كتب المدون والملحق السابق بإدارة الإعلام برئاسة الجمهورية معز حريزي،
تفاعلاً مع الحملة المتعلقة بدعم مكتبة نهج انجلترا بتونس العاصمة، التدوينة
التالية على صفحته بفيسبوك، “علاقتي بمكتبة نهج انجلترا تواصلت بين 2004
و2007، كتب التمارين في العلوم الطبيعية والفيزياء والرياضيات كانت غالية
ومكلفة جدًا بالنسبة لي، وسعر الكتاب الواحد لا يقل عن 40 دينارًا في ذلك
الوقت، وكان مثل ذلك المبلغ فوق حدود إمكانياتي، كنت استقل الحافلة واتجه إلى
المكتبة بنهج انجلترا واشتري كل تلك الكتب وغيرها، وأحيانًا كنت أعثر على
كتب مهمة في تمارين الفيزياء والرياضيات، وكنت اقتنيها كلها بمبلغ لا يتجاوز
25 دينارًا، من السنة الأولى ثانوي إلى حدود نجاحي في البكالوريا لم احتج
إلى دروس تدارك، المكتبة كانت المساند الرسمي لي بالملخصات
والتمارين، هذه المكتبة كنز وطني بأكثر من 300 ألف كتاب من العلم والمعرفة،
لهذا لا يجب أن تغلق أبوابها ولا بد أن يدعمها كل الناس”.
تدوينة معز تعد نموذجًا لمدى قوة وسائط التواصل الاجتماعي، وتأثيرها الايجابي
لحشد الرأي العام، وتوسيع نطاق المشاركة في الحملات التضامنية
والتوعوية والعمل التطوعي.
حملة إنقاذ
هذه المرة اضطلع الفيسبوك بمهمة “إنقاذ خاصة”، من خلال
دعوة عشاق الكتب إلى دعم مكتبة نهج انجلترا والمعروفة “بكهف علي بابا”،
لتتحول المبادرة إلى نموذج ايجابي للسوشال ميديا ، وقوة الإعلام في
ترسيخ الوعي لدى الجمهور بالقيم والقضايا النبيلة.
انطلقت المبادرة من تقرير نشرته وكالة الأنباء التونسية عن الوضع المتردي
الذي تعيشه المكتبة، نتيجة تراجع الإقبال بالسنوات الأخيرة على الكتب.
وضع فاقمت جائحة كورونا من تداعياته، وأصبح معها صاحبها عاجزًا
عن تسديده أجور العمال، والديون المتخلدة بذمته لفائدة صندوق الضمان الاجتماعي.
كانت التقرير الصحفي بمثابة صرخة الأمل الأخيرة التي أطلقها صاحب المكان
فوزي الهذيلي، في محاولة لإنقاذ صرح ثقافي يتجاوز تاريخه 70 سنة، بما
يحتويه من كنوز معرفية وأدبية تناهز 300 ألف كتاب من الاندثار.
تناقل عدد من وسائل الإعلام تقرير الوكالة بما في ذلك بوابة تونس، كان كفيلًا
بتحول مكتبة نهج انجلترا إلى الترند الأكثر تداولًا على منصات التواصل
الاجتماعي، وحرك هبة واسعة من مئات الزائرين الذين تقاطروا على المكان.
“المعادلة بسيطة، فلو أن كل زائر قام بشراء كتاب واحد كحركة رمزية، فإن هذه
الحملة كفيلة بتوفير مداخيل تسهم في حل أزمة مكتبة علي بابا، والحفاظ عليها
من الإغلاق بانتظار تدخل من البنوك أو وزارة الثقافة”، هكذا يشرح أحد
المنشورات مبدأ الحملة وهدفها، بما ساهم في مزيد تفعيلها وانتشارها بين
الشباب.
من مبادرة إلى ظاهرة
تحول الإقبال الواسع الذي حظيت به المكتبة إلى حديث المدينة، وأصبحت مقصدًا
لعديد الوجوه الثقافية والفنية، وكذلك الدبلوماسية التي انخرطت في الفكرة، كان
آخرها السفير المغربي بتونس والذي نشر قبل أيام على الصفحة الرسمية للسفارة
صورة زيارته للمكتبة ولقائه مع صاحبها، مضيفًا في تدوينته “المكتبة التي ظلت
لعقود طويلة، تُرتب لكتبها، يوما بيوم، فرصة حياة ثانية مع قراء جدد، تحتاج
اليوم لعشاق الكتب ومحبي المعرفة لمنحها حياة متجددة”.
يفسر المتابعون ظاهرة التفاعل الجماعي مع أزمة المكتبة، بكونها محاولة للحفاظ
على احد معالم الذاكرة الجمعية للتونسيين، بما تختزله من إرث ثقافي وفكري،
ومخزون نادر من الكتب.
الحملة وبرغم بعدها الرمزي، إلا أنها رسخت بين تفاصيلها مشهد مصالحة مع
الكتاب في ظل القطيعة التي يعشها السواد الأعظم من المجتمع التونسي مع
المطالعة والقراءة، فبحسب إحصائيات نشرتها مؤسسة “أمرود” فإن 82% من
التونسيين لم يقرؤوا كتابًا واحدًا العام الماضي، ما يجعل من شعار “أنا شريت
كتاب وأنت وقتاش”، يتجاوز حدود دعم مكتبة انجلترا، نحو ترسيخ تقاليد القراءة
من جديد.