تونس

حملات السحل الإلكتروني … من يقف وراءها؟ وما موقف النيابة العمومية بشأنها؟

“السحل الإلكتروني”، هكذا وصفت نقابة الصحفيين التونسيين وعدد من الهياكل المهنية المعنية بالقطاع الصحفي إلى جانب منظمات حقوقية أخرى، الممارسات المتصاعدة التي بات عدد كبير من الصحفيين والناشطين الحقوقيين عرضة لها على مواقع التواصل الاجتماعي، منذ 25 جويلية/يوليو الماضي.

 حملات ممنهجة تشمل التشهير وهتك الأعراض ونشر المعطيات الشخصية والتشويه، من جانب عشرات الصفحات المشبوهة التي وصفها بيان مشترك لنقابة الصحفيين ومنظمات هيئات المجتمع المدني بـ”أنها تعيد إلى الأذهان ممارسات الصحافة الصفراء زمن بن علي”.

هجمات وتهديدات افتراضية تستهدف أصحاب الرأي المخالف من الإعلاميين ونشطاء المجتمع المدني بحسب المراقبين، نتيجة لعدم اصطفافهم في خندق المؤيدين لقيس سعيّد أو المعارضين له، وفي ظل إحجام النيابة العمومية عن التدخل لتتبع المسؤولين عن هذه الصفحات والانتهاكات والجرائم الإلكترونية.

   وكان البيان المشترك قد حذّر من تهديدات خطيرة تستهدف عددا من الإعلاميين وعائلاتهم، لمجرد تعبيرهم عن مواقف تخضع للنقاش والجدل.

مرتزقة وراء صفحات مأجورة

وفي تصريح لبوابة تونس، وصف الناشط الحقوقي وعضو المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية عبد الرحمن الهذيلي القائمين على عمليات التشويه والإساءة الافتراضية بـ”المرتزقة”، الذين يتخفون وراء صفحات مأجورة لخدمة أجندات معينة.

واعتبر الهذيلي الذي كان عرضة لحملات تشويه وإساءة، أن هذه الفئة من الذين يدعون النضال والوطنية هم في الحقيقة أقرب إلى الأشباح، ولم يسبق لهم المشاركة في أية تحركات ميدانية ذات مضمون اجتماعي أو اقتصادي أو فعاليات حقوقية، مضيفا: “طوال سنوات عملنا والتحركات التي خضناها بمختلف جهات البلاد، لم يسبق لي أن رأيت أحدا من هؤلاء الذين يتخفون وراء بعض صفحات الفيسبوك ويمارسون السب وترهيب كل صوت مخالف”.

وأشار الهذيلي إلى أن بعضا من القائمين على حملات السحل الإلكتروني يحاولون الركوب على ما يعرف بموجة “ما بعد 25 جويلية/يوليو”، ويقدّمون أنفسهم بأنهم من أنصار رئيس الجمهورية والمدافعين عنه، وينشطون افتراضيا على شكل مجموعات، لكنهم في الحقيقة مجرد مأجورين ليس لديهم أية قضايا فعلية أو ملفات يدافعون عنها.

وعبّر عضو المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية في السياق ذاته عن استغرابه من صمت النيابة العمومية، وعدم مبادرتها للتحرك وتتبع هذه الانتهاكات، داعيا إياها إلى تحمل مسؤولياتها واتخاذ إجراءات رادعة في مواجهة حملات السب والتشهير العلنية.

اختبار حقيقي لرئيس الجمهورية

من جانبها بيّنت أميرة محمد عضو المكتب التنفيذي للنقابة الوطنية للصحفيين، أن هذه الحملات المشبوهة على “السوشيال ميديا” تعكس صراع أجندات سياسية، حيث تنشط جهات معارضة لقيس سعيّد في مهاجمة كل من يدلي بمواقف مؤيدة له وتشويهه، في مقابل صفحات ممولة ومدعومة محسوبة على سعيّد تتحدث باسمه وتسوق نفسها بأنها تمثل حراك 25 جويلية/يوليو، وتعمل على هتك أعراض كل من يدلي بمواقف معارضة لتوجهات رئيس الجمهورية.

أميرة محمد فسرت عمليات التخوين والشيطنة والتشهير التي طالت عددا من الصحفيين من قبل عشرات الصفحات المأجورة، بما فيهم أعضاء المكتب التنفيذي للنقابة، باعتبارها انعكاسا لمعركة الدفاع عن استقلالية القطاع، واستمرارا لمحاولات تركيع الإعلام ومحاولات تطويعه سياسيا، أو إجباره على الاصطفاف إلى جانب أي سلطة حاكمة تعمل على توظيف مثل الصفحات لإرهاب الأصوات الحرة.

وأضافت أميرة محمد: “بيانات نقابة الصحفيين وشركائها منذ 25 جويلية/يوليو كانت واضحة، فقد رفضنا منح قيس سعيد صكا على بياض، وعبّرنا عن تمسكنا بمواقف مبدئية تجاه القضايا المتعلقة بالحقوق والحريات، وانتقدنا المضايقات التي يتعرض لها الصحفيون والاعتداء على الحريات، كما عبّرنا في الآن ذاته عن موقفنا تجاه منظومات الحكم الفاشلة التي تداولت على السلطة طوال السنوات العشر الماضية”.

وبخصوص عدم تحرك النيابة العمومية ضد هذه الممارسات الخطيرة، اعتبرت أميرة أن النيابة العمومية تتلكأ في اتخاذ الإجراءات المتوجبة عليها قانونا، كلما تعلق الأمر بالاعتداء على الصحفيين، في حين تسارع بفتح التحقيقات في قضايا وملفات أخرى، وهي سياسة مستمرة طوال العشرية الأخيرة.

عضو المكتب التنفيذي للصحفيين وصفت المسألة بـ”الامتحان الحقيقي” لرئيس الجمهورية، بوصفه رئيسا للنيابة العمومية، وانطلاقا من تصريحاته السابقة بأنه سيحترم الحريات وخاصة حرية التعبير ويضمنها ولا نية له للمس بها، ما يجعله اليوم أمام واجب التدخل لضمان أمن الصحفيين والناشطين الحقوقيين وسلامتهم، وبالتالي “سنرى إن كان ما تعهد به سعيّد سيترجم على أرض الواقع وهل سيكون هناك تحرك للنيابة العمومية من عدمه”.