عادة يحتدم التنافس بين فريقين أو منتخبين غريمين في رياضة ما، أو بين علامتين تجاريتين من أجل الانتشار وكسب الأرباح، أو بين فنانين من أجل الشهرة والجماهيرية…لكن أن يكون التنافس بين مؤسسات علمية فالأمر يبدو طريفًا. بين جامعتي أوكسفورد وكامبريدج البريطانيتين ولد صراع أزلي منذ أكثر من 190 عامًا، لكن التنافس ليس أكاديميًا بل هو تنافس رياضي من خلال سباق القوارب الشهير في المملكة المتحدة.
تقليد بريطاني عريق
سنة 1829 اقترح الشاب تشارلز ميريفال، وهو طالب بإحدى كليات جامعة كامبريدج، وصديقه من أوكسفورد تشارلز ووردزورث إقامة مسابقة رياضية بين الجامعتين تعزز التنافس بينهما على غرار التنافس الأكاديمي، واتفقا الطرفان على سباق في رياضة التجديف على ضفاف نهر التايمز بمدينة هنلي أون تيمز.
و”سباق القوارب” بين طلاّب كامبريدج وأوكسفورد هو تقليد سنوي يقام كل نهاية شهر مارس أو بداية شهر أفريل، ولم ينقطع إلا بسبب الحروب.
ويقام السباق على ضفاف نهر التايمز جنوب غرب العاصمة لندن ويمتد مساره على 4.2 ميلا (6.8 كلم) بين مدينتي بوتني ومورتليك. ويحظى هذا التقليد البريطاني بشعبية جارفة في المملكة المتحدة، إذ يعد من أشهر الأحداث في البلاد.
ويرتدي كل فريق لونًا مميزا، إذ اختار نادي القوارب بكامبريدج اللون الأزرق الداكن، فيما يحمل فريق أوكسفورد الأزرق السماوي. ويقام سباق بين الرجال وآخر بين النساء إضافة إلى سباق يجمع المسؤولين في الجامعتين من مدربين ومشرفين.
وتاريخيًا فاز فريق جامعة كامبريدج للرجال سباق 85 مرة، فيما آل الفوز لمتسابقي أكسفورد 80 مرة. أما في منافسة السيدات، فازت طالبات كامبريدج بـ 45 سباقًا وانتصرت بنات أكسفورد في 30 مناسبة.
على الرغم من أن المسابقة ودية ترفيهية إلا أنها بمرور الوقت أخذت طابعًا جديًا بلغ حد العداء بين الجامعتين.
سباق حامي الوطيس
بمجرّد انقضاء السباق الأول، أثار فوز متسابقي أكسفورد غضب منافسيهم. كما نشب خلاف حاد حول مكان إقامة السباق في الدورات الموالية، إذ طالبت جامعة أوكسفورد بالبقاء في مدينة هنلي، فيما تمسّكت جامعة كامبريدج بالتحول إلى ضفة النهر من جهة العاصمة لندن، وتسبب الخلاف في انقطاع السباق سنوات، قبل استئنافه في أواسط ثلاثينيات القرن 19.
يعد انتصار فريق على آخر تحديا وحافزا للمنهزم لرد اعتباره والإعداد جيدًا للعام الموالي حتى ينتصر وقد يتطلب الأمر تعزيز الصفوف بلاعبين محترفين وتغيير الطواقم الفنية واستفزاز المنافس بشتى الطرق.
يشهد سباق القوارب في بريطانيا حضورًا جماهيريا غفيرا، إذ تحتشد الجماهير على طول ضفتي النهر وتتعالى أصوات التشجيع والهتاف لتزيد السباق حماسًا وتدفع المجدفين إلى بذل قصارى جهدهم من أجل الفوز، لأنه من العار تلقي الهزيمة من الغريم التقليدي.
وقد تسبب التنافس الرياضي المحتدم في عداء بين الطلبة من الجامعتين، إذ تروي إحدى المصادر أن شابا من جامعة كامبريدج أحبّ فتاتًا تدرس في أوكسفورد مُنع من لقائها داخل الحرم الجامعي لأنه ينتمي إلى الفريق الخصم.
ومنذ سنوات أصبح سباق القوارب بين كامبريدج وأوكسفورد يحظى بمتابعة عالمية من خلال بثه عبر القنوات العالمية، ليتحول إلى مادة تجارية توفر عائدات ضخمة للجامعتين المتنافستنين وللمملكة المتحدة.
حوادث عكّرت صفو السباق
إضافة إلى توقف السباق خلال الحربين العالميتين وسنة 2020 بسبب انتشار جائحة كورونا، شهد سباق القوارب في بريطانيا حوادث عديدة. ففي سنة 1912 أقيم السباق وسط طقس سيئ للغاية وجو عاصف أدى إلى غرق الفريقين ومراكبهم وغادروا النهر سباحة وتوقفت المسابقة. وتكررت أحداث الغرق في أكثر من مناسبة بسبب سوء الطقس.
وفي عام 2012 فوجئ المنظمون بطالب أسترالي يقتحم المضمار ويحتج على سياسة الحكومة البريطانية مما أجبر المتسابقين على التوقف. ومع استئناف السباق حصلت فوضى واشتباك من الفريقين وتحطّم مجداف طاقم أوكسفورد.
وفي العام 2016، وقبيل انطلاق سباق السيدات بدقائق نزلت صاعقة على ضفاف نهر التايمز تسببت في احتراق شجرة وعقبتها رياح قوية أوقفت التنافس لساعات.