“شراهة رأس المال تعمي الأبصار عمّا يحدث في غزة”.. مدونون يندّدون بمشاهد الاحتفال في افتتاح مول برام الله
أثار افتتاح أكبر مول تجاري في فلسطين بمدينة رام الله صباح أمس الأحد، حالة من الغضب في أوساط الشارع الفلسطيني.
مشاهد افتتاح “المول” الذي شاركت فيه شخصيات في السلطة وحركة فتح رافقته أجواء احتفالية صاخبة سرعان ما انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي تأتي في وقت تواصل فيه قوات الاحتلال الإسرائيلي “تقتيل” أبناء غزة وتجويع أطفالها وضرب كل مقومات الحياة فيها.
الافتتاح تم وسط حالة من الابتهاج والتصفير والرقص على إيقاعات الدبكة الفلسطينّية من قبل المشاركين الذي حضروا الافتتاح في بلدة سردا من قضاء رام الله.
“صدّق أو لا تصدّق”؟
وأسالت الحادثة حبر عشرات المدونين والنشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي أين انتشرت وسوم “صدّق أو لا تصدق”، معربين عن استغرابهم من أجواء الاحتفال في وقت تتساقط فيه أرواح الغزاويين الواحد تلو الآخر.
وعلّق الناشط معاذ حامد قائلا: “في العالم الموازي في الوقت الذي يقتل فيه أهلنا في غزة في إبادة مفتوحة لم يسبق لها في التاريخ يفتتح أكبر مول تجاري في فلسطين برام الله في وقت لا يجد الغزاوي كسرة خبز يسكت بها جوع أطفاله”.
وأضاف: “أيّ إحساس وضمير لكم؟ ما قدرتوا تفتتحوا المول دون احتفال وطنطنة وزفة”.
وتابع: “أكوام أكياس جثث الغزاويين ما زالت أمام المستشفيات وفي الطرقات تأكلها الحيوانات البرية، والله الكلاب الضالة عندها ضمير أكثر منكم، هي تأكل عندما تجوع أما أنتم فلا مشاعر ولا أخلاق.. ناقصكم شوية كرامة”.
وعدّ المتابعون والنشطاء هذه المشاهد، انسلاخا عن القيم الوطنية، وموتا للروح الإنسانية، وانسياقا وراء خطط رامية إلى سلخ المواطن الفلسطيني عن همومه وتدمير للنسيج الاجتماعي الفلسطيني.
الضفة الغربية ومشاريع الخذلان
وأشار الناشط الأستاذ أحمد الزعتري في تدوينة له بعنوان: “الضفة الغربية ومشاريع الخذلان” إلى أنّ حرب الإبادة في غزة بدأت قبل ما يقرب من عام ونصف العام.. لكن حـرب التهجير والتـهـويد في الضفة منذ سنين طوال، وما زال فريق من أبناء هذا الشعب يغلب مصالحة الخاصة على كل ما له علاقة بهذا الوطن، بل ويتقاطع مع الاحتلال على حساب كرامة أبناء شعبة وقضيته العادلة”.
وتابع: “وفي هذا السياق تستمر نخب سياسية واقتصادية في مشاريعها الاستثمارية دون أيّ مراعاة لما يحدث في كل الوطن من إبادة وتهجير”.
وأردف: “مول رام الله نموذج من نماذج التجريف والخديعة وإظهار أنّ الوطن وأهله بخير، لذلك أقول لكل حرّ شريف في هذا الوطن: إذا لم تستطع فعل أيّ شيء لمساعدة المظلومين، قاطع ثم قاطع ثم قاطع كل الفاسدين والمفسدين وكل من يسلك سلوكا لا ينتمي إلى هذا الوطن ولا يعيش معاناة أهلة وشعبه”.
من جهته، كتب المحلل السياسي عصام شاور قائلا: “قبل 5 أشهر تم افتتاح (ايكون مول) افتتاحية تجريبية على أن يتم الافتتاح رسميا عندما تهدأ الأمور، ويبدو أنهم رأوا بأن الأمور هدأت، لا شهداء ولا قصف بيوت ومشافي مثل المعمداني.. شراهة رأس المال تعمي الأبصار عن رؤية الجثث والرؤوس المقطوعة في غزة”.
وعقب الصحفي رغيد طبسية قائلا: “ظهرت في السنوات العشرين الماضية طبقة اجتماعية غريبة على المجتمع الفلسطيني، منفصلة عن واقعه، تحتكر موارده، وتتغذى على عذاباته، وتنتفع من سيطرة المحتل عليه”.
حسب طبسيه فإن هذه الطبقة “أطالت أمد الاحتلال وشاركته في مشاريعها، وحسّنت صورته أمام العالم وإذا أردت أن تعرف من هم الأمر سهل، أنظر إلى من يقص الشريط ويلتقط الصور”.
“شيء من الكرامة ينقصنا”
من جهته قال المدون خالد الصافي في منشور على منصة إكس: دماء آلاف الأبرياء في غزة لم تحرك مظاهرة واحدة في رام الله بينما الآلاف يحتفلون بافتتاح آيكون مول في ذات المدينة.. أيّ دماء تجري في عروق هؤلاء؟!”.
من جانبه، اعتبر مدون آخر من الضفة، أبو بكر صالح أنّ “لا شيء ينقصهم في الضفة سوى القليل من الكرامة”، وفق تعبيره.
ولفت مدونون آخرون إلى أنّ مشاهد الاحتفال تجسّد واقع الأمة العربية والإسلامية بشكل عام.
ويقول الناشط الجزائري عثمان: “ما يحدث اليوم في فلسطين المحتلة هو أفضل شرح لوصف حالة أمة تضم أكثر من 2 مليار مسلم”.
ويضيف: “ففي غزة جيش الاحتلال الإسرائيلي يقصف مستشفى المعمداني، وبرام الله حشود ضخمة تحتفل بافتتاح مركز تجاري جديد.. لا يمكن أن تجد تناقضا أوضح من هذا لواقعنا”.
“افتتاح المول نقطة ببحر من سقوطنا العام”
من جهتها، تقول تامي الرفيدي عضو الملتقى الوطني الديمقراطي في تدوينة بفيسبوك: “المسألة لا تتعلق بافتتاح مول وإنما الإشكال الحقيقي يكمن في القيادة التي نجحت في تكريس الانقسام وتدجين الشعب وتعليمه الصمت، والشعور الفردي، والمصلحة الشخصية وعدم احترام الاخر”.
وتتابع أنّ “القيادة نجحت جدا في تعزيز الوهم بأنه هناك دولة ومظاهر ومواكب ووزارات وسفارات.. لدينا مُشكلة ثانية تكمن في الثقافة وتقبل لفكرة أننا دولة”.
وتضيف الرفيدي: “ليس هناك إحساس بأنّنا نواجه حرب إبادة مازالت مستمرة.. افتتاح المول لم يسقط قِيمنا وأخلاقنا وإنما قيادتنا هي من فعلت ذلك وانسقنا وراءها.. المول نقطة ببحر من سقوطنا العام”.
وكان من بين أبرز المشاركين في الحفل محافظ رام الله والبيرة “ليلى غنام”، التي تشتهر بالاستعراضات أمام الكاميرا، في حين تسن قلمها وقراراتها لملاحقة المقاومين والنشطاء والمعارضين في رام الله وتزج بهم في السجون، وفق ما تناقلته وسائل إعلام فلسطينية.
وتوصف غنام بين النشطاء بـ”العنصرية”، إذ لاقت انتقادات حادّة وذلك خلال حرب الإبادة على قطاع غزة عقب نشر مقطع فيديو يظهر طبيعة معاملتها لعمال قطاع غزة الذين لجأوا إلى الضفة الغربية بعد العدوان الإسرائيلي على القطاع.