عالم

خبراء: مقاطع الفيديو التي ينشرها جنود الاحتلال دليل على الانتهاكات

اعتبر خبراء قانونيون أنّ مقاطع الفيديو التي تُظهر معتقلين في غزة وهم مجرّدون من ملابسهم ومقيّدون ومعصوبو الأعين، والتي صوّرها جنود إسرائيليون وحملوها على الإنترنت، دليل على انتهاك الاحتلال للقانون الدولي.
وينص القانون الدولي على عدم تعريض المعتقلين للإذلال غير الضروري أو لفضول الجمهور.
وأشار تقرير لشبكة بي بي سي إلى اطلاع خدمتها لتقصّي الحقائق على مئات مقاطع الفيديو التي شاركها جنود إسرائيليون علنًا في غزة منذ نوفمبر 2023.
وتحقّقت بي بي سي من ثمانية مقاطع فيديو يظهر المعتقلون فيها.
وقال أحد كبار مستشاري الأمم المتحدة لدى المحكمة الجنائية الدولية الدكتور مارك إليس، إنّ اللقطات التي عُرضت عليه من جنود إسرائيليين قد تنتهك القواعد المعترف بها لمعاملة أسرى الحرب.

جنود في الخدمة

وتُظهر معظم مقاطع الفيديو التي قامت البي بي سي بتحليلها، مشاهد القتال والجنود وهم يتفقّدون المنازل التي هُجّر منها السُكّان.
ويُظهر أحد مقاطع الفيديو جنودا يطلقون النار وهم يرتدون زيّ الديناصورات، ويظهر في مقاطع أخرى الجنود وهم يحضّرون البيتزا في منزل فلسطيني فارغ.
وأشار التقرير إلى وجود ثمانية مقاطع، تم تصويرها ومشاركتها علنًا، يقول عنها خبراء قانونيون إنّها تظهر سوء معاملة المعتقلين الفلسطينيين.
وتم نشر تلك المقاطع من قبل رجال في الخدمة العسكرية أو كانوا جنودًا، ولم يخفوا هويّتهم.
وبيّنت الشبكة أنّها توصّلت إلى حساب واحد من خلال تحليل صورة لمعتقل فلسطيني تم تداولها على نطاق واسع عبر الإنترنت في وقت سابق من هذا الأسبوع.
وتظهر أدوات البحث العكسي عن الصور أنّها جاءت من حساب يوتيوب للجندي الإسرائيلي يوسي غامزو ليتوفا.
وأشارت إلى أنّه قام بتحميل مقاطع فيديو متعدّدة من غزة منذ أوائل ديسمبر الماضي، بما في ذلك لقطات لقواته، التي حدّدها باسم كتيبة الغرانيت 932، وهي جزء من لواء ناحال التابع لقوّات الاحتلال.
وفي مقطع فيديو نُشر بتاريخ 24 ديسمبر 2023، يُظهر المعتقل الفلسطيني في الصورة شبه عارٍ وينزف ويديه مقيّدتين ويجلس على كرسي أثناء استجوابه.
وحدّدت الشبكة موقع الصورة بأنّه كلية غزة، وهي مدرسة تقع شمال القطاع.
وفي وقت لاحق من الفيديو نفسه، يظهر المعتقل وهو يسير حافي القدمين في شوارع غزة.
وقال الجيش الإسرائيلي في بيان له: “تم التقاط الصورة أثناء استجواب ميداني. ولم يصب المشتبه به بأذى”.
وقام جندي احتياطي بتصوير الصورة ونشرها بما يتعارض مع أوامر الجيش الإسرائيلي وقيمه، وتقرّر في الآونة الأخيرة إنهاء خدمته الاحتياطية”.

إزالة مقاطع الفيديو

وفي اليوم نفسه، نشر ليتوفا مقطع فيديو آخر على يوتيوب يظهر مئات المعتقلين الفلسطينيين متجمّعين في ملعب رياضي تبيّن أنّه ملعب اليرموك في غزة.
وتم تجريد معظم الأشخاص الذين ظهروا في الفيديو من ملابسهم، وبعضهم معصوبو الأعين وراكعون على الأرض في صفوف مرتبة، بينما يراقبهم جنود الاحتلال.
وفي لحظة ما، تظهر مجموعة تضمّ ثلاثة معتقلات راكعات ومعصوبات الأعين خلف مرمى كرة قدم يعلّق فوقه العلم الإسرائيلي.
ويظهر جندي إسرائيلي في الفيديو عدة مرات، ويبدو أنّه مدرك أنّه يتم تصويره.
ومن خلال مقارنة زيّه وشارته مع الصور الأخرى المتاحة للجمهور لزيّ الجيش الإسرائيلي على الإنترنت، تبيّن أنّه مقدم، أو قائد كتيبة.
وتمّ حذف مقطعي الفيديو من صفحة يوتيوب العامة لليتوفا بعد وقت قصير من اتّصال بي بي سي بقوّات الاحتلال.

مدوّنة لقواعد السلوك

ويشير التقرير إلى احتواء مقطعي فيديو تم تحميلهما على تيك توك بواسطة جندي آخر من الجيش الإسرائيلي على صور لمعتقلين معصوبي الأعين، تتخلّلها صور لجنود يحملون أسلحة.
ونُشر مقطع من المقطعين في 14 ديسمبر الماضي وصُوّر على وقع أغنية راب إسرائيلية، يَظهر فيه معتقلون معصوبو الأعين ومكدّسون في شاحنة صغيرة وبجانبهم جندي يقف رافعا إبهامه إلى الأعلى.
وتظهر حسابات أخرى للجندي الذي نشر المقاطع أنّه يُدعى إيليا بلانك.
ونشر هذا الجندي مقطع فيديو آخر يتضمّن صورة لرجل معصوب العينين ملقى على الأرض، محاطا بما يبدو أنّهم ثلاثة جنود من قوّات الاحتلال.
وعثرت الشبكة على عدد من الصور المستخدمة في مقاطع الفيديو الخاصة به في شمال غزة.
وأكّدت البي بي سي أنّ قوّات الاحتلال اضطرّت إلى إزالة مقاطع الفيديو بعد اتصالها بالاحتلال وإدارة تيك توك.
وتنص المادة 13 من اتفاقية جنيف الثالثة على وجوب حماية الأسرى في جميع الأوقات، وخاصة ضد أعمال العنف أو الترهيب وضد “الشتائم والفضول العام”.
ويقول الدكتور مارك إليس، أحد كبار مستشاري الأمم المتحدة لدى المحكمة الجنائية الدولية، إنّ الأساس يكمن في “عدم خلق فضول عام” تجاه أسرى الحرب وليس “إهانتهم أو إذلالهم”.
وأضاف: “إنّ فكرة مرور الناس بملابسهم الداخلية وتصويرهم وبثّ تلك الصور عبر الإنترنت ينتهك ذلك، فالقواعد التي تم وضعها لا تسمح بأيّ شكل من الأشكال بهذه التصرّفات”.
وقال البروفيسور آسا كاشر -الأكاديمي الإسرائيلي الذي ساعد في كتابة أول مدونة لقواعد السلوك لقوّات الاحتلال- إنّ مشاركة صور الأشخاص أنصاف عراة تتعارض مع مدونة قواعد السلوك لقوّات الاحتلال الإسرائيلي.
وأضاف أنّه قد تكون هناك حاجة إلى الجيش لتجريد أحد المعتقلين من ملابسه لفترة وجيزة للتحقّق مما إذا كان مسلّحا، لكنّه لا يرى سببا “لالتقاط مثل هذه الصورة ومشاركتها مع الجمهور”.
وأضاف: “سبب احتجازهم نصف عراة هو إذلالهم”.
ونقلت البي بي سي عن محامي حقوق الإنسان مايكل مانسفيلد، قوله إنّ اللقطات يجب أن يتمّ تقييمها من قبل محكمة تابعة للأمم المتحدة.
وأضاف: “هناك قيود صارمة للغاية على كيفيّة التعامل مع الأشخاص المحتجزين الذين يعتبرون أسرى في زمن الحرب أو الصراع، وهذا هو الحال بكلّ وضوح، والقواعد تهدف هنا إلى معاملة أسرى حرب بالاحترام.
وتابع: “لقد أرسلنا ستّة مقاطع فيديو إلى تيك توك، والذين أكّدوا أنّ جميعها تنتهك إرشادات المجتمع الخاصة بهم”.
وأضاف أنّ إرشاداتهم واضحة بشأن عدم التسامح مع المحتوى “الذي يسعى إلى الحطّ من قدر ضحايا المآسي العنيفة”.
وأكّدت الشبكة اختفاء جميع مقاطع الفيديو منذ ذلك الحين من المنصّة.
وقال متحدّث باسم موقع يوتيوب إنّه أزال عشرات الآلاف من مقاطع الفيديو المُؤذية وأغلق آلاف القنوات أثناء الصراع بين إسرائيل وغزة، وإنّ لديه فرقًا تعمل على مدار الساعة لمراقبة محتوى اللقطات المُؤذية.