رياضة

ريبيري… نجم كرة القدم الذي هزم “وحش” الطفولة


 لطفي النايب

عندما يرفض الجسد المقاومة، يجب عليك إيقاف الرحلة وإعلان نهاية المسيرة. هذا ما فعله النجم الفرنسي فرانك ريبيري، بعد 22 عاما من التألّق في ملاعب كرة القدم الأوروبية.

فرانك ريبيري أو بلال (اسمه بعد إشهار إسلامه)، أعلن الجمعة 21 أكتوبر/تشرين الأول، نهاية مسيرته، مجبرا بسبب الإصابة التي ألمّت به على مستوى ركبته ولم يتماثل للشفاء.


توقّف رحلة ريبيري (39 عاما)، تستوجب العودة بالزمن إلى ثلاثة عقود، للحديث عن مسيرة انطلقت بالمآسي وانتهت بالأفراح.

ميلاد “الوحش” ريبيري

على ضفاف نهر المانش شمال فرنسا وتحديدا في مدينة “بولون سير مار”، ولد فرانك ريبيري يوم 7 أفريل/نيسان عام 1983، في عائلة كاثوليكية. لم ينعم ذلك الطفل بحياة طبيعية، بسبب حادث سير مروّع تعرّضت له عائلته وعمره عامان، نجا منه بأعجوبة.

الحادث الأليم تسبّب في تشوّهات كبيرة في وجه الطفل الفرنسي الصغير، وخلّف له ندوبا ما تزال بارزة إلى اليوم.

لم يشعر فرانك بألم الجرح الغائر في وجهه إلّا بعد أن التقى بالأطفال في المدرسة، هناك عانى الطفل ريبيري من التنمّر والسخرية منه بسبب التشوّه في وجهه. أطلقوا عليه اسم “الوحش” وتسبّبوا له في إزعاج كبير، أثّر في نتائجه في الدراسة وعرقل خطواته الأولى في عالم كرة القدم، إذ طُرد من أكاديمية التكوين بنادي ليل عام 1999.

أصبح فرانك أكثر عدوانية بمزاج متقلّب، يرفض الدراسة ويتصرّف بعنف مع كل من يسخر منه أو يتنمّر عليه، ولعلّ ما عمّق أزمته، بُعده عن والديه وإقامته في مبيت مدرسي.

كادت أزمة ريبيري المراهق تأخذه إلى طريق العنف والانحراف وتضيّع موهبته الكروية التي برزت مبكّرا، إلى أن حصل منعرج جديد في حياته أنقذه من الضياع.

المنعرج… إسلام بلال

سنة 1999 عاد ريبيري إلى مدينته، حيث تسكن عائلته، مطرودا من فريق ليل، منبوذا من عالم الصداقة، لكنه وجد ضالته في صديق جزائري عربي اسمه مالك، اختاره صديقا مقربّا ساعده على مواصلة لعب كرة القدم في نادي “بولون” لمدة 3 سنوات. 

كما أصبح فرانك يتردّد على عائلة مالك ويحضر المناسبات الدينية، مثل الأعياد وشهر رمضان، فشدّت انتباهه بعض الخصوصيات في الإسلام. في منزل العائلة الجزائرية كان وجود الفتاة وهيبة، أخت صديقه مالك، سببا في تعلّقه بالعائلة ونمط حياتها. 

في الأثناء، بدأ اللاعب الشاب يتحسّس طريق النجاح في ملاعب كرة القدم، فتدرّج بين الأندية مستعرضا مهاراته، من فريق “بريست” إلى نادي “ميتز”، ومنه إلى البطولة التركية ضمن فريق قلعة السرايا، ثم العودة إلى فرنسا مع أولمبيك مرسيليا في موسم 2004-2005، قبل الالتحاق بمنتخب فرنسا للمرة الأولى سنة 2005.

الاستقرار النفسي والتقدّم، خطوتان إيجابيّتان في مسيرة كرة القدم، خلّصا فرانك ريبيري من كابوس “الوحش” الذي طارده في طفولته، إذ أصبح الشاب أكثر ثقة في قدراته وأكثر هدوءًا.

ويبدو أنّ هناك سببا آخر له دور في استقرار اللاعب الفرنسي، ألا وهو اعتناقه الإسلام سنة 2004، قبل إشهار ذلك بعامين بعدها. وقد يعود الفضل في ذلك إلى العائلة الجزائرية، لاسيما صديقه مالك وزوجته وهيبة.

تزوّج فرانك وهيبة بلماهي، بعد إشهار إسلامه، وهو شرط لقبولها الزواج منه، ثم غيّر اسمه إلى بلال، وهو الاسم الذي تناديه به جدة صديقه مالك لصعوبة نطقها اسمه الفرنسي، مثلما صرّح في وقت سابق.

رغم شيوع شهرته بين الجماهير الفرنسية باعتباره نجما صاعدا سيقود منتخب “الديوك” مستقبلا، إلّا أنّ مسألة إسلامه لم ترق للكثير من الفرنسيين، الذين لم يفوّتوا الفرص لانتقاده، كلّما مرّ بفترة فراغ في الملاعب، سواءً مع فريقه بايرن ميونخ الألماني أو منتخب فرنسا.

مسيرة اللاعب النجم 

منذ انتقاله إلى بايرن ميونيخ الألماني، ساهم فرانك ريبيري في تتويج الفريق بـ24 لقبا، محليا وأوروبا وعالميّا، من بينها 9 بطولات دوري بوندسليغا ولقب دوري أبطال أوروبا وكأس العالم للأندية.

على المستوى الفردي أيضا، كان ريبيري على مرمى بضع نقاط (نقاط التصويت) من تسجيل اسمه في قائمة النجوم الفائزين بالكرة الذهبية لأفضل لاعب في العالم سنة 2013، إلّا أنّه “خُذل” ومُنحت الجائزة لليونيل ميسي، في حادثة وُصفت بالمظلمة في حق اللاعب الفرنسي، الذي فعل كل شيء لنيل الجائزة.

مع منتخب فرنسا أيضا، لم يكن ريبيري محظوظا رغم مشاركته في 81 مباراة، من بينها مونديال عام 2006 ووصافة إيطاليا. لم يكن الجيل خلف زيدان وتيري هنري والبقية، جيلا يليق بتاريخ فرنسا، ولم يساعد ريبيري على أن ينحت مسيرة دولية أفضل.

خاض بلال ريبيري 713 مباراة، في مختلف تجاربه، آخرها في إيطاليا، وسجّل 167 هدفا، فضلا عن 249 تمريرة حاسمة، حيث اُعتبر أحد أكثر اللاعبين الفرنسيين تتويجا في التاريخ.