولي لتقديم تمويل لبلاده بمثابة “عود ثقاب” يشتعل إلى جانب مواد شديدة الانفجار.

غياب الحلول
الواقع أنّ السلطات التونسية لا تبدو متحمّسة لتنفيذ الإصلاحات الرئيسية التي يطالب بها صندوق النقد الدولي لتقديم دعم مالي، كالتفريط في مؤسّسات القطاع العام سواء قطاعات التعليم أو الصحة أو النقل لأنّها من حقوق الإنسان وليست من حقوق المواطن فحسب، على حدّ وصف الرئيس سعيّد. والحال أنّ البلد لم يعد في حاجة إلى مزيد من مضيعة الوقت ولا إلى الترّهات والسفسطة العقيمة التي لا تسمن ولا تغني من جوع.

فتارة يدعو “حاكم قرطاج” إلى فرض ضرائب إضافية على الأغنياء، بدلا من رفع الدعم عن بعض المواد الغذائية، وطورا يقترح زيادة الرسوم والأعباء المالية على المواطن والتي تتضمّن زيادة في الأسعار، وتأكيد أنّ هذه الخطوة يمكن أن تكون بديلا للإصلاحات الاجتماعية الصعبة. وفي مناسبة أخرى يطالب الرئيس بإلغاء الديون التي تثقل كاهل الدولة التونسية وتحويلها إلى مشاريع تنموية، وذلك خلال لقائه الأخير برئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني.

ووسط هذه الكومة من التعقيدات المالية والاقتصادية والاجتماعية، بقي الرئيس دون حلول على أرض الواقع حبيس قناعته القديمة الجديدة، متّهما لوبيات وأطرافا -دون أن يسميها تعبث بقوت التونسيين- بافتعال الأزمات المتعاقبة بغاية تأجيج المجتمع وتقويض السلم الأهلي.
لكنّ رواية سعيّد كثيرا ما تُقابل بتحذيرات من قبل الأصوات التي زجّ بها في خانة التآمر على أمن الدولة، بأن الأزمة “في تونس هيكليّة شاملة ولا تواجهُ إلّا بالحوار بين جميع الأطراف، غير ذلك ستسير البلاد قطعا نحو الإفلاس، الأمر الذي جعل الخبراء يخشون دخولها في دوامة إعادة جدولة الديون.

سيناريو الإفلاس
ولا شكّ أنّ الأمور اتّخذت طابعا خطيرا، خصوصا بعدما دقّت وزيرة المالية التونسية سهام نمصيّة ناقوس الخطر، تحذيرا من حدوث أيّ خلل في سداد القروض الخارجية قد يؤدّي إلى “إفلاس الدولة”.
وخلال جلسة البرلمان التونسي للمصادقة على اتّفاقية للحصول على قرض من البنك الإفريقي للتصدير والاستيراد، تكلّمت المسؤولة التونسية بواقع الأرقام لتكشف أنّ حجم المديونية وصل خلال نهاية 2022 إلى نحو 37 مليار دولار، بما يمثّل 79.9% من الناتج الداخلي، منها 46.7% قروض خارجية، و33% قروض داخلية.
ووفق تقديرات موازنة 2023، تحتاج تونس العام الجاري إلى قروض إضافية تقدّر بنحو 8 مليار دولار، منها 4.8 مليار دولار قروض خارجية بالعملة الصعبة، لتمويل نفقاتها ووارداتها وتسديد ديونها بالعملة الأجنبية.

وبالتوازي مع هذه المعطيات الرقميّة الصادمة، تواجه تونس صعوبة كبيرة في الحصول على قروض بشروط ميسرة لضمان توريد السلع الأساسية أو تسديد ديونها الخارجية، لاسيما جراء تعثّر المفاوضات الجارية بين حكومة قيس سعيّد وصندوق النقد الدولي، والتي تستهدف اقتراض البلاد 2 مليار دولار.

ووصلت المحادثات إلى طريق مسدود على خلفية عدم التزام تونس الصارم بتنفيذ ما جرى الاتّفاق عليه في وقت سابق مع الصندوق، ومنه خفض الدعم عن بعض السلع والخدمات الأساسية، مثل الوقود والخبز والكهرباء، وتقليص أجور موظّفي القطاع العام، وتطبيق برنامج إصلاح لإعادة هيكلة أكثر من 100 شركة مملوكة للدولة ومثقلة بالديون، وبيع بنوك وشركات كبرى تابعة للدولة.

تمضي الأزمة الاقتصادية نحو التفاقم أكثر، منذرةً التونسيين بعام أشدّ قساوة سيثقل أوضاعهم المعيشية واقتصاد بلادهم بنسبة قياسية أعلى من التضخّم، ذاك ما حذّر منه محافظ البنك المركزي التونسي مروان العباسي مطلع العام الحالي من أنّ التقديرات تؤشّر لارتفاع التضخّم في 2023 إلى 11% صعودا من 8.3% في 2022، مؤكّدا آنذاك أنّ أغلب المؤشّرات الاقتصادية سلبية تفرض إصلاحات ضرورية.

إدارة غريبة
وبالعودة إلى جذور الأزمة، يُرجع مراقبون أسبابها العميقة إلى تراكمات التخبّط السياسي التي كانت ثقيلة على التونسيين، إضافة إلى آثار الأزمة العالمية ومخلّفات فيروس كورونا وكذلك الحرب الروسية على أوكرانيا، ثم تعاطي حكومة نجلاء بودن الذي لم يرتق إلى مستوى تطلّعات الشعب التونسي، خاصّة في المسائل الاقتصادية التي فشلت في حلّها.

كما يرى محلّلون أنّ تونس وصلت إلى حافة الانهيار الاقتصادي، بسبب الإدارة “الغريبة” لقيس سعيّد وإضعافه مؤسّسات الدولة وعدم قدرته على الإلمام بالملفات الاقتصادية وفقدانه أيّ توجّه لإنعاش الاقتصاد، وهذا ما جعل البلاد على حافة الإفلاس، في اللحظة التي ما يزال يعلّق فيها الرئيس الفشل على معارضيه والأنظمة السابقة.

وإذا ذهبنا إلى ما وراء الفعل البلاغي السيادي الذي يتعامل به سعيّد، كما كتبت مجلة “لوبوان” الفرنسية تستوقف المتابعين للشأن السياسي التونسي هواجسه ممّا قد تسبّبه خطة صندوق النقد الدولي الجديدة، لأنها بعد 39 عاما يمكن أن تذكّر التونسيين بأعمال الشغب التي أسفرت عن مقتل 100 شخص بسبب الارتفاع الحاد لسعر الخبز في أعقاب خطة تقشّف اقترحها صندوق النقد الدولي وقتئذ لتونس.

كما يُعتقد بين شريحة كبيرة من خبراء الاقتصاد أنّ موقف تونس هذا يهدف إلى إعادة التوازن بينها وبين المانحين، وهو يستند إلى شعب لم يختبر فائدة الخطط السابقة لصندوق النقد الدولي.

وحتى في محاولة منها لاحتواء الاحتقان الاجتماعي، اختارت رئيسة الحكومة التونسية نجلاء بودن خلال لقائها بالأمين العام لاتّحاد الشغل ورئيس اتّحاد الأعراف الحديث بصوت عال من أجل تنقية المناخات العامة والعمل المشترك لإيجاد الحلول الملائمة، لكن رغم الدعوات المحلية والدولية للحوار يستمرّ الانسداد السياسي في البلاد مع إصرار الرئيس على التغريد خارج السرب.

عجز مخيف
اجتماعيا، يزداد المشهد قتامة مع فقدان السوق التونسية الاستقرار في التزوّد بالمواد الأساسية -بعد سنوات من الوفرة – ما يجبر المواطنين على العودة إلى الانتظار في طوابير الخبز أو الوقود أو البحث عن الدواء، بينما تواصل السلطة إنكارها الوضع محمّلةً المضاربين وشبكات خفية مسؤولية افتعال الأزمات و”التلاعب بقوت التونسيين”.

لكن الخبراء يفسّرون أزمة التموين بتواصل عجز ميزان المبادلات التجارية وارتفاع نسبة المديونية والتراجع الملحوظ في إنتاج الثروة، ممّا جعل الدولة عاجزة عن الإيفاء باستحقاقاتها المالية المحلية والدولية، وهو ما انعكس سلبا على مسالك الإنفاق وقلّص من احتياطي العملة الصعبة، وبالتالي عدم القدرة على إتمام الصفقات التجارية الخارجية من حبوب وأرز وزيوت نباتية.

وتعتبر السلطة هي المسؤول الأول عن ضمان وفرة السّلع في الأسواق، باعتبارها المكلّف الحصري بتنفيذ الشراءات عبر مؤسّساتها، غير أنّ هذه المؤسّسات تعاني منزمديونية عالية تحدّ من قدرة البنوك على مواصلة تمويلها. وبالتالي فإنّ الصعوبات المالية للمنشآت الحكومية المكلّفة بتنفيذ الشراءات وعدم قدرتها على سداد فواتير الصفقات التجارية التي تجريها، ولّدت عامل الندرة الذي يستغلّه التجار للمضاربة.

ويكشف التقرير العام لمراقبي الحسابات، أنّ ديون ديوان الحبوب (المؤسّسة المكلّفة بشراء الحبوب) تجاه البنك الوطني الفلاحي، بلغت حوالي 1.5 مليار دولار سنة 2022. وشهدت ديون ديوان الحبوب العام الماضي ارتفاعا بقيمة 265 مليون دولار، أي بزيادة مقدّرة بـ21.8% مقارنة بمستواها في نهاية سنة 2021.

كما يبيّن تقرير لوزارة المالية حول المنشآت الحكومية أنّ الشركة التونسية لصناعات التكرير (مكلّفة بشراء المحروقات)، تعاني من مديونية تزيد عن 700 مليون دولار، وذلك إلى حدود نهاية 2021 من بينها 155 مليون دولار تجاه البنوك المحلية وبـ 220مليون دولار لدى البنوك الأجنبية.

وفي تونس أيضا لم يعد العثور على العديد من أنواع الأدوية في الصيدليات التونسية أمرا هينا في ظلّ أزمة نقص الدواء التي تعيشها البلاد منذ فترة، فيما يزداد الوضع تعقيدا بالنسبة إلى الأطباء في غياب الأدوية البديلة أحيانا، مما يدفع المرضى إلى الالتجاء إلى طرق أخرى، من بينها تبادل الأدوية وإطلاق نداءات موجّهة إلى التونسيين بالخارج في رحلة البحث عن دواء.

وفي هذا الصدد يقرّ مسؤولون في نقابة الصيدليات التونسية أنّ مئات الأدوية اختفت من رفوف الصيدليات في أرجاء البلاد منذ شهور، ومنها علاجات مهمّة لأمراض مثل القلب والسرطان والسكري. وتعاني الصيدلية المركزية المملوكة للدولة والتي توفّر الأدوية للمستشفيات والصيدليات في جميع أنحاء البلاد، من أزمة مالية أساسا بسبب عدم حصولها على مستحقاتها من الصندوق الوطني للتأمين على المرضى والمستشفيات العامة في البلاد، وهي مدينة بنحو 325 مليون دولار لموردين أجانب.

توحي كلّ المؤشّرات بأنّ الأزمة التونسية مرشّحة للتفاقم أكثر وسط أجواء الانسداد السياسي وحالة الاحتقان الاجتماعي التي تكبر كل يوم ككرة الثلج، في وقت كشف فيه التقرير الثلاثي حول الاحتجاجات الذي نشره المنتدى في ماي 2023 أنّ البلاد سجّلت خلال الربع الأول من السنة 1262 احتجاجا معيشيا.
واعتبر التقرير أنّ التونسيين سيكونون في مواجهة تضخّم مرفوق بنقص في المواد الغذائية واختفاء العديد منها، دون سبب واضح أو تبرير منطقي من قبل السلطة.

أما الرئيس قيس سعيّد الذي يرفض مؤقّتا أموال صندوق النقد الدولي بدعوى الحرص على السيادة الوطنية، فيوشك أن يخسر كلّ شيء لأنّ فواعل مرحلة الإفلاس باتت متوفّرة سياسيا واقتصاديا وماليا ودافعة إلى حراك اجتماعي سيأتي في اللحظة الحرجة على الأخضر واليابس.

عناوين أخرى