ثقافة

دراكولا بين الخيال والواقع

في يوم 26 ماي/ أيار من العام 1897 صدرت رواية الرعب الشهيرة “دراكولا” للكاتب الإيرلندي برام ستوكر.

وهي رواية رعب رأت النور في العصر الفكتوري، وتدور حول شخصية دراكولا، الأمير فلاد تيبيس والملقب بدراكولا وتعني ابن التنين.

ويعتبر الأمير فلاد تيبيس، وهو من مواليد مدينة سيجيوشوار، بطلا وطنيا في رومانيا لاحتوائه الاجتياح التركي لأوروبا.

حكم بين عامي 1456 و1462، وكان موصوفا بتعامله الوحشي مع المسؤولين الفاسدين واللصوص خاصة المحتلين. ويدور الجدل حول العلاقة غير الأكيدة بين شخصية دراكولا التي خلقها الكاتب الإيرلندي برام ستوكر عام 1897 وفلاد تيبيس ابن الأمير الروماني فلاد دراكول (التنين): لقبه الموروث عنه.

شخصية حقيقية

دراكولا الحقيقي هو لقب عائلة، كان أحد حكامها “فلاد الثالث المخوزِق” وصار “ڤويڤود” (حاكم) “الأفلاق” والملقب بدراكولا.

ويرجع إطلاق لقب المخوزِق على فلاد الثالث بسبب اتباعه أسلوب الخزق في التعذيب والتخلّص من أعدائه.

أما عن سبب ارتباط مصاصي الدماء بالكونت دراكولا، فتقول الروايات التاريخية إن مصاصي الدماء هي مجرد رواية للكاتب برام، لكن سبب ارتباطها بدراكولا هو عشقه للقتل. تكفي قلعته التي كانت تثير الخوف لدرجة أن السلطان العثماني ذكر أن دراكولا كان يقتل الناس بطريقة الخوازيق ويضعهم في طريق قلعته.

وفي فترة سجنه كان يجمع الطيور والفئران ويقوم بقتلها وتعذيبها، ولم يسبق أن ذُكر أن هناك مصاصي دماء حقيقيين إلاّ في الأفلام وتأويل بعض الناس من الخرافات، والأمر لا يتجاوز هنا بروز أسنان بعض الأشخاص وتشبيههم بالشخصية الخيالية “مصاص الدماء”.

دراكولا حاكم رومانيا

دراكولا شخصية حقيقية، تولى حكم رومانيا في القرن الخامس عشر، اعتبره الرومانيون بطلا قوميا أنقذ أوروبا من الغزو العثماني، بينما نظر إليه البعض على أنه مجرم أنهى حياة أكثر من 100 ألف شخص دون رحمة أو شفقة.

اسمه الحقيقي فلاد الثالث، حكم رومانيا لفترات متقطعة امتدت إجمالا لسبع سنوات بين 1455 و1478، ولُقب بـ”دراكولا”، لانضمامه إلى ما يُسمى بـ”عصبة التنين”، وهي اتحاد سري ضمّ مجموعة من أمراء أوروبا ونبلائهاالوسطى والشرقية للوقوف ضدّ المد العثماني، ويعني اسم دراكولا باللاتيني ابن التنين، أما في الرومانية الحديثة فتعني ابن الشيطان.

ووُلد فلاد في مقاطعة سيجيشوارا بإقليم ترانسيلفانيا التابع لمملكة المجر (رومانيا حاليا)، في شتاء عام 1431 لوالده فلاد الثاني دراكول.

عاش دراكولا خلال فترة حرجة من تاريخ أوروبا الشرقية، فبعد سقوط القسطنطينية على يد السلطان محمد الفاتح أصبح البلقان بأسره ساحة مفتوحة أمام الجيوش العثمانية، وغدت مقاطعة ولاكيا الرومانية عالقة ما بين مطرقة العثمانيين وسندان الهنغاريين، وكان هناك تناحر مستمر بين أمراء ولاكيا على العرش، ومؤامرات النبلاء الذين استغلوا هذا التناحر لتعزيز نفوذهم ومصالحهم.

اعتلى فلاد الثاني، الشهير بدراكول، ووالد دراكولا، عرش ولاكيا، وظل حاكما عليها حتى تمّت إزاحته عن العرش من خلال مؤامرات تمّ ترتيبها بين خصومه في ولاكيا وملك المجر في ذلك الوقت فلاديسلاف الثالث عام 1442، ومع ذلك عاد فلاد الثاني لاعتلاء عرش والاكيا إثر انتزاعه من يدي باسراب الثاني وحلفائه من البويار، وبمساعدة السلطان العثماني آنذاك مراد الثاني بعدما اتفق معه على دفع الجزية للدولة العثمانية.

فور عودته إلى عرش والاكيا في العام 1443، أرسل فلاد الثاني ولديه الشرعيين فلاد ورادو إلى البلاط السلطاني العثماني كرهائن لدى السلطان مراد الثاني لإثبات ولائه للإمبراطورية العثمانية، وفي أعقاب وفاة فلاد الثاني، عاد فلاد الثالث ليحتلّ مكان أبيه متربعا على عرش والاكيا بمساعدة العثمانيين، فيما بقي شقيقه رادو أسيرا للبلاط السلطاني العثماني، الذي اندمج مع الحياة التركية وأعلن إسلامه وأصبح جنديا في جيش الخليفة العثماني.

وخلال تلك الفترة التي قضاها الأمير فلاد الثالث في أدرنة، تمكّن من دراسة علوم المنطق والقرآن والأدب وكذلك اللغة التركية العثمانية حتى أتقنها خلال السنوات الأخيرة المقضاة في البلاط السلطاني، كما تدرّب على الفروسية وفنون الحرب. ومع ذلك كان يتعرّض للضرب والتعنيف من قبل الأتراك بسبب شخصيته الجريئة.

لم تدم فترة حكم فلاد الثالث طويلا، وأعاد نبلاء ترانسيلفانيا والملقبون بـ”البويار”، وإيوان دي هونيدوارا، وصي عرش المجر، غزو ولاكيا مرة أخرى لينصبوا أحد حلفائهم، على عرش البلاد مجدّدا بعد أن أطاحت به الجيوش العثمانية سابقا.

وبعد إقصائه من الحكم، لم يرغب فلاد الثالث في طلب المساعدة من الدولة العثمانية مرة أخرى، خاصة بعد اعتلاء السلطان محمد الثانيالحكم، نظرا للخصومة والكراهية بينهما منذ أن تربيا سويا في البلاط السلطاني، وعليه فرّ هاربا إلى مولدافيا وعاش لفترة هناك تحت حماية عمه بوجدان الثاني، قبل أن يلقى حتفه في 17 أكتوبر/ تشرين الثاني من العام 1451، ممّا دفع فلاد الثالث إلى الفرار مرة أخرى قاصدا المجر.

وهناك التقى بإيوان دي هونيدوارا والذي أُعجب بدراية الأمير الشاب بالأحوال الداخلية للدولة العثمانية وخططهم للحرب العثمانية ولوجيستياتها، علاوة على الكراهية المطلقة من جانب فلاد الثالث تجاه الدولة العثمانية، ممّا دفع إيوان دي هونيدوارا إلى اتخاذ فلاد الثالث مستشارا عسكريا له.

المد العثماني
استمر مكوث فلاد الثالث في المجر حتى ما بعد سقوط القسطنطينية على يد محمد الثاني، الملقب بـ”الفاتح” في 29 ماي/ أيار من العام 1453، بعدها تعاظم المدّ العثماني من تلك المنطقة عن طريق إمارات الكاربات مهدّدا برّ أوروبا الرئيسي بالكامل.

وبعد ثلاثة أعوام من غزو القسطنطينية، حاولت الجيوش العثمانية إضعاف المملكة المجرية عن طريق محاصرة بلغراد عام 1456، في ذلك الوقت، وجد إيوان دي هونيدوارا نفسه مضطرا إلى مغادرة المجر وشنّ غارات مُضادة في صربيا نجح من خلالها في رفع الحصار عن بلغراد، ومن جانبه استغل فلاد الثالث تلك الاضطرابات في العودة مرة أخرى إلى والاكيا وقاد عشيرته لاسترداد ملكه للمرة الثانية.

ارتباط الدماء بإطالة العمر

في القرن الخامس عشر أقدم جيليس دي رايس من 1440-1400 على دراسة الكيمياء القديمة أملا منه في إيجاد علاج لإطالة حياة الإنسان إلى ما لا نهاية واستخدم لهذا الغرض دماء أكثر من 300 طفل في تجاربه.

وتقام في معظم أنحاء العالم احتفالات سنوية لهم ينظمها أشخاص يصدقون هذه الخرافة، لدرجة أن بعضهم يقوم بخلع أنيابه الحقيقية وتركيب أنياب لمصاصي الدماء.

تقول بعض الخرافات المرتبطة بمصاصي الدماء إن هؤلاء يمكنهم تحويل أنفسهم إلى وحوش مخلدة، لكن ذلك يستنفد بعض الطاقة.

وفي الأغلب كما تحكي الأسطورة، مصاصو الدماء هم كائنات ميتة لا تعتمد على النشاطات الحيوية التي يُمارسها الكائن الحي، لكنها في حاجة إلى تناول الدماء التي تحصل عليها من الضحايا بعد قتلهم.

ومصاصو الدماء لهم عالم خاص بهم غير البشر، ولهم نظامهم الخاص بالحكم، ويُقال إن هناك عائلات ونبلاء من مصاصي الدماء.

مصاصو دماء حقيقيون

رويت على مرّ التاريخ عديد الحكايات التي تؤكّد ظهور مجموعة من الأشخاص الذين ارتكبوا جرائم مثل مصاص الدماء، مع العلم أنهم لم يتحوّلوا إلى وحوش، ولكنهم كانوا متعطشين لشرب الدماء البشرية منهم”.

1 – فريتز هارمان الذي اشتهر بلقب “مصّاص دماء هانوفر” في ألمانيا، وبدأت اعتداءاته الإجرامية في عام 1898، وقام باغتصاب 27 شاباوفتاة وقتلهم، واتهم في عام 1925 بارتكاب 27 جريمة قتل، وكانت آخر عبارة له: “أنا آسف، ولكني لا أخاف الموت”.

2 – تسوتومو ميازاكي الشهير بلقب “دراكولا اليابان”، إذ كان يقوم بقتل الأطفال فقط، وكانت أصغر ضحاياه تبلغ من العمر 4 أعوام، ويشربدماء ضحاياه، وقبل أن يقوم بقتل الأطفال كان يفرض جوا من الرعب على عائلاتهم، ولم يأسف هذا الشخص على جرائمه، وحكم عليه بالإعدام ونفّذ عام 2008.

3 – فيليب أونيانتشا، المجرم الكيني قتل 17 شخصا وأغلبهم من النساء والأطفال، وكان يشرب دماءهم. وبرّر تلك الجرائم في اعترافاته للشرطة بعد القبض عليه بأن روحا شريرة تسيطر على أفعاله، طالبته بقتل 100 ضحية، لكنه لم يحقّق منها سوى 17 فقط.

4 – مارسلو دي أندرادي، وهو برازيلي تعرض في طفولته إلى الاغتصاب والاعتداءات الجنسية، ما أصابه بالاضطراب النفسي. ارتكب جرائم اغتصاب وقتل حين كبر، وللأسف كل ضحاياه من الأطفال، وصل عددهم إلى 14 ضحية.

5 – أندري تشيكاتيلو عرف بـ “قاتل روستوف” إحدى مدن روسيا.كان أول ضحاياه طفلا في التاسعة من عمره، إلى أن وصل عدد ضحاياه إلى 52 شخصا كلهم من الأطفال. وتبيّن من التحقيقات أن المجرم كان يأكل لحوم أولئك الأطفال بعد اغتصابهم ويشرب دماءهم، حتى قبض عليه وأعدم عام 1994.

6 – ريتشارد تشيس، وُلد في كاليفورنيا، ولقّب بـ”مصّاص دماء ساكرامنتو. قتل ستة أشخاص خلال شهر واحد، وأكل لحومهم ثم شرب من دمائهم، وأصبح تشيس مولعا بشرب الدماء حتى تمّ علاجه بعد القبض عليه.

7 – دانيال ومانولا رودا، في عام 2001 قام دانيال وزوجته مانولا بقتل صديق لهما بطعنه 66 مرة، وانهالا عليه بمطرقة كبيرة، ثم شربا من دمائه.

دراكولا في الأفلام

يعشق هواة أفلام الرعب والإثارة مشاهدة شخصية دراكولا، التي اشتهرت كونها مصّاص دماء يقتات من دماء ضحاياه. فالشاب أبيض الوجه ذو الأنياب البارزة أثار رعب الكبار قبل الصغار في أول ظهور له للمرة الأولى في مثل هذا اليوم 26 ماي/ أيار من العام 1897 عبر رواية الكاتب الأيرلندي برام ستوكر حملت اسم الشخصية، قبل أن تتحوّل إلى مجموعة من الأفلام العالمية وحتى العربية. هل تعرف أشهرها؟

1 – “دراكولا” أول مصاص دماء في البشرية، والذي ينقل حسب الأسطورة اللعنة إلى باقي مصّاصي الدماء، وبفضل أداء غاري أولدمان، نجح المخرج فرانسيس فورد كوبولا في جعل المشاهد يعيش حالة من الخوف والاستمتاع معا.

2 – “ليستات دو ليونكور” قدّم توم كروز أحد أهم أدواره الشريرة في السينما الأميركية من خلال شخصية ليستات، في فيلم “مقابلة مع مصاص الدماء” الذي شاركه فيه البطولة براد بيت.

3 – “العشاق فقط يبقون أحياء” قدّم فيه توم هيدليستون شخصية “آدم”، ويروي قصة مصّاص دماء يعمل في مجال الموسيقى لكنه يعاني من اكتئاب، إلى أن تتاح له فرصة لقاء حبيبته القديمة.

4 – “بليد” من بطولة ويسلي سنايبس. يقضي على بقية مصّاصي الدماء بعدما تحوّل إلى نصف إنسان خلال ولادته.

5 – “30 يوما من الليل” يحكي الفيلم الذي قام ببطولته داني هيوستن قصة قرية صغيرة لا تسطع فيها الشمس إلاّ يوما واحدا في الشهر. فيعيش فيها مصّاصو الدماء ويفعلون ما يشاؤون.

أما عربيا فيظل فيلم “أنياب” من إنتاج العام 1981، وهو من إخراج محمد شبل وبطولة المطرب الشعبي محمد عدوية الذي لعب فيه دور دراكولا إلى جانب كل من علي الحجار وحسين الإمام ومنى جبر من أشهر المُحاولات العربية المستلهمة لشخصية دراكولا الغربية، لكن الفيلم لم يحقّق أي نجاح يُذكر.

ليعقبه بعد نحو أربعة عقود من الزمن فيلم “خط دم” من إنتاج العام 2020، وهو من إخراج رامي ياسين وبطولة النجم التونسي ظافر العابدبن والنجمة المصرية نيللي كريم، وهو بدوره لم يحقّق أي نجاح يُذكر رغم الحملة الإعلامية التي سبقت عرضه على منصة “شاهد.فيه.آي.بي” حينذاك، ربما لعدم اتساق قصة “الفامباير” مع المخيال العربي الشعبي؟