رياضة

رولان غاروس…من تونس إلى عرّاب التنس

يتحدث عشاق التنس في العالم بحب واهتمام شديدين عن هذه الرياضة ونجومها. يشجعون رافاييل نادال ويعشقون روجر فيدرر ويحضرون مباريات ماريا شارابوفا وسيرينا ويليامز ويتحدثون عن تاريخ اللعبة ومجدها مع أساطير مثل أندريه أغاسي وشتيفي غراف ودينارا سافينا وغيرهم، ويتحدثون أيضا عن تاريخ البطولات الكبرى غراند سلام وقصص إنشائها، ولعل القصة الأكثر إثارة تلك التي وُلدت من رحمها بطولة فرنسا المفتوحة أو دورة رولان غاروس. فمن هو رولان غاروس؟
طيّار صنع مجده في تونس
ولد رولان غاروس بفرنسا عام 1882، وكان رياضيا هاو في رياضتي التنس والدراجات الهوائية، لكنها لم تكن مهنته الأصلية أو المجال الذي يبدع فيه. ميولات الشاب الفرنسي كانت تتجه إلى عالم الطيران، إذ كان طموحه أن يصبح قائد طائرة. طموح رولان غاروس لم يتوقف عند قيادة الطائرة بل أراد تخليد اسمه كأول رجل يطير فوق البحر الأبيض المتوسط بين ضفتيه الشمالية والجنوبية.
في شهر سبتمبر/أيلول عام 1913 انطلق رولان غاروس في مغامرة الطيران فوق البحر المتوسط، وأقلع من مدينة فريجوس الفرنسية ليصل بعد 8 ساعات إلى أقصى شمال تونس وهبط في مدينة بنزرت، محققا نجاحًا غير مسبوق في ذلك الوقت حوّله من شاب نكرة إلى رجل عبقري في فرنسا. وتخليدا لاسمه الشهير، أطلقت بلدية بنزرت اسمه على إحدى شوارعها.
غاروس المحارب
اهتمام رولان غاروس بالطيران جعله يرغب في استغلال موهبته لخدمة بلاده فرنسا في الحرب العالمية الأولى، فابتكر تقنية لتصويب القوات الألمانية بالرصاص بالتعاون مع صديقه رايموند سولينييه أحد مصنعي الطائرات. وتتمثل الفكرة في وضع مدفع رشاش يسمح بمرور الرصاص من خلال المروحة الأمامية للطائرة. نجحت خطة غاروس وصديقه عدة مرات في استهداف الألمان، لكنها فشلت عندما استهدفها عدوهما وأسقط الطائرة في أفريل/أبريل عام 1918. حاول رولان غاروس التخلص من بقايا الطائرة بحرقها، لكن الألمان منعوه من ذلك وتمكنوا من تطوير هيكل طائرته وقدراتها في صنع طائراتهم الحربية، في حين هرب الطيّار الفرنسي إلى بلاده.
لم تنته مآسي رولان غاروس بسقوط طائرته بل طالته رصاصة قاتلة وهو في صفوف الجيش الفرنسي وأردته قتيلا يوم 5 أكتوبر/تشرين الأول عام 1918.

عراب التنس
قصة نجاح رولان غاروس بعبور أجواء المتوسط عبر طائرته الخاصة وبطولاته في مواجهة الألمان في الحرب العالمية الأولى جعلت منه بطلا قوميا في فرنسا كان يجب أن يُخلد اسمه بتكريم يليق به، ويبدو أن الفرنسيين لم يجدوا طريقة لتكريمه أفضل من تخليده في عالم الرياضة.
سنة 1927 حقق المنتخب الفرنسي للتنس إنجازا تاريخيا وُصف بالمعجزة عندما هزم المنتخب الأمريكي على أرضه بالذات في بطولة كأس ديفيس. الرباعي الفرنسي الفائز بالدورة في أمريكا جاك توتو وبروجنو وجان بوروترا وهنري كوشيه ورينيه لاكوستكان، كان مطالبا بالحفاظ على لقب الدورة الموالية عام 1928 في فرنسا، لكن كان هناك مشكل أرّق الفرنسيين لعدم وجود ملعب كبير يحتضن دورة كبرى في قيمة بطولة ديفيس وأبطالها.
المأزق الفرنسي كان يتطلب حلا جذريا اقترحه إميل لوسيور الأستاذ في المعهد العالي للدراسات التجارية، حين تبرّع بقطعة أرض مساحتها أكثر من 30 ألف مترا مربعا في العاصمة باريس لإقامة ملعب تنس واشترط أن يُطلق عليه اسم رولان غاروس تخليدا لذكراه كأحد أبطال فرنسا في الحرب العالمية، فانطلقت قصة رولان غاروس مع التنس وأصبح ذلك الملعب مجمعا رياضيا عالميا يحتضن إحدى أعظم دورات كرة المضرب في العالم، ومسرحا لإنجازات الأبطال ومقصدا لملايين الزوار سنويا.