"رحلة"... كوميديا سوداء عن تونس ما بعد الثورة
tunigate post cover
ثقافة

"رحلة"... كوميديا سوداء عن تونس ما بعد الثورة

فيلم "رحلة" يسرد في 25 دقيقة قصّة مواطن تونسي يعيش في المهجر ويواجه مع عائلته العديد من "المطبّات" في طريق عودتهم إلى جرجيس
2022-11-03 17:18

صابر بن عامر

“اليوم 9 أوت/أغسطس 2013″، هكذا يُعلن صوت مقدّم برامج عبر أثير المذياع، مواصلا: “الطّقس حار بتونس العاصمة، ويصل إلى 47 درجة في الجنوب”.

تُصوّر الكاميرا إثر هذا الكلام بشكل بانورامي عريض، الميناء البحري لحلق الوادي والمواطنون المهاجرون يتوافدون بسيارتهم على جادات الميناء، كلٌّ نحو وجهته.

رحلة مرحة وموجعة

تستقرّ الكاميرا أخيرا على سيارة عائلة الحبيب (الشاذلي العرفاوي)، المكوّنة من زوجته الفرنسية برندات (وجيهة الجندوبي)، وابنتها المراهقة كريستين، وطفلهما بلال.

السيارة محملّة على الآخر بكل أنواع الأثاث والهدايا، والوجهة جرجيس مسقط رأس الحبيب. تأتيه في الأثناء مكالمة هاتفية من أحد أقاربه يوصيه بضرورة المرور بالقيروان، عوضا عن الطريق السيارة تونس صفاقس، ليجلب معه المقروض (حلويات تونسية) هدايا للأقرباء والأصدقاء.

هنا تنطلق رحلة العائلة مع المتاعب، حاجز أول لبعض الشباب المعتصمين احتجاجا على عدم تمكينهم من الماء الصالح للشراب، يُقسم قائدهم (محمد أمين الحمزاوي) ألّا يمرّ أحد حتى تلبّي السلطات مطالبهم.

يضطرّ ربّ العائلة الحبيب إلى منحهم جلّ ما بحوزته من أثاث حتى يمكّنوه من المرور، وهو الذي يُغالي في مدح الوضع المستقرّ للبلد أمام زوجته الفرنسية وابنتها المتبرّمة دائما.

حاجز ثان، بطلاه هذه المرة عونا شرطة (قاما بالدور نجيب بلقاضي وموستيك)، يُقايضانه إمّا تسجيل مخالفة حمولة زائدة أو منح أحدهما هاتفه الجوال، فيذعن صاغرا، واهما زوجته بأنّ العون رفيقُ دراسة قديم، وما يحدث بينهما من باب الدعابة لا غير.

“مطب” ثالث، ثُقب يُصيب إحدى عجلات السيارة، ولا من معين، إلى أن يجد العم رامي (صلاح مصدّق) الذي يقلّهم إلى وجهتهم. في الأثناء يدور حوار ذو منحى سياسي بينه وبين الحبيب، يستشيط العم رامي غضبا ويُلقي بهم خارج سيارته.

يهيمون على وجوههم في الخلاء إلى أن يلتقوا ببعض الإرهابيين   -كما جاء على لسان الابن بلال- لينتهي الروائي القصير المُشارك في المسابقة الرسمية لأيام قرطاج السينمائية الـ33، دون معرفة مصير العائلة.

طرافة وعمق

كوميديا سوداء أتت في 25 دقيقة كشفت جانبين متناقضين في تونس -عامين بعد ثورة 14 جانفي/يناير 2011- جمال طبيعة البلاد وسحر تضاريسها، في مقابل تغيّر حال أهلها وما سادهم من تفرقة أيديولوجية، وتفاوت اجتماعي طبقي، ولا مبالاة بمشكلات الآخرين، ومن استشراء الفساد.

وما يُحسب للفيلم ذاك الكاستينغ الناجح لجميل النجار، خاصّة في اختياره الثنائي الشاذلي العرفاوي ووجيهة الجندوبي، اللذين أتقنا دوريهما حدّ التماهي، دون كثير ثرثرة وانفعالات مُضخّمة ومُفتعلة.

كما أنّ فكرة الفيلم على بساطتها لم تخل من طرافة وجدّة في الآن ذاته، بنسقية كوميدية مُستساغة لكلّ الشرائح الاجتماعية والعمرية، فيها بداية ووسط ونهاية، الأمر الذي يقطع مع ما تعوّده جمهور أيام قرطاج السينمائية في مسابقات المهرجان الرسمية، من اشتغال على سينما المؤلّف الجادة والإشكالية، بل والغامضة أحيانا.

وفي هذا الخصوص قالت بطلة سيتكوم “جنون القايلة” إيمان بدرجح، في تصريح خاصّ ببوابة تونس: “قوة الفيلم تكمن في جمعه بين الطرافة وعمق المعنى، ضمن قصّة سلسلة، يفهمها كل مُشاهد وفق آلياته ومرجعياته. أتوقّع للفيلم تتويجا في المهرجان”.

وتُضيف: “تمنّيت لو أنّ الفيلم لم ينته، وأتى في شكل روائي طويل، حيث أنّ قصّته وقوة أداء ممثّليه يحفّزان فيك طلب المزيد… كما أُثني كثيرا على جمال الصورة وكادراتها التي أجادها مخرج الفيلم جميل النجار”.

وجميل النجار، مخرج تونسي شاب من مواليد 1980 بمدينة حلق الوادي. حصل عام 2000 على ديبلوم مساعد مخرج من المعهد العالي للفنون والوسائط المتعدّدة بمنوبة. وفي العام 2003 أخرج أوّل فيلم قصير له بعنوان “التسلّل”، والذي نال عنه جائزة لجنة التحكيم في مهرجان أفلام الهواة في قليبية، تلاه فيلمه القصير الثاني “غصرة” الذي جاب به كبرى المهرجانات الدولية، وهو أيضا مخرج سيتكوم “الرئيس”.

كما كانت له العديد من المشاركات بصفة مساعد مخرج في مسلسلات: “بوليس حالة عادية”، “القضيّة 460″، “ليلة الشك”، “نجوم الليل”، وفوازير “في رمشة عين”.

أيام_قرطاج_السينمائية#
تونس#
مهرجانات#

عناوين أخرى