تسبّبت العاصفة “دانيال” في مقتل الآلاف وفقدان آخرين شرق ليبيا، وألحقت أضرارا مادية جسيمة، خاصة في مدينة درنة، في أكبر كارثة طبيعية تشهدها البلاد منذ 40 عاما.
ووسط هذه الأزمة الإنسانية، أثار تصريح الرئيس قيس سعيّد، موجة من الانتقادات التي اعتبرته مشغولا بموضوع آخر لا يتناسب مع حجم الكارثة.
وانتقد سعيّد تسمية الإعصار بـ”دانيال”، معتبرا أنّ الاسم يعود إلى نبيّ عبري، مضيفا أنّ “الصهيونية تغلغلت”، الأمر الذي أثار استياء الكثيرين من رواد مواقع التواصل الاجتماعي، معتبرين أنّ سعيّد لم يركّز على تداعيات الإعصار والوضع المأساوي بقدر انشغاله بالمصطلحات.
فقد علّق المدوّن والنشاط ماهر العباسي على تصريح سعيّد بالحديث عن تاريخ تسمية الأعاصير، منتقدا في تدوينة في حسابه الشخصي بفيسبوك عدم حرص سعيّد على تدقيق معلوماته والتثبّت من صحّتها قائلا: “أنا مواطن عادي أعمل طبيبا، لديّ حساب فيسبوك يتابعه 50 ألف مواطن. لا أستعين لا بمستشارين لا بوزراء، وليس هناك خبراء يقومون بأعمالي، ولا أعتقد أنّ كلامي قد يتسبّب في حرب أو يتسبّب في أزمة لتونس، ورغم هذا أحرص قبل الحديث على أن أتثبّت من معلوماتي وأحاول فهم الموضوع الذي سأتحدّث فيه احتراما لمتابعيّ، خاصة احتراما لنفسي حتّى لا أكون محلّ سخرية”.
وبعيدا عن الخسائر البشريّة والدمار الذي تخلّفه الأعاصير، هناك سؤال يُطرح: من أين جاءت العاصفة “دانيال”، وقبلها الإعصار “دوريان” و”هارفي” و”ساندي”، بهذه الأسماء؟ ومن يختارها؟ ولماذا تحصل العواصف والأعاصير على أسماء من الأساس؟
في محاولة للإجابة عن هذا السؤال جاء في تقرير لموقع الجزيرة، أنّ علماء الأرصاد الجوية أيقنوا منذ زمن طويل أنّ تسمية العواصف المدارية والأعاصير أسماء قصيرة ومميّزة، تساعد الناس على تلقّي معلومات العاصفة المفصّلة من مئات المحطات التلفزيونية والقواعد الساحلية والسفن في البحر، كما يتمّ تذكّر العواصف، مما يساعد الناس على البقاء آمنين إلى حدّ كبير.
علاوة على أنّ استخدام الأسماء يقلّل بدرجة كبيرة الارتباك عندما تحدُث عاصفتان أو أكثر من العواصف المدارية في الوقت نفسه.
كيف بدأت تسمية الأعاصير؟
بينما كان الناس يطلقون أسماء على العواصف الكبرى منذ مئات السنين، كانت تتمّ تسمية معظم الأعاصير في الأساس بواسطة نظام من أرقام خطوط الطول والعرض، وهو ما كان مفيدا لعلماء الأرصاد الجوية الذين يحاولون تتبّع هذه العواصف، لكن هذا النظام كان مربكا للأشخاص الذين يعيشون على السواحل بحثا عن معلومات الإعصار.
في أوائل الخمسينات من القرن الـ20، تمّ تطوير ممارسة رسمية لتسمية العواصف لأول مرة في المحيط الأطلسي بواسطة المركز القومي الأمريكي للأعاصير.
وفي ذلك الوقت تمّت تسمية العواصف وفق الأبجدية الصوتية، مثل Able وBaker وCharlie، والأسماء المستخدمة هي نفسها لكلّ موسم إعصار، بمعنى آخر كان دائما ما يطلق على إعصار أول موسم اسم”Able”، والثاني”Baker”، وما إلى ذلك.
وفي 1953 ولتجنّب الاستخدام المتكرّر للأسماء تمّت مراجعة النظام بحيث يتمّ إعطاء العواصف أسماء إناث، في محاكاة لعلماء الأرصاد الجوية البحرية الذين أطلقوا على السفن في البحر أسماء نساء، وكانت أول عاصفة تحصل على اسم أنثى هي العاصفة الاستوائية “أليس”.
ومنذ نهاية 1978 تمّ تنقيح النظام مرّة أخرى لتشمل أسماء الأعاصير كلّا من أسماء الذكور والإناث بالتناوب، فكانت العاصفة الأولى التي تحمل اسم ذكر هي إعصار بوب الذي ضرب ساحل خليج الولايات المتّحدة عام 1979.
كيف يتمّ اختيار الأسماء؟
يقول التقرير الذي نشره موقع الجزيرة، إنّ الخبراء يعيّنون أسماء للأعاصير وفق قائمة رسمية من الأسماء التي تمّت الموافقة عليها قبل بداية كل موسم للأعاصير، وقد بدأ المركز الوطني الأمريكي للأعاصير هذه الممارسة في أوائل الخمسينات، وتنشئ المنظمة العالمية للأرصاد الجوية (دبيلو إم أو) الآن قائمة بأسماء الأعاصير والحفاظ عليها.
وتُصدر المنظمة مجموعة من 6 قائمات تضمّ 21 اسما -واحدة لكل حرف باستثناء “Q وU وX وY وZ”- لاستخدامها كل عام في المحيط الأطلسي، ويحصل الساحل الغربي على أسماء أعاصير من 6 قائمات أخرى مختلفة تتضمن كل الحروف الأبجدية ما عدا “Q” و”U”، وفي كل مرة تضرب عاصفة مدارية يأخذ علماء الأرصاد الجوية الأسماء أبجديا في قائمة تلك السنة، ويجب العلم أنّ أسماء العواصف لا تخبرك عن طبيعة العواصف، وما هي إلّا أسماء فقط.
وبمجرّد مرور 6 سنوات تبدأ التسمية مرّة أخرى مع القائمة الأولى، فعلى سبيل المثال سُمّيت أول عاصفة استوائية في المحيط الأطلسي هذا العام باسم “أندريا”، وسيكون هذا الاسم للإعصار الأول عام 2025 أيضا.
وإذا حدث وكان هناك أكثر من 21 عاصفة مدارية في سنة واحدة (أو 24 عاصفة في المحيط الهادي)، فإنّ بقية الأسماء تأتي من الأبجدية اليونانية، بدءا من “ألفا” نزولا إلى “أوميغا”، وبعد إنشاء القائمات سيكون من الصعب تغيير الأسماء فيها، فتتغيّر فقط إذا كانت هناك عاصفة سيئة للغاية.
لماذا يتمّ حذف بعض الأسماء؟
فقط عندما يكون الإعصار كارثيّا بشكل استثنائي يتمّ سحب اسمه من قائمة أسماء الأعاصير لأسباب قانونية وثقافية وتاريخية، فقد تمّ مثلا إيقاف استخدام اسم “كاترينا” عام 2005 بعد التأثير المدمّر الذي خلّفه إعصار كاترينا في نيو أورليانز، ولهذا السبب لن نرى اسم إعصار “كاترينا” أو “ساندي” آخر في المستقبل.
وتقرّر المنظمة العالمية للأرصاد الجوية ما إذا كانت ستسحب أيّ أسماء من القائمة خلال اجتماعها السنوي.
وقد حذفت المنظمة أسماء مثل كاترينا (2005)، خواكين (2015)، إيرما (2017)، ماريا (2017)، وفلورنسا (2018)، وإذا تمّت إزالة اسم تستبدله المنظمة باسم جديد، فمثلا ظهرت قائمة أسماء الأعاصير لعام 2011 متضمّنة اسم “كاتيا” بديلا لـ”كاترينا”.
أما الأسماء التي تمّ سحبها من قائمة المحيط الأطلسي اعتبارا من سبتمبر 2019 فهي “فلورنسا” و”مايكل”، واستُبدلت بـ”فرنسا”، و”ميلتون”، حيث تسبّب إعصارَا “فلورنسا” و”مايكل” اللّذان ضربا على التوالي سواحل نورث كارولينا وفلوريدا عام 2018 في أضرار جسيمة وعشرات الوفيات.
متى تحصل العاصفة على اسم؟
يتمّ إعطاء أسماء للعواصف المدارية عندما تتحرّك في نمط دوران دائري وسرعة رياح تبلغ 63 كم/س.
وتتطوّر العاصفة المدارية إلى إعصار عندما تصل سرعة الرياح إلى 119 كم/س.
ويمتدّ موسم الأعاصير الأطلسي من الأول من جوان إلى 30 نوفمبر، فأسماء أعاصير الأطلسي هذا العام: أندريا، باري، شانتال، دوريان، إيرين، فرناند، غابرييل، هامبرتو، إيميلدا، جيري، كارين، لورينزو، ميليسا، نيستور، أولغا، بابلو، ريبيكا، سباستيان، تانيا، وفان وويندي.
ويستمرّ موسم الأعاصير في شمال شرق المحيط الهادي في الفترة من 15 ماي إلى 30 نوفمبر، وتتضمّن قائمة الأعاصير هذا العام: ألفين، باربارا، كوزمي، داليلا، إريك، فلوسي، جيل، هنرييت، إيفو، جولييت، كيكو، لورينا، ماريو، ناردا، أوكتاف، بريسيلا، ريمون، سونيا، تيكو، فيلما، وأليس، زينا، ويورك وزيلدا.