الكاتبة والناشطة الحقوقية مها الجويني
يُشْبهون أهل العراق في حديثهم: نساؤهنّ باسقات الطول؛ كنخيل البصرة، ذوات لون سَوْمَرِيٍّ يُغطِّي حدَقات أعيُينِهنّ؛ فيخال لك بأنّهنّ عرائس بحْر اتَّخذْن من شَطّ العرب سكنًا؛ فصَحّ فيهنّ قول الشاعر العراقي:
يا أرْيام الوَرْد يا شطّ العرب من هُدْبِ عيْنيَّ أصوغ لُجّ ذَهَبْ
وما قاله مُظفَّر النّواب:
يا أبواب بساتين الأحْواز أموت حنينا
غادرت الفردوس المحتل
كنهر يهرب من وسخ البالوعات حزينا
أحمِل من وَسَخ الدّنيا
إنّ النّهر يظلّ لمجراه أمينا
إنَّ النّهر يظلّ.. يظلّ.. يظلّ أمينا
إنّ النهر يظلّ..
فأيْن امرأة تُوقِد كلّ قناديلي؟
الاحتلال و الضّم القسري لإقليم الأحواز:
إلى شطّ العرب: الأحواز: إقليم عربيّ يقع على السواحل الشرقية للخليج العربي، ابتداءً من مضيق هرمز، تبلغ مساحته 375 ألف كيلو مترٍ مربّع – أي: أكثر من مساحة بلاد الشام كلها (سورية، والأردن، وفلسطين، ولبنان) – وبعد اقتطاع الحكومة الإيرانية أجزاء من الإقليم سنة 1936م؛ تحت ذريعة إجراء التنظيمات الإدارية تقلصت مساحة الإقليم إلى 344.600 ألف كلم مربع.
يحدُها من الغرب: محافظتي البصرة وميسان العراقيتين، ويحدها شمالا وشرقا: جبال البختارية التي هي جزء من جبال زاجروس، والتي تعتبر الحاجز الجغرافي الطبيعي الذي يفصل بين بلاد فارس وأراضي العرب، وتشبر بعض المصادر إلى أنّ سكانها نحو 8 مليون نسمة.
كان الفرس يطلقون اسم عربستان على الأحواز، ويقصد بذلك بلاد العرب، وبعد الضّمّ القَسْري للإقليم في 1925م عقب تحالف رضا شاه بهلوي مع الإستعمار البريطاني؛ للإطاحة برأس الدولة الكعبيّة آخر إمارات الأحواز: الشيخ خزعل الكعبي، حيث تمّ اختطافه وتسليمه للمستعمر البريطاني، الذي قام بإعدامه وتسليم الأحواز وضمها إلى إيران.
حينها قرر رضا شاه بهلوي إطلاق اسم خوزستان على الإقليم، وهو اسم فارسيّ، يعني بذلك: بلاد الحصون والقلاع، نسبة الى ما بناه العرب المسلمون من قلاع وحصون عقب معركة القادسية، أشهر غزوات الفتح الإسلامي لبلاد فارس.
الأحواز: نجمة الخليج تحت قبضة إيران:
أحواز يا بلد الأخيار والإيباء يا نجمة الخليج يا سمائي
النشيد الوطني الأحوازي.
منذ اللحظة الأولى لم تكن مطامح إيران مجرد اتّساع جغرافي، يُمكِّن طهران من حقول النّفط والتّحكُّم في الموارد الطبيعية؛ كالأنهار، والأراضي الزراعية الخِصْبة، فالأحواز العربية وِفْق الدكتور جبريل العبيدي، هي منطقة غنية بالثروات، خصوصاً النفط، حيث أنّ 85 في المائة من النفط الذي تبيعه إيران تستخرجه من الأحواز العربيّة، وهذا يُفسِّر وصْف الرئيس الإيراني محمد خاتمي لها بقوله فيها: ((إيران با خوزستان زنده است)). ومعناها: إيران تحيا بخوزستان.
بل كانت مطامح إيران تفريس الأحواز؛ أي: اقتلاع كل ما يوحي بالانتماء العربي لذلك الإقليم، من خلال منع الأسماء العربية على المواليد، وفرْض اللغة الفارسيّة على المتساكنين، وحرمانهم من الاحتفال بالمناسبات، والأعياد التي تُميِّز الإرث العربي، وكذلك تمّ منْع المنشورات، والمطبوعات، والإذاعات المحليّة الناطقة باللغة العربية.
وملاحقة الأطفال العرب في المدارس، ومنْعهم من ارتداء أيّ زيٍّ مغاير للهوية الفارسية، كــ: ((الدشداش))، والعقال، والقميص العربي، وفرْض الشّادر الفارسيّ على البنات العربيات، ناهيك عن سَنِّ المناهج التّعليميّة، والتّاريخيّة الإيرانية المغايرة للخصوصية الثقافية للمنطقة، حَسَب شهادات السيّد محمود الكعبي، الأمين العام الأسبق لتحرير الأحواز.
كذلك تقوم الحكومة الإيرانية بتغْيِير الأسماء العربية للمعالِم، والمدن، والشوارع، إلى الأسماء الفارسية، وتغْيِير الهنْدسَة المعماريّة للمجمعات السّكنيّة، وتهجير الأُسَر الأصِيلة، ومنْح مُمْتلكاتها لأُسَر من محافظات إيرانية أخرى؛ بِهَدَف تغْيِير النّسيج المجتمعيّ العربيّ، بالإضافة إلى حِرْمانهم من المشاركة السّياسيّة وحق التّعبير.
إنّ سيّاسات الهيْمنة الثقافيّة رافقتها سيّاسات التّضْيِيق على التُّجار العرب، و منْعهم من الاستثمار ومتابعة الفلاحين العرب ومنعهم من امتلاك الأراضي، وإثقال كاهلهم بالضرائب من أجل منعهم من اكتساب الثروات، والسّعْيِ لإبقائهم تحت خطّ الفقر، كما جاء في تقرير المُنظّمة الأحوازيّة للدّفاع عن حقوق الإنسان أنّ أكثر من 50% من الشعب الأحوازي يعيشون الفقر والخصاصة، ونحو 10 آلاف بائع مُتجوِّل ينتشرون في الأسواق المحلية في الأحواز، لا يشملهم التأمين.
وفي نفس السياق يقول الناشط الأحوازي كميل بوشوكة: أنّ لأحْوازيِّين يُعانون من صعوبة في الوصول إلى المياه النظيفة للشرب، على الرّغم من أنّ هناك ثلاثة أنهار كبيرة موجودة في الأحواز، مثل نهر كارون، الجراحي، والكرخة.
مُنْذ اندلاع الثورة الإسلامية في إيران 1979م، دَأَبَت طهران في سياسة قطْع الرؤوس، ونَصْب المشانق في الساحات لكل نفس عربي ينادي بعروبة الأحواز، على غِرار شنْق الشّاعر هاشم شعباني شنْقا؛ بتهمة نشر الفساد في الأرض، وإصدار أحكام الإعدام في حقّ العديد من النشطاء؛ بتهمة الإرهاب وتهديد الأمن القومي، والقيام باختطافهم والاحتفاظ بهم في أماكن مجهولة، بالإضافة إلى تعنيفهم بِصَبّ الماء المَغْلي عليهم، وإجبارهم على الاعتراف بِجرائِمَ، والإدلاء بشهادات ليست حقيقية، حسب ما جاء في تقرير: ((أوقفوا إعدام عرب الأهواز))، الذي نشرتْه منظّمة هيومن رايتس ووتش في 2013م.
الأحواز وَجَع العرب المنْسِيِّ:
رغْم أنّ قضيّة الأهواز شغلت الزُّعماء العرب فترة الستينات والسبعينات من القرن الماضي، على غِرَار صدام حسيْن، وهواري بومدين، والملك عبد العزيز، وكانت لهم خطابات ودعْم للمقاومة الأحوازيّة، ولكنّ حروب الخليج والصِّراعاتِ السّياسيّة بين القيادات العربية؛ أدّت إلى إضعاف الموقف الأحْوازيِّ، والمساهمة في تقوية الجانب الإيراني.
وازداد الوضْع سوءً مُنْذ الغزْو الأمْريكيِّ للعراق في 2003م؛ حيث نجَحَت إيران في خَلْق قواعد سياسية وطائفية؛ تعمل على ضمان المصالح الإيرانية، وأول هذه المصالح: دعم سيطرة إيران على خليج العرب و أراضي الأحواز.
ومع تفاقم الأزمات السياسية العربية، واندلاع شرارات التّغْيير، والمُطالبة بالديمقراطية، وحقِّ الشُّعوب في تقرير مصيرها، والإعلاء من شأن حقوق الإنسان، واحترام كرامة الفرْد، لم يسْتفِد الشارع الأحوازي من هذه الطّفْرة، ولم يُدعَم ذلك الصوْت العربي المظلوم، على غِرار صوْت الفلسطيني، الذي رغْم النكسات لاتزال القضية الفلسطينية، تحظى باهتمام العرب، ويشْرح بعض المحلّلين ذلك، بأنّ العرب لا ينْتفِضون إلا إذا كان المُحتلّ يهوديا.
ختاما: الهوية لا تُباع، ولا تٌشترى، ولا يُمكِن التّنازل عنها مهما جارت عليْنا الأزمان؛ لأنّها نابعة من ذواتنا، من صلواتنا، (من رقصْنا !) وأحلامنا، وفرحنا، وحزننا؛ من أجل ذلك ظلّ الأحوازيّ عربيّا، رغْم جهل العديد من العرب بأمره، عِلْما بأنّ شبَح تهويد القدس، لا تقل وطْأتُه عن تفْريس المُحمَّرة.