عبدالسلام الزبيدي
بعد سبعة أشهر على تعيين وزيرة التجهيز والموظفة السامية بها المهندسة سارة الزعفراني الزنزري رئيسةً للحكومة، لم نسمع لها صوتا في تصريح إعلامي يوضّح سياساتها. ولم “يحظ” التونسيون بفرصة الإنصات إليها وهي توضّح السياسات العامة للدولة التي يضبطها دستوريا رئيس الجمهورية وتسهر بحكم صلاحياتها الدستورية على تنفيذها والتنسيق بين أعضاء الحكومة. ولم تطأ قدماها عتبات مجلس نواب الشعب ومجلس الجهات والأقاليم سواء في جلسة حوار أو أيّ نشاط آخر من شأنه أن يفتح قنوات التواصل والفهم عبر الوسائط المنتخبة. وذلك بعد أن ضمرت فاعلية الوسائط الإعلامية والحزبية والمنظماتية والجمعياتية.
أهم الأخبار الآن:
من “حسن حظّ” رئيسة الحكومة الرابعة المعيّنة مباشرة من رئيس الجمهورية قيس سعيد دون استشارة سياسية ولا تصويت برلماني، أنّها لم تُعيَّن خلال عشرية الانتقال الديمقراطي. فبفضل سكنها في قصر القصبة في عهد حرب التحرير وزمن البناء والتشييد باعتبارهما شعاريْ اللحظة السياسية الراهنة، غدت معفيّة آليا من “محاكمات” 100 يوم منذ تسلّمها المهام، وأصبحت في غنى عن الحضور أمام النواب في جلسات مساءلة أو حوارية وفق عبارات نص الدستورين المُلغى بقرار من سعيّد أو الجاري به العمل.
دستوريا: لا معنى لمساءلة الحكومة ورئيستها
صحيح، أنّ تونس تعيش منذ لحظة الإجراءات الاستثنائية ليل 25 جويلية 2021 نظاما رئاسويا تتمركز فيه أهم السلطات، وقد امتدّ هذا الوضع بعد دسترته، ورغم احتفاظ مهمة رئاسة الحكومة بعدد من الصلاحيات التي يمكن تقييمها على ضوئها. ومن هذا المنطلق من المشروع التساؤل عن نجاعة العمل الحكومي في ظلّ ترؤس سارة الزعفراني الزنزري للفريق المعيَّن من قِبل رئيس الجمهورية.
وسيكون تقديم بعض الملاحظات والتساؤلات حول الأداء والظهور والنجاعة وربّما الآفاق، خلال استعراض صلاحيات رئيس الحكومة وفق دستور 2022 الذي خطّة قيس سعيد بيمينه وغدا النص المُحكَّم بفعل الواقع.
إن كان رئيس الجمهورية هو المسؤول حصريا عن ضبط السياسات العامة للدولة (الفصل المائة)، فإنّ “الحكومة تسهر على تنفيذ السياسات العامة للدولة وفق التوجّهات والاختيارات التي يضبطها رئيس الجمهورية” (الفصل المائة وإحدى عشر). واعتمادا على منطوق هذا النص الدستوري، لا معنى لمساءلة الحكومة ورئيستها عن السياسات العامة للدولة وعن الاختيارات.
فالسياسات العامة مثل الأولويات الوطنية على المستوى الاقتصادي مثل سياسات الدعم والصحة والتعليم والنقل والبيئة، من مهام رئيس الجمهورية أمّا دور الحكومة فيقتصر على تحويل السياسات والخيارات إلى خطط تنفيذية وعملية.
وحتّى يتضّح الحال يمكن ضرب مثل التلوّث البيئي بولاية قابس جرّاء إفرازات مصانع المجمع الكيميائي. يُعدُّ تحميل الحكومة رئيسةً ووزراء خاصة الصناعة والبيئة مسؤولية تفكيك المجمّع من عدمة إذا لم يتّخذ رئيس الجمهورية قرارا واضحا وصريحا في الأمر. لكن ما نراه في المشاهد الاحتجاجية والسياسية الرسمية (البرلمان والمجالس المحلية) والمعارضة توجّها لتسويق عناصر خطاب تتعارض مع الدستور ومع الواقع.
وفي السياق، فإنّ اتّخاذ مجلس وزاري برئاسة رئيس الحكومة السابق كمال المدوري وعضوية وزيرة الصناعة الحالية يوم 5 مارس 2025 قرارا باعتبار الفوسفوجيبس مادة ضارة يعدّ من السياسات العامة للدولة بيئيا وصناعيا ومن اختياراتها في التعاطي مع التنمية والتلوّث. وهي قضايا من صلاحيات رئيس الجمهورية الذي استقبل قبل 24 ساعة فقط وزيرة الصناعة وتمّ التطرّق إلى عديد المسائل من بينها النقطة المشار إليها. وعليه فإنّ أيّ خطاب يتناقض مع الصلاحيات الدستورية لكلّ طرف، فيه ظلم له. فلا معنى لتحميل الحكومة مسؤولية تتجاوز صلاحيات رئيستها وأعضائها.
رئيس الجمهورية، من الصلاحيات إلى المسؤوليات
أمّا الفصل المائة واثنا عشر فينصّ على أنّ “الحكومة مسؤولة عن تصرّفاتها أمام رئيس الجمهورية”. وهو الذي “يُعيّن رئيس الحكومة كما يعيّن بقية أعضائها باقتراح من رئيسها” (الفصل المائة وواحد)، وأسند له الدستور صلاحية إنهاء “مهام رئيس الحكومة أو عضو منها تلقائيا أو باقتراح من رئيس الحكومة” (الفصل المائة وإثنان).
بمقتضى هذه الفصول أطلق الدستور يديْ رئيس الجمهورية في تعيين الحكومة رئيسًا وأعضاء دون أيّة حاجة إلى استشارات أو مفاوضات سياسية، كما أعفاه من عرض الحكومة على البرلمان من أجل نيل الثقة. وبقدر ما يسّرت هذه الصلاحيات مهمته في الاختيار وكذلك في الإعفاء أو الإقالة، تترتّب عنها مسؤولية سياسية وأخلاقية واعتبارية عن الاختيار وعن الإقالة.
وعلى هذا الأساس، فإنّ أيّ تقييم مفترض لسارة الزعفراني الزنزري باعتبارها رئيسة حكومة يستتبع سياسيا ومنطقيا تقييما لطبيعة اختيارات رئيس الجمهورية أو ما يسمّى الكاستينغ، خاصة وأنّ سعيّد اختار ستّة رؤساء حكومات اثنان زمن الانتقال الديمقراطي ( إلياس الفخفاخ وهشام المشيشي) وأربعة رؤساء وزراء زمن الاستثناء ودستور 2022 ( نجلاء بودن وأحمد الحشاني وكمال المدوري وسارة الزعفراني الزنزري).
كما أنّ الفصل الخاص بتحمّل الحكومة مسؤوليتها أمام رئيس الجمهورية وليس الشعب بنوابه أو مجلسيه التمثيليين، يجعل حمل رئيس الدولة أكبر. فهو الذي اختار الأشخاص وضبط السياسات وحدّد الاختيارات، وهو الذي يُقيل رئيس الحكومة دون حاجة إلى إعلام البرلمان، ويقيل أعضاء الحكومة دون حاجة إلى إعلام رئيسهم في الوظيفة أي رئيس(ة) الحكومة.
أمام مجمل هذه المعطيات ذات الصبغة الدستورية يبقى تقييم عمل رئيسية الحكومة من صلاحيات رئيس الجمهورية من الناحية الدستورية، أمّا من الناحية السياسية فمن حق البرلمان والأحزاب والمنظمات والإعلام أن تقوم بأدوراها نظريا على الأقل.
تهافت تحميل الحكومة مسؤولية السياسات
أسند الدستور إلى نواب المجلسين صلاحيات دعوة “الحكومة أو عضو منها إلى الحوار حول السياسة التي تمّ اتّباعها والنتائج التي وقع تحقيقها أو يجري العمل من أجل الوصول إليها” بالإضافة إلى آلية الأسئلة الكتابية والشفهية (الفصل المائة وأربعة عشر). بعد أن قضم دستور 2022 عديد الصلاحيات الممنوحة للنواب في علاقة بالحكومة وخاصة التصويت للحصول على شرط إمكان ممارسة المهام، أبقى لهم إمكانية التحاور في الجانب التنفيذي والعملي وليس السياسات العامة، والفصل أعلاه واضح علاوة على أنّ من يضبط السياسات (رئيس الجمهورية) لا يخضع بموجب الدستور الذي خطه بنفسه للمساءلة.
وهنا نقف على محدودية دور البرلمان في الحوار، إذ لا حقّ له في مساءلة الحكومة التي يرأس مجلس وزرائها رئيس الدولة عن السياسات العامة. فتلك السياسات بإمكان رئيس الجمهورية عرضها على المجلسين سواء في خطاب أو رسالة، وذلك وفق الدستور.
وكما أنّ جدوى الحوار البرلماني محدودة للغاية، فإنّه لا معنى لمحاسبة الحكومة عن سياسات لم تكن شريكة في صياغتها، وكلّ المستطاع هو محاورتها حول سياسات التنفيذ والنتائج، ليتكفّل رئيس الجمهورية بمهمة تحميل المسؤوليات.
وهكذا يتهافت القول إنّ الحكومة مسؤولة عن هذه السياسات أو تلك، وإنها تعمل ضدّ خيارات رئيس الدولة. فكيف يمكن أن يكون ذلك صحيحا، وهو من يضبط السياسات ويحدّد الخيارات ويعيّن الحكومات ويقيلها. بيده كل أسلحة الفعل السياسي ويمسك بكل أدوات القرار، في حين أنّ رئيسة الحكومة مسؤولة فقط عن تنفيذ السياسات وتنسيق العمل الحكومي… فعلا لقد صدق دستور 2022 عندها أطلق على السلط التشريعية والقضائية والتنفيذية اسم الوظيفة.
ولذلك، ولغير ذلك لا أهمية للتقييم الإعلامي والسياسي لعمل موظّف حتى ولو كان برتبة رئيس (ة) حكومة.


 
					 
            	                 
            	                 
            	                
أضف تعليقا