عرب

حرب الأيام الأربعة … المعركة التي عمقت انقسام الصف العربي


هي حرب قصيرة الأمد لم يتجاوز مجالها الزمني أياما أربعة حتى دعيت بذلك الاسم، لكن رمزيتها ودلالتها كانت على درجة من العمق والخطورة، إذ مثلت أول حرب مسلحة بين قطرين عربيين في التاريخ المعاصر وكانت تبعاتها الإقليمية والسياسية أشد وطأة من حيث تعميق انقسام الصف العربي. 

حرب الأيام الأربعة بين مصر وليبيا سنة 1977 كانت كفيلة رغم قصرها بتفجير المسكوت عنه من خلافات متصاعدة بين ما كان يُعرف بدول الطوق والمواجهة مع الكيان الصهيوني ودول الدعم والمساندة العربية بعيد حرب أكتوبر 1973.

تحولات إقليمية

كانت حرب أكتوبر 1973 التي تعد الأخيرة في سجل الحروب الرسمية العربية الصهيونية منطلقا لتحولات عميقة سياسية وإقليمية، خصوصا بعد ارتماء السادات في أحضان واشنطن بمباركة وتخطيط من وزير الخارجية الأمريكي الشهير هنري كيسنجر وتبني مشروع التسوية والتطبيع مع إسرائيل. 

مهد تحييد القاهرة عن مسار النزاع مع العدو الإسرائيلي لخروج الخلافات الثنائية والبينية العربية إلى العلن وإضعاف الجبهة الداخلية وكان من الطبيعي في ظل تهاوي سياسة المواجهة مع العدو الصهيوني ومبادئها الرئيسية والتي كانت بمثابة عامل توحيد وتجميع للعرب منذ قمة الخرطوم 1967 أن تتحول الأنظمة إلى تصفية الحسابات القديمة والمعلقة وتخوين بعضها والتراشق بالاتهامات وتدبير المؤامرات. 

كانت المواجهة العسكرية بين طرابلس والقاهرة في خضم اندفاع السادات نحو المحور الأمريكي والتبشير بثمار السلام تصويرا صادقا لكل هذه العوامل التي عززتها شخصية العقيد الليبي الراحل بما جُبل عليه من التهور والاندفاع وسياساته التي لطالما أثارت التوتر والجدل في علاقته بدول الجوار. 

لم يكن اندلاع الحرب بين الجارتين في توقيته ومساره مفاجئا حسب المؤرخين والدارسين للعلاقات المصرية الليبية المعاصرة، إذ كانت الخلافات والتوترات المستمرة بين الرئيس المصري أنور السادات وجاره العقيد صاحب النزعة الثورية الوحدوية محكومة بشعرة معاوية في حدها الأدنى وكان أي حدث قادح كفيلا بتفجير الأوضاع. 

بين القذافي والسادات

منذ صعوده إلى سلم السلطة، كانت نظرة السادات مشوبة بحذر دائم من سياسات العقيد الليبي الراحل ومواقفه ودعواته إلى الوحدة والتي كان يغلب عليها الاندفاع والارتجال والذاتية المفرطة والتي تختلط بخلفية الرجل العسكرية. 

كانت تصرفات القذافي ومخططاته التي حاكها مرارا تجاه دول الجوار والتي تجسدت في مناسبات عديدة سواء تونس أو المغرب والتي تسببت في توتر العلاقات إلى درجة القطيعة مبررا لمواقف السادات المتحفظ تجاه القيادة الليبية على عكس سلفه الراحل جمال عبد الناصر والذي عُرف بعلاقته الوطيدة بالعقيد، بل وأسبغ عليه لقب أمين القومية العربية. 

تراوحت علاقة القاهرة طوال حقبة السادات بطرابلس بين الأزمات الصامتة والشد والجذب إلى درجة امتناع السادات قبيل حرب 1973 عن إعلامها رسميا على غرار بقية العواصم العربية باندلاع المواجهات مع العدو الإسرائيلي عبر القنوات الدبلوماسية تحسبا لسلوك العقيد المتهور والطائش والذي قد يفسد الأمور. 

كانت حرب أكتوبر والتي انصهرت خلالها مشاعر الشارع العربي ومواقف قياداتها تحت شعار ” قومية المعركة ” فرصة نموذجية للقذافي لمحاولة الاستثمار مجددا في شعاراته القومية ودعواته الوحدوية عبر السعي إلى إحياء مشروع اتحاد الجمهوريات العربية مع كل من سوريا ومصر والذي وقع على ميثاقه سنة 1971، لكنه لم يجد طريقه فعليا إلى التجسيم نتيجة عوامل داخلية وخارجية.

أثارت زيارة السادات إلى القدس المحتلة ثائرة العقيد القذافي الذي اعتبر خروج مصر عن الإجماع العربي وإبرام صلح منفرد خيانة للأمة العربية وآمالها الوحدوية ولتبدأ معها مرحلة من المناوشات الدبلوماسية والإعلامية المتبادلة والتي أسهمت تصريحات الرجلين في شحنها أكثر. 

المسيرة نحو القاهرة 

وفاء لعاداته وأسلوبه الذي تختلط عبره الأيديولوجيا بتوظيف الشارع، قاد القذافي مسيرة أطلق عليها اسم ” مسيرة نحو القاهرة “، من أجل إسقاط الحدود حسب تعبيره والتي اعتبرها سببا في في تفكك الأمة العربية وإعاقة توحيدها. 

سعى القذافي بهذه الخطوة إلى محاولة كسب الشارع المصري الذي كان يغلي رفضا لسياسات السادات التطبيعية مع إسرائيل، لكنها تسببت في تفجير المواجهة واتخاذها مسارا معاكسا لحساباته.

فمع قيام حرس الحدود المصري بالتصدي للمسيرة ومنعها من اجتياز الحدود بين البلدين، قام الجنود من الجهة الليبية بالرد عبر إطلاق النار، ما أدى إلى تطور الاشتباكات ووقوع عدد من الإصابات والضحايا.

المواجهة المسلحة

كان الحادث بمثابة الفتيل الذي تسبب في تفجر الوضع،  حتى أن وحدات المدفعية الليبية شرعت في قصف مدينة السلوم المصرية لترد القوات الجوية المصرية بهجوم واسع على عدد من القواعد العسكرية الليبية أبرزها قاعدة طبرق وأخرى عند منطقة الكفرة. 

استمرت الاشتباكات البرية والجوية بين الطرفين طوال 4 أيام إلى غاية الرابع والعشرين من جويلية/ يوليو سنة 1977 حيث بدأ تطبيق وقف إطلاق النار بعد تدخلات ووساطات دبلوماسية قادها كل من الرئيس الجزائري هواري بومدين والزعيم الفلسطيني ياسر عرفات. 

قصر فترة المواجهات لم يحُل دون تكبد الجانبين خسائر مادية وبشرية جسيمة قدرت من الجانب المصري بحوالي 100 جندي بين قتيل وجريح ونحو 7 طائرات مدمرة، فيما بلغت خسائر الليبيين 400 جندي بين قتيل وجريح ونحو 20 طائرة و60 دبابة و400 ناقلة عسكرية مدرعة. 

أسهمت المواجهة في زيادة الانقسام السياسي والرسمي والعربي وكانت سببا غير مباشر في تصاعد الأصوات الداعية إلى تجميد عضوية مصر في الجامعة العربية إثر توقيع اتفاقية كامب ديفيد، كما تسببت في حالة من الجمود الإقليمي والسياسي الذي عاشه النظام الرسمي العربي طوال سنوات عدة.