تونس عرب

خليفة حفتر وتونس … المشير الحالم بنصر سياسي في سجله المثقل بالهزائم والخيبات

على مدار سنوات كشفت الأزمة الليبية تقلب المشير المتقاعد خليفة حفتر الذي تقدم بترشحه رسميا للانتخابات الرئاسية، في مواقفه وعلاقاته وتحالفاته الداخلية والإقليمية بتغير الحلفاء والأوضاع وانقلاب المصالح والحسابات، لتتغير بالتالي مواقفه وتصريحاته في أكثر من مناسبة.

طالت تصريحات القائد العسكري الذي تسيطر قواته على كامل شرق ليبيا، تونس في أكثر من مناسبة، وغلبت الدعاية الكاذبة والاتهامات والتهديدات المبطنة على مضمونها.

بعد سنوات من التحرش الإعلامي والسياسي الذي مارسه حفتر ضد تونس ووصم مواطنيها المقيمين في ليبيا بـ”الإرهابيين”، تغيرت مواقف الرجل بشكل كامل ليتفاجأ الرأي العام بتصريحات تشيد بالإجراءات والتدابير التي أعلن عنها رئيس الجمهورية قيس سعيد في 25 جويلية/يوليو.

عداء إيديولوجي وأجندات خارجية

ما بين الأمس واليوم جرت مياه كثيرة تحت الجسور بين تونس وليبيا، وعرفت الساحة الداخلية في كلا البلدين تحولات كثيرة قد تفسر خلفيات هذا التحول في لهجة حفتر ومواقفه، الذي كرس حسب الملاحظين عداء سافرا للتجربة الديمقراطية في تونس، وانحيازا واضحا إلى مشاريع وأجندات خارجية وإقليمية معادية للربيع العربي.

الثابت أن حفتر لم يغفر للديبلوماسية التونسية منذ سنة 2014 بعد الانقسام الذي أعقب تفجر الصراع بين الفرقاء الليبيين، اعترافها  رسميا بحكومة خليفة الغويل في طرابلس باعتبارها “السلطة الواقعية”، وهو ما كان يعني تجاهل حكومة طبرق وقوات حفتر الذي أعلن نفسه قائدا للجيش الليبي في محاولة لإضفاء مشروعية وغطاء رسمي على صفته والمليشيات التابعة له.

طوال مسيرته العسكرية التي تقلبت محطاتها بين قيادة العمليات العسكرية ضد التشاد في سنوات حكم القذافي، وصولا إلى المنفى الاضطراري بالولايات المتحدة قبل العودة مجددا إلى صدارة المشهد في ليبيا عقب ثورة فبراير 2011، كانت تبدل الولاءات والمواقف وهي صفة لازمت “المشير ناطح الماء”، كما وصفه تقرير صحفي غربي معاد للتيارات الإسلامية، وهو ما يفسر نبرته التصعيدية المتكررة تجاه تونس طوال السنوات الماضية.

سنة 2017 خرج حفتر بتصريح مغلف بنبرة من التهديد والابتزاز الضمني والاستعراض، مشيرا إلى أن قواته “أفرجت عن أغلب المقاتلين التونسيين الموقوفين على الحدود بين البلدين”.

المشير الليبي المتقاعد اتهم في تصريحه الوافدين التونسيين على ليبيا بالإرهاب بالقول “إن أغلب التونسيين الذين حلوا بالبلاد منذ ثورة 17 فيفري هم من الانتحاريين”، ومبررا الافراج عنهم على الحدود بغياب التعاون الأمني مع السلطات التونسيّة”.

مساعي نيل الإعتراف

بدا التصريح بمثابة إلقاء قنبلة سياسية في مرمى السلطات التونسية ومحاولة استفزازها بشكل مكشوف ومبتذل، بعد اتفاق الصخيرات وما تبعه من تشكيل حكومة الوفاق الوطني الليبية التي اعترفت بها تونس، وبالتالي سحب البساط منها تحت مساعي حفتر لفرض الاعتراف به كجهة رسمية فاعلة في المعادلة الليبية.

سعت تصريحات الرجل في السياق ذاته إلى العزف على وتر اتهام الإسلاميين بالإرهاب، وتوظيف هذه الورقة للهجوم على حركة النهضة التي كانت تتقاسم الحكم مع نداء تونس ضمن تجربة تعايش استثنائية في مسار الديمقراطية الوليدة في البلاد.

وسبق لحفتر أن اتهم حركة النهضة بفرض الاعتراف بحكومة الغويل المدعومة من التيارات الإسلامية في طرابلس على شريكها في السلطة نداء تونس سنة 2015.

ويجمع مراقبون على أن حفتر استثمر عداءه السياسي والإيديولوجي للإسلاميين، ليحصل على دعم القوى الإقليمية المناهضة للثورات العربية على رأسها روسيا والإمارات ومصر لمشروعه السياسي الذي طفق يروج له تحت عنوان مكافحة الإرهاب، في مسعى للسيطرة على السلطة بقوة السلاح إلى غاية انهيار مخططاته على أبواب طرابلس.

ومع دخوله بوابة السباق الانتخابي لرئاسة البلاد، لا يبدو أن حفتر قد تراجع عن حدة مواقفه العدائية تجاه الإسلاميين والتي تفرضها حسابات المواقف السياسية وما تستوجبه من تصريحات متوازنة تحترم السيادة الداخلية لدول الجوار، بعد أن وصف إجراءات الرئيس قيس سعيد بـ”المنقذة لتونس”.

هكذا يصر رجل الشرق الليبي القوي أن يسوق لنفسه صورة الجنرال الساعي إلى القبض على السلطة  والمعادي لكل نفس ديمقراطي، فعلى عكس المواقف الدولية التي نددت بالإجراءات التي أعلن عنها قيس سعيد في 25 جويلية/يوليو الماضي، وأجمعت على اعتبارها مسا بالشرعية الدستورية وتهديدا للمؤسسات الديمقراطية، يكيل حفتر المديح والغزل لقيس سعيد معتبرا أن ما قام به كان استجابة لإرادة الشعب، وقضاء على أهم عثرة في طريق تطورها”.

يفسر المتابعون للشأن الليبي تصريحات حفتر بكونها رسالة غير مباشرة للرئيس قيس سعيد في محاولة لضمان دعمه السياسي في المعركة الانتخابية،  والحصول على اعتراف رسمي تونسي به كفاعل أساسي في الساحة الليبية فهل ينجح المشير في تسجيل نصر سياسي يتيم في سجله المثقل بالهزائم العسكرية والخيبات السياسية.