مدونات

جهاز ثوري يفكّ شفرة البكاء لدى الرضيع

سمية المرزوقي

يشعر الكثير من الأمّهات والآباء، خاصّة الجدد، بالإحباط عند عجزهم عن اكتشاف سبب انزعاج طفلهم الرّضيع أو سرّ دخوله في نوبة بكاء شديد.

ذلك الشعور بالجّهل والعجز يولّد لدى الوالدين إحساسا بالخيبة وسوء تقدير الذات، ويدفعهما إلى تجريب كلّ الحلول الممكنة في محاولة تبدو يائسة أحيانا في استعادة الهدوء.

أما اليوم، فقد أصبح العلم في صفّهما بعد اختراع جهاز ذكيّ يقوم بتحليل بكاء الرّضيع، وتحديد سببه في غضون عشر ثوان فقط.

جهاز تحليل البكاء

“كيوبير”، هو عبارة عن جهاز دائري مغطّى بالسيليكون يتضمّن برنامجا يحلّل البكاء، لتحديد ما إذا كان الطفل جائعا أو متعبا أو يحتاج إلى الراحة أو يجب تغيير حفّاضه. 

ويتلقّى الآباء إشعارات بشأن ضوضاء أطفالهم من خلال تطبيق مصاحب، والّذي يعرض أيضا تحديثات حول مستوى راحة أطفالهم، بدقّة تصل إلى 95% وفق المصنّعين.

الجهاز مُبرمج أيضا ليعزف تلقائيا صوت تهويدة وضوضاء محاكاة للرّحم، حاصلة على براءة اختراع أثناء تشغيل ضوء المساعدة على النوم المصمّم بعناية عندما يكتشف أنّ الطفل “متعب”.

يقول هيكاريتساي، الرئيس التنفيذي لشركة “كوانتوم ميوزك”، الشركة التي تصنع الجهاز: “يواجه الآباء -وخاصّة الجدد- صعوبة في التوفيق بين المتطلّبات المهنية والحياة الأسرية. اخترعنا الجهاز لمساعدتهم في فهم أطفالهم”.

وعلى الرغم من تدريب الذكاء الاصطناعي على الاستجابة لبكاء الأطفال، فإنّ له القدرة أيضا على التعاطي مع الأصوات الفريدة لنتائجَ أكثر دقّة.

ومع ذلك، تشير الشركة المصنّعة إلى أنّ هناك أوقاتا لا يتوافق فيها بكاء الطفل مع إحدى الحالات التي اكتشفها الذكاء الاصطناعي، والتي تركّز على التعب والجوع واتّساخ الحفّاضات.

وتعمل الميزات الأخرى داخل نظام البرمجة، على مراقبة رطوبة الغرفة ودرجة الحرارة الداخلية.

كما يمكن للوالدين أيضا الاحتفاظ بمؤشّر حفّاضات داخل التطبيق، وإدخال تردّد التبوّل لفهم بشكل أفضل متى يحتاج طفلهم إلى التغيير.

ويوصي باحثون من مركز ريكان لعلوم الدماغ في اليابان بأنّ الحيلة الأفضل لتهدئة رضيع يبكي، هي حمله بين ذراعيك لمدة خمس دقائق، ثم الجلوس معه من خمس إلى ثماني دقائق قبل وضعه في سريره.

ويوضّح كومي كورودا، مؤلّف الدراسة، في بيان نشرته صحيفة الدايلي مايل البريطانية: “نحن نستمع إلى نصائح الآخرين بشأن الأبوّة والأمومة دون اختبار الأساليب بعلم صارم. لكننا نحتاج إلى العلم لفهم سلوكيات الطفل، لأنّها أكثر تعقيدا وتنوّعا ممّا كنّا نظن.”

عُرض جهاز كيوبير في معرض الإلكترونيات الاستهلاكية في لاس فيغاس بالولايات المتّحدة الأمريكية، الذي يضمّ أحدث المنتجات والتقنيات في صناعة الإلكترونيات الاستهلاكية، غير أنّه لم يتمّ طرحه للبيع بعد.

في حين أنّه من غير المعروف كيف تعمل التكنولوجيا. تمّ تصميم الجهاز من قبل الأطباء والممرّضات والعلماء، الذين ساعدوا في فكّ شفرة البكاء وابتكار نظام يساعد الآباء على فهم أطفالهم بشكل أفضل. ويمكن تركيب جهاز كيوبير على سطح طاولة أو يُعلَّق على الحائط أو على حامل سرير الأطفال.

محاولات سابقة

قبل اختراع جهاز كيوبير كانت هناك بعض التطبيقات على الهواتف المحمولة، تحاول ترجمة بكاء الّرضيع.

ومن بين هذه التطبيقات، يزعم مطوّرو تطبيقة “مترجم بكاء الرّضيع” Baby Cries Translator، من مستشفى جامعة تايوان، أنّها تقوم بتحليل التردّدات في بكاء الطفل، بحثا عن تذبذبات سمعيّة بسيطة، ثم يقارن النمط المسجّل بقاعدة بيانات لتحديد السبب المحتمل لانغماس الرّضيع في البكاء.

ويطلب البرنامج أيضا تقييم الوالدين، ومن ثمّ يتعلّم تخمين ما يريده الطفل على نحو أفضل ويقيس مدى كفاءة أدائه.

ويزعم مصمّمو التّطبيقة أنّها تعمل على تحديد سبب بكاء الأطفال حديثي الولادة بدقّة بنسبة تقدّر بـ92%، وهي نسبة نجاح مرتفعة تبدأ في الانخفاض مع نمو الطفل، وفق تعبيرهم.

وهناك شركة إسبانية تقدّم منتجا مشابها يحمل اسم “مترجم البكاء” Cry Translator يعمل من خلال تطبيقة على الهواتف الذكية.

دلالات أعمق لبكاء الرضيع

في تقرير نشره موقع “ساينتفيك أمريكان” يشير الأمريكي باري ليستر -باحث وطبيب نفسي بجامعة براون الأمريكية- إلى أنّ: “بكاء الأطفال الرُضّع بمنزلة نافذة إلى أدمغتهم”.

وقد بدأ ليستر بحثه عن الرسائل المُخفية في صراخ الأطفال في سبعينات القرن العشرين. وأكّد أنّه في ذلك الوقت كانت الأدوات أقل تطوّرا بكثير من الأداة التي ساعد على تطويرها عام 2013.

وكان يتعيّن على الباحثين آنذاك العمل بالاعتماد على مخطّطات طيْف بسيطة، وهي عبارة عن تمثيل بياني لِطيْف تردُّدات الأصوات، ثم يحلّل التقنيون الرسوم البيانية، وهي مهمّة كانوا ينفّذونها يدويّا تماما تقريبا.

غير أنّ الباحثين -وحتّى باستخدام تلك الوسائل المحدودة- توصّلوا إلى العديد من الاكتشافات المهمّة. ففي الستينات، استنتج الباحثون أنّ اضطرابات شاذّة محدّدة في تحليل التردّدات كانت تشير إلى وجود أضرار دماغية لدى الأطفال الرُضَّع.



وكانت أصوات بكاء أولئك الرُضّع عالية الطبقة بشدّة وقصيرة للغاية وتعكس نغمة مزدوجة. بالإضافة إلى ذلك، كانت تظهر لدى الأطفال استجابة متأخّرة بعد التعرُّض لمثيرات الألم.
 
وبعد مرور أعوام، توصّل فريق بقيادة خبيرة رعاية الأطفال كاتارينا مايكلسون من جامعة هلسنكي، إلى علاقة أخرى مماثلة لدى الأطفال الرضع؛ إذ إنّ الأصوات الحادّة المرتفعة المقترنة بتردّد أساسي غير منتظم تشير إلى احتمال أكبر للتعرُّض لخطر الموت بالاختناق.
 
واستمرّت مايكلسون في أبحاثها وكشفت عن العديد من الأعراض الأخرى المرتبطة بالتغيّرات في أصوات البكاء والصراخ، من بينها التهاب أو استسقاء الدماغ وداء كراب، وهو خلل جيني يؤدّي إلى أضرار عصبية تقدميّة، وفي بعض الأحيان يثير نوبات من الصراخ لدى الأطفال المصابين به.