يمتد خليج المنستير، شرق تونس، على مساحة تقدر بـ 17 ألف هكتار ويعد منطقة محمية بحواجز طبيعية وهي جزيرة قوريا وسلسلة الجزيرة التي تصل إلى رأس الديماس بمعتمدية البقالطة، إضافة إلى محمية رأس المنستير.
ويتراوح عمق خليج المنستير بين 5 و15 مترا، كما أنها منطقة غنية جدا بأعشاب البوزيدونيا، إضافة إلى أنها تمتاز بتيارات خفيفة جدا، ما عزز خصوصيتها في أن تكون منطقة حاضنة للكائنات البحرية المتنوعة ومصدرا لإثراء الضفة الغربية للبحر المتوسط.
محطات التطهير أجرمت في حق الخليج
ورغم خصوبة خليج المنستير، إلا أن الإنسان مارس عليه جميع الانتهاكات منذ عام 1986 عبر إلقاء الفضلات البشرية بصفة عشوائية واعتباره مصبا لمياه الصرف الصحي من 3 محطات تطهير وهي محطة الفرينة بمعتمدية المنستير ومحطة التطهير في وادي السوق في معتمدية صيادة لمطة بوحجر ومحطة التطهير بمعتمدية جمال.
وفي هذا السياق، أكد عضو الهيئة المديرة للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية ورئيس فرع المنتدى بالمنستير منير حسين، في تصريح لموقع بوابة تونس أن مياه الصرف الصحي التي تخرج من محطات التطهير المذكورة تجاوزت قدرتها على المعالجة، على غرار محطة التطهير بلمطة صيادة بوحجر التي تجاوزت طاقة معالجتها اليومية المقدرة بـ 1680 مترا مكعبا في اليوم لتصل إلى 9 آلاف متر مكعب، معتبرا أن مياه التطهير هي المتسبب الأول في تلوث مياه البحر.
وأوضح عضو الهيئة أنه وإضافة إلى كمية مياه الصرف الصحي والنقص الكمي من ناحية المعالجة، فإنها تعاني إشكالا نوعيا نظرا إلى أن المياه التي تخرج من محطات التطهير يجري تطعيمها بمواد سامة وخطيرة نتيجة الأنشطة الصناعية على غرار محطات غسيل السيارات ومصانع النسيج.
وتابع محدثنا أن هذه المصانع تقوم بإلقاء المياه المستعملة في غسيل الأقمشة، على غرار سراويل الجينز، في الأوساط الطبيعية دون إخضاعها إلى المعالجة الأولية بسبب كلفتها الباهظة، مشددا على أن ولاية المنستير تعاني من نقص حاد في المياه وأن نسبة التزود من الحاجيات المائية لا تتجاوز 50%.
ويقود المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية حملة لإيقاف توحش النموذج التنموي في أبعاده المائية، إذ أن المياه الصناعية تُلقى في الأوساط الطبيعية وفي السباخ والأودية ومنها مباشرة إلى البحر وهو ما تسبب في كارثة بيئية في الخليج .
التلوث البحري فاقم ظاهرة الهجرة غير النظامية
تسبب التلوث البحري في نفوق الكائنات البحرية، إضافة إلى أن عددا كبيرا من البحارة الساحليين المعروفين بـ “السماكين” فقدوا موارد عملهم واضطر عدد منهم إلى استغلال واستنزاف الثروات البحرية بطرق غير قانونية، مما أدى إلى تراجع كميات الأسماك، فيما غادر آخرون غادر إلى أوروبا عبر قوارب الهجرة غير النظامية للبحث عن موارد رزق.
الفلاحة في خطر
وقال منير حسين إن استنزاف المياه الباطنية أثر على الفلاحة السقوية في الجهة، فالكثير من الآبار أضحت مياهها مالحة، إضافة إلى تراجع عمقها شيئا فشيئاً، مؤكدا أن هذه الانعكاسات ستؤدي إلى منطقة بيئية منكوبة تفتقد إلى المياه وهو ما سيجعل السكان ينزحون منها.
وانتقد محدثنا غياب استراتيجيات حقيقية لمقاومة التلوث البيئي، لكن المجتمع المدني أعلن الحرب على التلوث منذ 2006 مما ساهم في انطلاق مشروع استصلاح الخليج في جزئه الممتد من مدينة قصيبة المديوني وصولا إلى مدينة خنيس.
مشروع كاهنة
أكد رئيس فرع المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية بالمنستير منير حسين إطلاق مشروع استصلاح وطني لإنهاء مشكل التلوث بالمياه الحضرية وهو مشروع “كاهنة” الذي يقوم على تثمين المياه الملوثة، إذ يجري فصل المياه الصناعية الخطرة ومعالجتها واستغلال المياه المنزلية في مشاريع تنموية على المستوى الوطني مثل التشجير الغابي والعلف الحيواني والزراعات الصناعية، لخلق أقطاب تنموية تشغيلية تستند إلى ثروة مائية هامة وثروة إنتاجية في الفلاحة.