تونس

خبراء دستوريون: التقسيم الترابي للدوائر الانتخابية سيتسبّب في إشكاليات عديدة

أكّد عدد من أساتذة القانون الدستوري والخبراء في مجال الانتخابات، أنّ التقسيم الترابي الجديد للدوائر الانتخابية -الذي تضمّنه المرسوم الانتخابي الجديد- يطرح العديد من الإشكاليات، من أهمّها المساواة في التمثيل البرلماني وعدم اعتماد المناصفة.

وخلال مائدة حوارية نظّمتها الجمعية التونسية للقانون الدستوري، السبت 17 سبتمبر/أيلول لمناقشة القانون الانتخابي، انتقد المتدخّلون من الخبراء والمختصّين “غياب معايير موضوعية لاعتماد التقسيم الجديد للدوائر الانتخابية”، في ظلّ المهلة الزمنية المحدودة الفاصلة عن موعد الانتخابات التشريعية.

حسابات سياسية

 واعتبرت رئيس الجمعية التونسية للقانون الدستوري سلوى الحمروني، أنّ التقسيم الترابي في أغلب الحالات يكتسي خلفيات سياسية، مذكّرة بأنّ المبادئ الدولية تقتضي أن تقع إعادة توزيع الدوائر الانتخابية قبل سنة -على الأقل- من موعد الانتخابات، لما يشكّله التقسيم الجديد من تبعات سياسية، فضلا عن ارتباطه بحسابات سياسية وانتخابية.

 وأضافت الحمروني أنّ التقسيم الترابي كان يقوم على فكرة المساواة بين عدد الناخبين. كما وقع الترويج طوال السنة الماضية لفكرة أنّ الاقتراع على الأفراد سيكون في دوائر ضيّقة تجعل الناخب يعرف المترشّحين، لكن التوزيع الحالي يجمع بين معتمديات لا رابط بينها على مختلف المستويات.

 أما أستاذة القانون العام منية قاري، فقد اعتبرت أنّ هذا التقسيم “لا يحترم مبدأ النزاهة ولا المساواة في وزن كل صوت، ووقت صياغته على أساس المحليات وتهيئة للمجالس الجهوية، أكثر منه للانتخابات التشريعية”، مذكّرة بأنّ التقسيم الترابي يجب أن يرتبط بالبرنامج الانتخابي للمترشّح الذي يكون مبنيا على احتياجات جهته.

 وأشارت منية قاري إلى أنّ انتخاب مرشّح في دائرة تتكوّن من عدة معتمديات تختلف مشاكلها ومطالبها التنموية، يمكن أن يكون سببا في سحب الوكالة من هذا النائب الذي وضع برنامجا يولي أهمية للمنطقة التي ينتمي إليها.

تقسيم ترابي دون معايير واضحة

 من جهتها، قالت أستاذة القانون هناء بن عبدة إنّ التقسيم الترابي للدوائر لا يتماشى مع القاعدة السكانية، وليس هناك معيار محدّد لهذا التقسيم “الذي يبدو أنه تمّ على أساس مناطق التأثير التي يتمتّع بها الحاكم اليوم”.

  بدورها، لاحظت أستاذة القانون الدستوري سلسبيل القليبي، أنّ تقسيم الدوائر “تمّ في غياب كامل للشفافية، إذ كان يُفترض الاستعانة بمختصّين في الجغرافيا البشرية”، مضيفة أنّ “التقسيم في ظاهره إداري، دفعا لشبهة توظيفه لأغراض سياسية، لكن بالنظر إلى الجداول المرفقة بالمرسوم الانتخابي نكتشف أنّ التقسيم ليس كذلك”.

  التوزيع الترابي للدوائر الانتخابية سيتسبّب أيضا في إشكالات عند الترشّح، بحسب سلسبيل القليبي، خاصّة في ظلّ “وجود حساسيات بين عديد المعتمديات”، وهو أمر مطروح وبشدّة حسب تقديرها.

 رئيس الهيئة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية شوقي قداس، تحدّث عن تفاوت الطبيعة السكانية بين الدوائر الترابية والمعتمديات، فهناك 94 معتمدية يناهز عدد سكانها 100 ألف نسمة، بينما توجد 241 معتمدية يتراوح عدد سكانها بين 4 آلاف و60 ألف ساكن، وبالتالي فلا يمكن تقسيمها بالتساوي لاسيما في ظلّ غياب منظومة معلومات جغرافية محدثة ودقيقة.

 وقال قداس: “إنّ خيار نظام الاقتراع على الأفراد سيضعنا أمام إشكاليات صعبة جدا”، معتبرا أنّ نظام الاقتراع السابق لم يكن سيّئا لو وقع ترفيع العتبة الانتخابية إلى 7 %، بما يجنّب ظاهرة التشتّت البرلماني التي شهدها المجلس المنحلّ.  

 رئيس شبكة “مراقبون” رجاء الجبري، اعتبرت في مداخلتها أنّ “المرسوم “سينسف المكاسب التي تحققت بعد الثورة، وسيعمّق المشاكل المطروحة”.

 وأضافت الجبري أنّ شبكة “مراقبون” تعمل منذ سنة على وضع تقسيم ترابي للدوائر الانتخابية يأخذ المعطى الاقتصادي، والبشري، والاجتماعي بعين الاعتبار، مع تجنّب الجمع بين معتمديات توجد بينها حساسيات أو نزاعات على عكس التقسيم الجديد.

  وقالت الجبري: “أبسط حقّ للناخب هو أن يعرف المعيار المعتمد في هذا التقسيم، لأنّه لا يتماشى حتى مع سجلّ الناخبين. ومن أهم المعايير في التقسيم هي ضمان العدالة الانتخابية، لكن بدلا من ذلك سيؤدّي هذا التقسيم إلى تعميق الاختلافات”.

توجيه الأصوات 

واعتبر رئيس جمعية “عتيد” بسام معطّر، أنّ هذا التقسيم تُستشفّ منه “محاولة توجيه للأصوات”، لافتا إلى أنّ عملية رصد وسائل التواصل الاجتماعي خلال الشهرين السابقين، كشفت وجود صفحات تشتغل وفق الأماكن التي يوجد فيها متابعيها الذين يعدّون بمئات الآلاف، “وهي نقطة إضافية تطرح بسبب الضبابية التي تحيط بخلفية هذا التقسيم”، حسب تعبيره.