اقتصاد تونس

خبير: وضعية المديونية صعبة وتطرح مخاوف من التعثّر في السداد مستقبلا

أرام بالحاج لبوابة تونس: “إيفاء تونس بالتزاماتها ليس إنجازا وستكون هناك ميزانية تعديلية بعد الانتخابات”
وصف الخبير الاقتصادي والأستاذ الجامعي آرام بالحاج، الوضعية الاقتصادية لتونس بـ”الصعبة”، في ظل عجز المالية العمومية، ونسب النمو التي لم تتجاوز 0.2% خلال الثلاثي الأول من السنة الحالية، فضلا عن ضعف قيمة الدينار مقابل الدولار واليورو.
ورغم التحسّن الذي تحقّق في بعض المؤشرات، على غرار تراجع نسبة التضخّم، إلّا أنّ هذا التحسّن يظل محدودا -حسب بالحاج- “مقارنة بمنحنى الديون التصاعدي، ما يجعل التعافي الاقتصادي بعيدا”.
وقال بالحاج في حديث لبوابة تونس، إنّ الأرقام تفيد أنّ الوضعية المالية لتونس خاصة في ما يتعلق بالديون صعبة، حيث تشكّل حوالي 80% من الناتج المحلي الإجمالي، “ما يطرح تساؤلات بشأن ديمومة وضعية الديون الخارجية، وهل يمكن أن تتواصل هذه الوضعية سنوات أخرى، أم أننا سنواجه إشكاليات كبيرة في سداد الديون”.
وحسب رأي محدثنا، فإنّ الوضعية الحالية صعبة، وإذا لم يقع العمل على الإصلاحات، لتخفيف حجم الدين مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي، على صعيد منظومة الدعم، والمؤسسات العمومية والنظام الجبائية، “فسنبقى ضمن دائرة التداين التي تصرف على الاستهلاك ولتسديد ديون قديمة”.
ميزانية تعديلية بعد الانتخابات
وعلّق آرام بالحاج على تصريح رئيس الجمهورية قيس سعيّد، بشأن “إيفاء تونس بالتزاماتها” على مستوى سداد الديون، وعدم الحاجة إلى وضع ميزانية تكميلية، متوقّعا أن يقع اللجوء إلى طرح “ميزانية تعديلية”، حسب قوله بعد الانتخابات.
وتابع: “الميزانية التكميلية يقع اللجوء إليها عندما يكون هناك اختلال كبير في التوازنات المالية التي وقع برمجتها منذ بداية السنة، أما في صورة عدم وجود اختلال كبير، فيقع اعتماد ميزانية يمكن تسميتها بالتعديلية أو التصحيحية، وحسب اعتقادي ستكون هناك قانون مالية تعديلي قبل نهاية السنة”.
وأرجع بالحاج اعتماد قانون مالية تعديلي، إلى عدم توفّر الموارد اللازمة من الاقتراض الخارجي، التي وقع تضمينها في مشروع ميزانية 2024، مشيرا إلى وجود بون شاسع بين ما وقع برمجته، وبين ما تحصلت عليه الدولة التونسية فعليا، من القروض الخارجية.
وتابع: “من 16.500 مليون دينار لم نتمكّن إلا من تعبئة 1600 مليون دينار تقريبا، إلى جانب النفقات التي تعاني بدورها من هوة كبيرة على مستوى بعض التدخلات، وهذا ما يستوجب معالجته كما وقع في 2023، عندما وقع إنجاز قانون مالية تعديلي”.
واعتبر آرام بالحاج أنّ الحديث عن “إيفاء تونس بتعهّداتها على مستوى سداد الديون لا يعتبر إنجازا” -حسب تعبيره- مشدّدا على أنه من واجب سلطة الإشراف أن تفي بتعهداتها تجاه الدائنين الخارجيين.
ولفت محدّثنا إلى أنّ “الإنجاز الفعلي على هذا الصعيد، هو عند إغلاق الباب أمام صندوق النقد الدولي، مع النجاح في إيجاد موارد خارجية بديلة، ولكن ما حدث أننا أغلقنا الباب أمام صندوق النقد ونعاني في تعبئة الموارد الخارجية”.
وانتقد محدّثنا في هذا الإطار ما وصفها بـ”المغالطات على مستوى الأرقام” المعلقة بسداد الديون، مبيّنا أنّه إلى غاية شهر جوان الماضي وقع تسديد 54% من المبالغ المخصصة لخدمة الدين الخارجي، على عكس ما وقع تداوله عن تسديد 81%”.
واستطرد: “الحديث عن تسديد 81% من ديوننا الخارجية غير صحيح، والأرقام الأخيرة التي نشرتها وزارة المالية تؤكّد هذا الأمر، حيث تشير إلى أنّ تونس سدّدت قرابة 6600 مليون دينار خدمة دين، وهذا يمثل 54%، من أكثر من 12 ألف مليون دينار يجب تسديدهم كديون خارجية”.
ويرى بالحاج أنّ الرقم الذي نشره البنك المركزي، والذي تحدث عن تسديد 10 آلاف مليون دينار، أي ما يعادل 81% من الديون، يمثّل مجموع سداد الديون الخارجية من طرف مختلف الفاعلين الاقتصاديين، بما فيهم البنك المركزي والمؤسسات العمومية والقطاع الخاص.
الفجوة بين الواقع والأرقام
وفي إجابة عن سؤال “بوابة تونس”، بخصوص معضلة الفجوة بين الواقع والأرقام، خاصة بالنسبة إلى الديون، أكّد آرام بالحاج أنّ “العامل السياسي والانتخابي يلعب دورا في هذا السياق، خاصة في ظل سنة انتخابية وبالتالي تحاول الجهات الرسمية التسويق لإنجازات على المستوى الاقتصادي.
وأقرّ بالحاج بتسجيل عدة إيجابيات لا يمكن إنكارها مثل تقلّص عجز الميزان التجاري، على الرغم من وجود عديد التفسيرات التي توضّح أسبابه، إلى جانب انخفاض نسب التضخّم وارتفاع الاحتياطي من العملة الصعبة، ولكن “هذه الإيجابيات لا تبرر المبالغات بخصوص الأرقام”.
وحول مستقبل الاقتصاد الوطني في المرحلة المقبلة، أوضح الخبير الاقتصادي ، أنه مرتبط بالانتخابات الرئاسية، فإذا “أفضت نتائجها إلى انتخاب شخص متمكن من الملف الاقتصادي ويمتلك رؤية اقتصادية، وقتها سيقع وضع مقاربة استراتيجية وإصلاحات حقيقية للسياسات العمومية”، وفق قوله.
وأضاف: “في صورة غياب أيّ رؤية أو توجه اقتصادي واضح، فلن نخرج عن حدود الشعارات، بلا سياسات عمومية ناجعة أو إصلاحات حقيقة، سواء في منظومة الدعم والمؤسسات العمومية والصناديق الاجتماعية والنظام الجبائي، وسنظل حبيسي نسب نمو ضعيفة”.