عالم

رمضان قاديروف… رجل الشيشان القوي و”الصوفي” المخلص لبوتين

حاملين الرايات الوطنية بألوانها الخضراء والحمراء، والمتشحة بصورة الرئيس الراحل أحمد قاديروف، أعلنت الكتائب الشيشانية دخولها الحرب رسميا على الجبهات الأوكرانية، في صورة “القوات التي لا تقهر والعسكر الذين لا يشق لهم غبار”، بعد رفعهم العلم على إحدى المواقع التي نجحوا في اقتحامها والسيطرة عليها.

أولى التسجيلات المصورة التي وثقت مشاركة الألوية العسكرية الشيشانية في المعارك في أوكرانيا، بدت مفعمة بالطابع الدعائي الذي تسوق له وسائل الإعلام الروسية، من خلال التركيز على القوة الجسدية للجنود وعضلاتهم المفتولة وشدة بأسهم وشجاعتهم، وقدرتهم على اقتحام أشد المواقع تحصينا.

عقلية المؤسس

الدعاية الإعلامية أبرزت بشكل جلي عقلية الجنود والضباط الشيشانيين الفخورين بولائهم لروسيا، والتي تمتزج بالاعتزاز بثقافتهم وعاداتهم الإسلامية وتعكسها عبارات التكبير التي يرددونها باستمرار.

يربط الخبراء في الشأن الروسي هذا “المناخ العقائدي والفكري” المنغرس في تركيبة الألوية الشيشانية المقاتلة وسلوكها، بالرئيس رمضان قاديروف الذي يشرف بشكل شخصي منذ 15 عاما على تأسيس هذه القوات وتدريبها، وإعدادها النفسي والقتالي.

قاديروف الذي يوصف على نطاق واسع بكونه الشخصية الأكثر إثارة للجدل في روسيا بعد فلاديمير بوتين، حرص على غرس طباعه وأسلوبه وعقليته، وحتى ولائه المطلق للرئيس الروسي بين أفراد قواته، حتى باتوا نسخة كربونية عن زعيمهم، يرددون الشعارات ذاتها التي تعتبر الحرب على أوكرانيا “واجبا مقدسا” لحماية أمن روسيا القومي.

رجل الشيشان القوي

يحرص رمضان قادروف الذي ورث الزعامة السياسية عن والده الذي تم اغتياله من جانب الجماعات الجهادية المناوئة لموسكو، على الظهور بشكل مستمر محاطا بأفراد قواته، يتابع بفخر وكبرياء وثقة عروضا عسكرية لألويته التي تضم بين صفوفها أكثر من 10 آلاف رجل حسب التقديرات، والحاصلين على أفضل مستويات التدريب والتسليح.

ويشتهر رمضان إلى جانب أزيائه المستوحاة من التراث الشيشاني ولحيته الشقراء، بحرصه الشديد على تخليد ذكرى والده أحمد قاديروف والذي يعتبره رمزا للاعتدال وتكريس السلام في الشيشان، بعد حربين مريرتين خاضهما الانفصاليون من ذوي النزعة الجهادية مع روسيا خلال التسعينات.

أطلق رمضان اسم والده على عدة منشآت ومشاريع وجمعيات خيرية عديدة، بما فيها الرياضية، وتغيرت تسمية نادي “تيريك” الناشط في الدوري الروسي الممتاز لكرة القدم إلى نادي “أخمات غروزني” سنة 2010.

علاقة خاصة ببوتين  

يشتهر رمضان بنفوذه القوي لا في الشيشان فقط بل في روسيا الاتحادية بأسرها، ويرجعه الملاحظون والتقارير الصحفية إلى علاقته الوثيقة للغاية بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إذ يعد قاديروف من أخلص رجال سيد الكرملين وموضع ثقة لا حدود لها.

ثنائية الولاء والحب المتبادل بين الرجلين تبرز في تصريحات عدة، لعل أهمها وصف بوتين لرمضان بأنه بمثابة “ابن له”، فيما يكرر قاديروف استعداده الدائم للتضحية بحياته في سبيل قائده ووطنه روسيا.

تجمع شخصية الرئيس الشيشاني بين ثنائية القوة والاعتداد بالنفس التي تظهر في سلوكه وتصريحاته، وكذلك التدين الشديد والذي يبرز في قيافته وهيئته وحرصه الشديد على أداء الصلوات، وفرض احترام الشريعة الإسلامية في الشيشان.

يرجع العارفون بقاديروف التربية الدينية الصارمة التي تميز شخصيته، إلى انتماء أسرته إلى الطريقة القادرية الصوفية الشهيرة، والتي اشتق منها اسم عائلته، والتي تلتقي مع الروايات التي تتحدث عن الصلة الوثيقة لأجداده بأقطاب هذه الطريقة الدينية.

حرب على التشدد

لا يخفي قاديروف كراهيته الشديدة للحركات الجهادية والفكر المتشدد، وهو أمر يرجع إلى معتقده الفكري الصوفي الذي ينبذ التطرف، فضلا عن تجربة والده مع حركة الجهاد الشيشاني، والتي انتهت بإعلان ولائه لموسكو خلال حرب 1999.

شن رمضان حربا دعائية وأمنية لوقف موجة انخراط الشباب الشيشاني في القتال في سوريا خلال السنوات الماضية، بالصرامة نفسها  التي يحرص فيها على تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية على مواطنيه، الأمر الذي حرك ضده موجة إدانات حقوقية دولية واسعة، في ظل تتالي الاتهامات الموجهة إليه بالتضييق على الحريات وانتهاك الحقوق، فضلا عن تسليط عقوبات شديدة ضد المفطرين في رمضان وتجريم المثلية الجنسية.

مع دخول الحرب على أوكرانيا مسارا معقدا، أطلق رجل الشيشان القوي دعوات صريحة إلى الرئيس بوتين لتوسيع نطاق العمليات العسكرية، وتجاوز “المحاذير التي تنتهجها القوات الروسية تجاه المدنيين”، مطالبا بالضرب بقوة لحسم المعركة، تصريح بقدر ما قد يجد هوى في نفس بوتين، بقدر ما تبدو فيه المزايدة السياسية من جانب الابن الروحي على قائده خطيئة قاتلة، لا يجرؤ على اقترافها إلا رجل بحجم نفوذ قاديروف ومكانته.