"حرقة… يُتحف التونسيين بثنائي" تراجيدي اسمه "مجيد ولمين"
tunigate post cover
ثقافة

"حرقة… يُتحف التونسيين بثنائي" تراجيدي اسمه "مجيد ولمين"

مشاهد تمثيلية موجعة ومضحكة في آن واحد في مسلسل « الحرقة » التونسي... بين شرود "مجيد" (رياض حمدي) وسرعة بديهة "لمين" (أحمد الحفيان) تكامل وانسجام لا يُتقنه إلاّ إياهما
2022-04-14 13:02

صابر بن عامر

أتحفنا مسلسل “حرقة… الضفة الأخرى” هذا العام بديو تمثيليّ مميّز بات حديث التونسيين، وهو الذي جمع فيه المخرج الأسعد الوسلاتي بين قامتين فنيتين هما أحمد الحفيان ورياض حمدي.

مشاهد تمثيلية موجعة ومضحكة في آن واحد… فبين شرود “مجيد” (رياض حمدي) وسرعة بديهة “لمين” (أحمد الحفيان) تكامل وانسجام لا يُتقنه إلاّ إياهما.

ديو تمثيلي رسّخ عمق الورق الذي كتبه باقتدار السيناريست عماد الدين حكيم وأجاد ترجمته صورة وصوتا الأسعد الوسلاتي، فيما أبدع الثنائي في تحويل الورق إلى فعل وردّة فعل من لحم ودم، فأقنعا وأمتعا دون الكثير من المبالغات التعبيريّة المسقطة.

ثنائية مُبهرة ومُبهجة قال عنها الفنان والملحن التونسي الطاهر القيزاني: “مثّلا معنى التوازن… عندما تتعادل كفا الميزان”.

ولأن حمدي واصل ما بدأه في الجزء الأول من العمل باقتدار وسلاسة، الأمر الذي منحه في العام الماضي أحقية الفوز بجائزة أفضل ممثل في المسلسلات الرمضانية التونسية في الدورة السادسة من مسابقة “رمضان أوورد” التي تنظمها مجلة “تونيفيزيون” الخاصة بالشراكة مع إذاعة الشباب العمومية.

فيما حلّ الحفيان في الجزء الثاني من العمل ليكون أحد أهم الشخصيات المؤثّرة في الحكاية، وهو الذي يُبطن أكثر ما يُظهر من أسرار وحكايات ستنكشف تباعا في قادم الحلقات.

وعن المرجعيات التي ألهمته شخصية “لمين” قال الحفيان في تصريح خاص لبوابة تونس: “النص الذي وضعه عماد الدين حكيم وكتبه مشهديا الأسعد الوسلاتي هو من ألهمني شخصية لمين، فحينما قدّما إلي مقترح الشخصية، وجدت فيها معادلة موضوعية لشخصيات عرفتها موجودة في الواقع، وقد حاولت أن أكون أحد النوت المكمّلة للأوركسترا المصوّرة”.

ويُضيف الفنان التونسي المُقيم في إيطاليا: “في مشروع حرقة كل واحد منا، هو نوتة أو لوحة في المشاهد التي تحكي عن الإنسان بشكل عام، فلكل شخصيّة في العمل حكاية وتاريخ”.

وعن كيفية تعامله هو ورياض حمدي مع الشخصيتين بعد اطلاعهما على الورق، قال مُجيبا بوابة تونس: “لقائي بصديقي رياض كان دائما وأبدا مُبهجا، كنا مع بقية زملائنا في العمل نسعى إلى تقاسم الصدق في الأداء، وهذا هو محرّكنا الأول والأخير كممثلين ليس في تونس فقط، بل وعالميا.

وتحفّظ الحفيان في إجابته عن سؤالنا عن كونه من الممثلين التونسيين القلائل الذين يعيشون في إيطاليا، تحديدا روما، فهل ساعده حضوره هناك في تكوين الشخصية، من حيث مرجعياتها وحركاتها وألفاظها؟ فقال: “هذا السؤال تحديدا لا أستطيع الإجابة عنه إلاّ بعد نهاية العمل، وأرى أنني إن أجبتك عنه الآن أكون قد قلّلت من شأنك ومن عمق سؤالك؟”.

وأحمد الحفيان ممثل سينمائي تونسي مثل في عدة أفلام تونسية وإيطالية، كما مثل في بعض المسلسلات التونسية والإيطالية، وهو الحاصل على العديد من الجوائز العربية والعالمية عن أدواره السينمائية في الأفلام التونسية، كفيلم “الأستاذ” و”فتوى” لمحمود بن محمود غيرهما.

أما رياض حمدي الذي اكتشفه الجمهور التونسي في رمضان 2019 من خلال مسلسل “المايسترو” في دور السجان “طارق” الرؤوف والرحيم بأطفال سجن الأحداث (من هم دون سن الـ18)، ربما ما كان له أن يجد طريقه إلى الدراما التونسية، ويشهد كل هذا النجاح، وهو الذي اختار الاشتغال لسنوات في المسرح وللمسرح ممثلا ومدرسا (أستاذ جامعي في اختصاص الكوميديا)، لولا إيمان مخرج العملين “المايسترو” و”حرقة” الأسعد الوسلاتي بطاقاته التمثيلية الاستثنائية أولا، وبمشروعهما الدرامي الذي يُريدانه قريبا من التونسيين ومعبّرا عن همومهم، ثانيا.

وحمدي ممثل يُشبه كل التونسيين مظهرا وملبسا وحركة وصوتا، عبّرت ملامحه في “المايسترو” عن الطيبة دون افتعال، وعبّرت لهجته ومشيته وشرود عينه في “حرقة” عن حُرقة كل أب تونسي مرّ بتجربة البحث المضني عن ابن آثر الهجرة غير النظامية على مراكب الموت، وما تعنيه المُغامرة من مخاطر، على أن يبقى في وطنه منبوذا شريدا دون عمل يضمن له كرامته وإنسانيته، فيظل الأب بين نارين؛ نار انتظار مكالمة هاتفية تطمئنه على فلذة كبده، قد لا تأتي في الغالب، ونار ترقّب جثته الهامدة التي عادة ما يلفظها البحر على خلجان الأحلام المتكسّرة.

لكنّه في “حرقة 2” لم ينتظر بل بادر بدوره مضطرا إلى ركوب زوارق الموت إلى الضفة الأخرى باحثا عن ابنه المفقود، فإلى أين سيؤول سعيه؟ لننتظر.

في النهاية ما يجمع بين الحفيان وحمدي في “حرقة 2” هو الكذب بصدق، فثمّن المُشاهد تجسيدهما وبارك هذه الثنائية التي سترسخ عميقا في المخيال الشعبي التونسي على غرار زهرة فائزة ومحمد بن علي في “أمي تراكي”، وعبد العزيز المحرزي وريم الزريبي في “حبّوني وادللت”، ومنجي العوني ونور الدين بن عياد في “خاطيني”، ولمين ورياض النهدي في “سي الزهواني”، أو سفيان الشعري وكمال التواتي في “شوفلي حل” أو كوثر الباردي وجلال الدين السعدي في أكثر من عمل درامي ومسرحي، ولو أن المُقارنة هنا لا تليق، إذا ما اعتبرنا أن كل من سبق ذكره حقّقوا نجاحهم كوميديا فيما طبع الحفيان وحمدي تميّزهما تراجيديا.

أحمد الحفيان#
رياض حمدي#
مسلسل حرقة#

عناوين أخرى