ثقافة

جمال الغيطاني… كاتب مصري جمع بين الأصالة العميقة والحداثة الواعية

تمرّ اليوم الذكرى الـ77 لميلاد أحد أبرز كتاب الرواية العربية الأديب المصري الراحل جمال الغيطانى، الذي ولد في التاسع من ماي/ أيار عام 1945، وهو من رواد التجارب الروائية الأكثر نضجا في العالم العربي، إذ لعب تأثّره بصديقه وأستاذه الكاتب نجيب محفوظ دورا أساسيا في بلوغه هذه المرحلة مع اطلاعه الموسوعي على الأدب القديم…

 وساهم في إحياء الكثير من النصوص العربية المنسية وإعادة اكتشاف الأدب العربي القديم بنظرة معاصرة جادة.

مجدّد الرواية العربية

جمال أحمد الغيطاني الذي توّفي في 18 أكتوبر/ تشرين الأول في العام 2015 عن عمر ناهز الـ70 عاما، هو روائي وصحافي مصري ورئيس تحرير صحيفة “أخبار الأدب” المصرية.

وُصف بأنه “صاحب مشروع روائي فريد استلهم فيه التراث المصري ليخلق عالما روائيا عجيبا يعدّ اليوم من أكثر التجارب الروائية نضجا”. كما وُصف بأنه “قامة أدبية كبيرة وأحد رواد الرواية والسرد في مصر والعالم العربي”، و”أحد أبرز الأصوات الروائية العربية في نصف القرن الأخير”.

انفتحت تجربته الفنية في السنوات الأخيرة على العمل التلفزيوني مع المحافظة على ملامح رواياته ذاتها، إذ كشف النقاب عن عالم آخر يعيش بيننا من المعمار والناس.

ويعتبر الغيطاني من أكثر الكتاب العرب شهرة على شبكة الإنترنت، فأغلب رواياته ومجموعاته القصصية متوفرة في نسخات رقمية يسهل تبادلها، وهي التي أضافت بعدا جديدا لهذا الكاتب الذي جمع بين الأصالة العميقة والحداثة الواعية.

أهم رواياته

ترك الكاتب الراحل العديد من الإسهامات في عالم الأدب والتراث العربي، وكان له عدد من الروايات الرائعة من بينها: رواية “الزينى بركات”، إحدى أهم الروايات البارزة في الروايات العربية، التي صدرت عام 1974، وجسّدت تجربة معاناة القهر البوليسي في مصر، فكانت تدور حول شخصية “الزيني” الذي كان يعمل كبيرا للبصاصين، أي رئيسا للمخبرين، في عهد السلطان الغوري أوائل القرن العاشر للهجرة، وهي فترة كان الشعب يعاني فيها من سطوة السلطان وصراع الأمراء واحتكار التجار وعيون المُخبرين، فكانت الرواية نموذجا من نماذج القهر والاستبداد اللذين تعرّض لهما المصريون في هذه الفترة.

وترجمت رواية “الزيني بركات” إلى الألمانية والفرنسية عام 1985 بعد أن حقّقت صدى طيبا في وسط الدوريات الثقافية في العالم، كما تحوّلت الرواية إلى مسلسل مصري تاريخي من إخراج يحيى العلمي وبطولة أحمد بدير ونبيل الحلفاوي. 

كما تعدّ رواية “وقائع حارة الزعفراني” إحدى أهم أعمال الغيطاني، والتي تشعر القارئ بأنه أمام كاتب عربي من الزمان الغابر. فتبدو كأنها قصة حقيقية صادفها القارئ وقابل شخصياتها يوما ما في حياته أو يعرف أحدهم، فالرواية شبيهة بحواري نجيب محفوظ الروائية، وقد ترجمت إلى الألمانية عام 2009.

أما رواية “الزويل” فتأخذ تفاصيلها القارئ إلى الكثير من المفاجآت الصادمة، فيُدرك فجأة أن لا شيء مقصود لذاته ولا شيء مقصود لشيء بعينه، وعليه أن يفكّ تلك الطلاسم بنفسه.

و”الزويل” رواية غريبة عن زمن سحري تدور حول قبيلة “الزويل” التي تعيش بين مصر والسودان وتخطّط لحكم العالم.

وتعتبر رواية “رسالة البصائر في المصائر” واحدة من أخصب المحاولات الأدبية التي قام بها الغيطاني والتي أصدرها عام 1988، فهي رواية عميقة تظل من أبرز الأعمال الأدبية في الثمانينيات، والتي أبرزت التحوّلات الكبرى في المجتمع المصري نتيجة الانفتاح الاقتصادي المشوّه، وتعبّر بصدق عمّا جرى للمصريين الذين حاربوا والذين خرجوا من الوطن وتغربوا في أكثر من عاصمة عربية بحثا عن الحياة الكريمة. وقد ترجمت الرواية إلى الألمانية عام 2001.

أما رواية “حكايات الخبيئة” فتناقش التناقضات الموجودة في أعماق النفس البشرية، ليفشي الغيطاني سّر الخبيئة ويكشف عن التناقضات التي تتصارع في أعماق البطالة، حيث يتشابك الواقع والوهم، وتتداخل الرؤى لدرجة انعدام الرؤية عند البعض. وبموهبة كبيرة ينفذ الغيطاني إلى أعماق شخصياته كي ينبش عمّا هو متجذّر في أعماق الذات، كما يُعيد الأشياء والشخصيات إلى أحجامها الحقيقية حتى ترى ما يجب أن تراه فحسب… شخصيات فجة وعادية تتحرّك بدوافع من الشهوة والطمع ولا تترافع عن الأهواء والغايات.

ورواية “هاتف المغيب” إحدى روايات الفانتازيا للراحل جمال الغيطاني، وقد ألّفها بعد الغزو العراقي لدولة الكويت، وانتقد فيها بعض الأوضاع السياسية بأسلوب قصصي وغير مباشر، وتتناول قصة شاب مصري يسمع هاتفا غريبا يضطره إلى الهجرة نحو مغيب الشمس في رحلة تملؤها العجائب والحكم وأخبار الطيور والفوضويين وغيرها. 

وبالمثل تعدّ رواية “شطح المدينة” نموذجا للفانتازيا الراقية التي تمتزج فيها القضايا العملية الواقعية بالبعد الأسطوري والرمزي من خلال صراع في عوالم مدينة تقوده مجموعة من البشر غير المرئيين في إحدى المراكز العلمية (جامعة)، والذين يسيِّرون الجماد والعباد بطرق لا يتخيّلها العقل.

فالرواية عمل سياسي من الدرجة الأولى، على عكس ما يبدو من أول وهلة، فهي تقع على الخط الفاصل بين الواقع و الخيال، إذ هي خيالية لدرجة الحقيقة، وحقيقية لدرجة الخيال.