ثقافة

دلال أبو آمنة تُهدي شهداء غزّة من تونس… “إحنا فلسطينية”


قلم: صابر بن عامر

عدسة: مروان بربيرو وحسان فرحات

في ليلة شهدت عدوانا إسرائيليا جديدا على غزة مساء الجمعة 5 أوت/ أغسطس، أحيت الفنانة الفلسطينية دلال أبو آمنة في أول حضور جماهيري لها بتونس ضمن فعاليات الدورة الـ56 من مهرجان الحمامات الدولي، سهرة طربية قدّمت من خلالها الموسيقى التراثية الفلكلورية الفلسطينية وبعضا من السجل الغنائي العربي لأم كلثوم وفيروز، بل والتونسي أيضا في “ميدلي” للفنانة التونسية الراحلة نعمة أصيلة الوطن القبلي محافظة نابل الحاضنة لمهرجان الحمامات.

ولأن الحدث جلل في وطنها الأم فلسطين، افتتحت دلال السهرة بأغنية من التراث الفلسطيني حملت عنوان “احنا فلسطينية”، أهدتها إلى شهداء غزة قبل أن تنطلق في أداء روائع أم كلثوم انطلاقا من “الأمل”، مروارا بـ”أنا في انتظارك”، وصولا إلى “غنيلي شوي شوي”، كما غنّت لفيروز “زهرة المدائن” وسط تفاعل جماهيري كبير، مختتمة الحفل بأغنية الفنان اللبناني إيلي شويري “بكتب اسمك يا بلادي”.

لهجات متعدّدة لفنانة واحدة

بين أغنية الافتتاح والاختتام قدّمت الفنانة الفلسطينية بقيادة المايسترو التونسي محمد الأسود وفرقته الموسيقية، باقة من أشهر أغنيات الجدّات الفلسطينيات التي تندرج ضمن مشروعها التراثي “يا ستّي”، كما احتفت على طريقتها الخاصة بالفنانة التونسية الراحلة نعمة، أصيلة المنطقة، عبر أغنيتيْ “وينك يا غالي” و”الليلة عيد” لتتعالى زغاريد وهتافات الجماهير التي غصّت بها مدرجات المسرح المحاري بالحمامات.

ودلال التي اكتسبت شهرتها العربية بصوتها العذب وقدرتها على أداء مختلف الأنماط الموسيقية، خاصة الطرب الكلاسيكي والموشّحات الأندلسية وتراث بلاد الشام، كانت في سهرة الجمعة وفيّة لهذا النهج الذي اختارته طواعية، وهي التي عملت على صياغة هوية فلسطينية عالمية من خلال موسيقاها، ويظهر هذا جليا في ألبوماتها الغنائية  “نور” و”عن بلدي” و”يا ستّي”.

على مدى ساعتين، أبدعت الفنانة الفلسطينية في رسم لوحات فنية بصوتها الجبلي وكلماتها المؤثّرة، على دور النساء المتقدّمات في العمر المساهمات في الحفاظ على الفولكلور الغنائي الموسيقي.

وغنّت دلال باللهجات الفلسطينية والعراقية والمصرية والشامية والتونسية، وسط تفاعل الجمهور مع مختلف أغاني السهرة، التي تراوحت بين “الكلثوميات” وبين أغاني التراث التي ذاع صيتها في الشرق الأوسط على غرار “فوق النخل” و”هلالالا ليا” و”يا حنينة”، مُستعيدة بعضا من الطرب في زمن الصخب المنتشر في الآونة الأخيرة.

وهي التي أعربت في أكثر من مرة أمام جمهورها التونسيّ الغفير الذي اقتنى جميع تذاكر حفلها أسبوعا قبل العرض، عن امتنانها وتقديرها للجمهور التونسي والعربي الذي دعمها طيلة السهرة، مؤكّدة أن الفن وسيلة لتوحيد مختلف الثقافات وإبقاء الذاكرة حية.

الغناء دواء وشفاء

عن سؤال بوابة تونس لها حول ما الذي تغيّر في دلال أبو آمنة التي انطلقت في ربيعها الرابع عام 1987 في مسابقة “أميرة الربيع” ونالت حينها اللقب عن أغنية “مريم مريمتي” وما هي عليه الآن؟

قالت: “لم أتوقّع يوما أن أكون فنانة، كان غنائي ملهاة لي، أو بعبارة أخرى شغفا طفوليّا، تمنّيت أن أصبح عالمة، أو طبيبة خاصة وأن أختَيَّ مصابتان بالصمم، فاخترت عالم الطب علّني أساعدهما على تجاوز محنتيهما، وحين أنهيت دراستي، عدت إلى عشقي الأول الغناء، فاكتشفت مدى عمق الشفاء الذي يوفّره الغناء لكل ذي كرب، وانطلقت مسيرتي الاحترافية على هذا الأساس”.

وتضيف: “اخترت النبش في التراث الفلسطيني والعمل على تطويره موسيقيا، ليكون سلاحي ضد التهميش الممنهج للهوية الفلسطينية من قبل المحتلّ، وأعتقد أنني نجحت في ذلك، فالجمال الفلسطيني، سواء كان تطريزا أو حليا أو غناء، هو عنوان هويتنا واستمراريّتنا وحقّ عودتنا”.

وعمّن اختار لها فكرة الغناء لنعمة التونسية، قالت: “هو ذكاء المايسترو محمد الأسود الذي طلب مني الغناء من خارج الصندوق، بعيدا عن الكلاسيكيات الغنائية التونسية المعتادة، فقبلت التحدّي وغنيت “وينك يا غالي” و”الليلة عيد” لسيدة الطرب التونسية نعمة”.

وفي الخصوص ذاته قال محمد الأسود: “دلال لها من قوة الصوت وعذوبته ما يخوّل لها أداء أصعب الألحان، وهو ما راهنّا عليه سويّة، وأعتقد أننا نجحنا فيه بإيقاعية موسيقية مختلفة تُشبهها وتُشبهني على حد سواء”.

وأعربت دلال في ختام لقائها معنا عن اضطرارها تغيير برنامج سهرة ليلة أمس بعد العدوان الإسرائيلي الغاشم على غزة، وهي التي أرادت أن تقدّم وصلة غنائية حماسية من الزفة الفلسطينية، لكنّ المصاب لا يتحمّل كل ذاك الاحتفاء، فآثرت أن تُهدي الجمهور التونسي ومن خلاله شهداء غزة رائعة فيروز “زهرة المدائن”، التي تدرّبت عليها مع الفرقة التونسية ساعة فقط قبل انطلاق الحفل، مُثنية على حرفية المايسترو محمد الأسود ومن خلاله كل العازفين التونسيين المهرة، وفق توصيفها.

من هي دلال؟

دلال أبو آمنة من مواليد مدينة الناصرة شمال فلسطين في العام 1983، مغنية ومنتجة فلسطينية ودكتورة باحثة في علوم الدماغ وفيسيولوجيا الأعصاب من معهد التخنيون التطبيقي في حيفا.

بدأت الغناء في سن الرابعة، حيث شاركت في مسابقة “أميرة الربيع”، ونالت حينها اللقب عن أغنية “مريم مريمتي” عام 1987، وفي عمر السادسة عشر عُرفت بأدائها المتقن لأغاني الطرب الأصيل والأدوار القديمة، إلى جانب تأديتها لأغاني التراث الفلسطيني والشامي.

شهد لها كبار موسيقيي العالم العربي، مثل صلاح الشرنوبي وأصالة نصري، وأشادوا بصوتها الذي يدمج برأيهم بين الأصالة والحداثة.

عُرفت بتقديمها للفن الإنساني الملتزم، وتعمل على تطوير الفن الفلسطيني بحيث يحافظ على أصالته من ناحية ويحاكي الجيل الشاب والمستمع الغربي من ناحية أخرى وسيلةً لترسيخ الهوية الفلسطينية ودعم قضايا الشعب الفلسطيني. شاركت في مهرجانات عالمية وعربية هامة، مثل مهرجان جرش ومهرجان الموسيقى العربية في دار الأوبرا المصرية، وقامت بتمثيل فلسطين في عدة “أوبريتات” عربية كـأوبيريت “أرض الأنبياء” عام 2012 وأوبريت “نداء الحرية” عام 2014.

كما تُشارك بشكل دائم في أمسيات ثقافية وفنية محليا وعربيا ودوليا، بالإضافة إلى مشاركاتها ضمن فرقتها الخاصة، وهي أيضا المغنية الرئيسية في الأوركسترا العالمية “ميستو” التي تقدّم من خلالها أغاني التراث العربي والفلسطيني بمرافقة موسيقيين غربيين وبتوزيع أوركسترالي في كافة أنحاء العالم.

قامت بإصدار عدة أغان نالت شهرة واسعة مثل “أنا قلبي وروحي فداك” عام 2001، كلمات عدنان عباسي وألحان الفنان علاء عزام وتوزيع حبيب شحادة، وسجلت في أستديوهات كارم مطر “خليني في بالك” 2003، وأصدرت ألبومين اثنين: “كريم يا رمضان” (2007)، و”عن بلدي” (2013)؛ وهو ألبوم يحكي عن فلسطين بجوانبها المختلفة وبأساليب غنائية متنوعة، ونالت إحدى أغانيها “عين العذراء” التي كانت على قائمة الأغاني الأنجح إذاعيا، وأغنية “بكرة جديد” التي كانت ضمن الخمس أغاني المختارة في مهرجان يورموود الدولي عام 2006.

ألبومات وإنجازات

أصدرت دلال أبو آمنة عدة ألبومات وأغان منفردة لاقت نجاحا كبيرا في فلسطين، واكتسبت انتشارا واسعا لدى شريحة كبيرة من المتابعين، إضافة إلى المثقفين العرب والأجانب في كل أنحاء العالم.

أحد هذه الألبومات بعنوان “عن بلدي”، والذي تحكي فيه عن فلسطين من زوايا جديدة ومتعددة تكشف فيه الجمال والفرح الفلسطينيين، عبر أغان من إبداع ملحنين وشعراء فلسطينيين بتوزيع موسيقى حديث يتماشى وأصالة القالب الموسيقى الطربي للأغاني.

ثم أطلقت مشروع ألبوم “يا ستي”، الذي يعتبره النقاد واحدا من أهم المشاريع الفنية العربية التي توثّق الغناء التراثي النسوي، إذ يتميز بمرافقة مجموعة من “الجدات– حافظات التراث” لدلال على خشبة المسرح، وهنّ يستحضرن أجواء العائلة الشامية والعربية بالغناء الجماعي وبأسلوب مسرحي عفوي.

كما لها ألبوم “نور”؛ وهو عبارة عن رحلة موسيقية في الشعر الصوفي، تقدّم فيه مقطوعات قديمة لكبار الشعراء الصوفيين مثل ابن عربي وجلال الدين الرومي ورابعة العدوية والحلاج وابن الفارض، بألحان وتوزيعات حديثة وُضعت خصيصا لهذا المشروع،  قامت دلال بإنتاجه بالتعاون مع مؤسّسة البستان في فلادلفيا.