فاطمة الأحمر
تواجه حرفة صناعة الدرينة التقليدية المعروفة محلياً في المنستير شرق تونس بـ “درينة العرجون” خطر الإنقراض بعد عزوف الشباب عن تعلم صنعها و عدم استعمالها من قبل البحارة. درينة العرجون أداة لصيد السمك اعتمدها البحارة منذ قديم الزمان، و صنعها حرفيون معتقون في سواحل تونس.
و تعتبر الدرينة التقليدية موروثا ثقافيا ومن الحرف القديمة التي بدأت بالاندثار، بعد أن تقاعد الحرفيون القدامى، و أهملتها الأجيال الشابة. وتقترح جمعية “أزرقنا الكبير” البيئية فكرة تنظيم دورة تدريبية بمدينة المنستير، إحدى المدن الساحلية الواقعة شرق تونس، لتدريب البحارة الشبان المسجلين بمركز تكوين الصيد البحري بمدينة طبلبة التابعة لولاية المنستير، وهي من أكبر منتجي الأسماك في الجمهورية التونسية، فن استخدام وصناعة درينة العرجون.
وصرح الناشط في جمعية أزرقنا الكبير و منظم الدورة التكوينية بالشراكة مع الأنظمة البيئية CEPF، محمد دمق لموقع بوابة تونس، بأن الهدف من هذه الدورة التدريبية التي تدوم 5 أيام، هو الحد من استعمال وسائل الصيد خاصة منها الدرينة البلاستيكية لما لها من مضار كبيرة على البيئة بصفة عامة، و الثروة البحرية بصفة خاصة، إضافة إلى المحافظة على الثروات البيولوجية والعادات والتقاليد والتراث التونسي، وإحياء الموروث الثقافي.
الدورة التدريبية المتخصصة في صناعة الدرينة التقليدية تهدف كذلك إلى خلق مورد رزق للبحارة الشبان ،خاصة ذوي الإعاقة الذين أثبتوا حرفيتهم العالية، و قدرتهم الفائقة في صنع “درينة العرجون” بمساعدة مكونيهم، و مدربيهم في مركز تكوين ذوي الإعاقة.
وتحدث المكون في صناعة الدرينة التقليدية حسين العجرود، أصيل جزيرة قرقنة التابعة لولاية صفاقس، عاصمة الجنوب التونسي، بشغف عن الحرفة وهو يشد تارة الحبال و الخيوط، ويرخيها تارة أخرى و يداعبها بأنامله، مكونا بصفة تدريجية، ومتناسقة درينة العرجون المستعملة في صيد الأخطبوط، و جميع أنواع السمك.
وقال حسين إن درينة العرجون لها خصائص عدة، فهي إلى جانب محافظتها على البيئة ،و الثروة البحرية، تستعمل من قبل الحبار لوضع بيضه فيها بعد أن تصبح قديمة، و غير قابلة للاستعمال، مشيرا إلى أنها حتى وإن تحللت بالكامل في مياه البحر فهي لا تشكل خطرا بيئيا بالمرة لكونها مصنوعة بالكامل من النباتات فقط.
من النخل إلى قاع البحار
وتابع حسين أن الدرينة التقليدية مصنوعة من عراجين النخيل التي تصبح غير مثمرة وجافة، إذ تقطع العراجيل إلى عراجين صغيرة تسمى “المَشْ”، ثم يقطع باقي العرجون وهو الجزء الصلب و المتماسك فيه إلى أجزاء بالطول، ثم تتم تجزئتها بواسطة السكين إلى خيوط رقيقة جدا يقع ربطها فيما بعد بواسطة حبال خاصة، مصنوعة من نبتة الحلفاء.
و أضاف حسين أن تشكيل الدرينة التقليدية يبدأ أساسا بتشكيل حلقة من خيوط عرجون النخيل يتم فيها شد بقية الخيوط و الحبال المصنوعة من الحلفاء بطريقة متناغمة جدا، حتى تتشكل الدرينة بشكلها المخروطي وتصبح أداة صيد صديقة للبيئة.
وتمتاز درينة العرجون حسب ما أفاد به حسين العجرود بالمذاق الطيب الذي يميز السمك العالق داخلها ويكون مذاقه أطيب من الأسماك التي يتم صيدها بطرق أخرى، لأن الأسماك العالقة في الدرينة لن تتمكن من الأكل بعد أن تدخل الدرينة فتتخلص طول مدة دخولها من الغذاء العالق في أمعائها وتصبح نظيفة تماما، و يصبح مذاقها أطيب.
و أبرز حسين أن الدرينة التقليدية في جزيرة قرقنة لا تستعمل فقط للصيد بل كديكور لتزيين المحلات والمنازل، حتى إن بعض الحرفيين ابتكر طريقة جميلة جدا لتزيين السيارات بدرينة تقليدية لا يتجاوز طولها 10 سنتيمترات.