عالم

“جرد الحسابات” يُميط اللّثام عن حقيقة مقتل ستيفاني

سمية المرزوقي

بعد منتصف الليل ببضع دقائق، تلقّت شرطة أحد الأحياء الراقية بفيلاديلفيا مكالمة هاتفية من رجل ثلاثيني اسمه كريغ رابينوفيتش، للتبليغ عن عثوره على زوجته ستيفاني غارقة في حوض الاستحمام المنزلي.

وبمجرّد وصول رجال الشرطة، وجدوا كريغ بصدد محاولة إنعاش زوجته بإخراج رأسها وحملها خارج الحوض.

لكن بعد أخذها إلى المستشفى على جناح السرعة ورغم كلّ المحاولات، فشل الأطباء في إنقاذها. انهار كريغ عند إعلامه بوفاة زوجته، وبدا عليه الحزن الشديد.

في تلك الأثناء توجّه شارلز كريغ، أحد المحقّقين، إلى الأطباء للبحث عن سبب الوفاة، لكن لا أحد منهم يملك إجابة عن سؤاله.

ولم يقدّموا له سوى تفسير واحد، وهو أنّه لا وجود لأيّ علامات ظاهرة للوفاة لأيّ سبب من الأسباب منذ الوهلة الأولى، وأشاروا إلى أنّها ربما تكون نتيجة تعرّض الضحية لسكتة قلبية، أو حادث انزلاق في حوض الاستحمام.

عند استجواب كريغ، أكّد أنّه كان برفقة زوجته ستيفاني منذ بداية المساء يتناولان العشاء في مطعم تايلاندي ثم عند عودتهما إلى البيت ذهبت إلى الاستحمام، في حين ظلّ هو يتابع مباراة هوكي على التلفزيون.

قال كريغ للمحقّقين: “أثناء متابعتي المباراة سمعت صوت ارتطام، لكنّي رجّحت أن تكون قارورة الشامبو قد وقعت، فارتأيت أن أظلّ بمكاني إلى أن مرّ الوقت وزوجتي لم تخرج بعدُ من غرفة الحمام. فقرّرت التثبّت من أنّ كل شيء على ما يرام. لكنّي هلعت لرؤيتها تحت الماء دون حراك”.

لم تجد الشرطة ما يدين كريغ أو يثير الشّبهات حوله، لأنّه كان طبيعيا وغير مضطرب أو قلق، علاوة على أنّ البيت لا يحمل أيّ علامات على اقتحام أو كسر لقفل الباب أو آثار دماء أو شجار.

الوجه الثاني لحياة لكريغ

يبدو الأمريكيان كريغ وستيفاني رابينوفيتش زوجين مثاليين لكلّ من يعرفهما من الأهل والجيران والأصدقاء. ولا وجود لأي منغصّات أو مشاكل في حياتهما، التي يتشاركانها مع ابنتهما الصغيرة داخل منزل فخم بحي راق بفيلادلفيا.

لكن هذه الصورة المثالية تخفي حياة ثانية يعيشها كريغ في الخفاء دون علم زوجته نفسها. ففي الوقت الذي تعتقد فيه ستيفاني وكلّ العائلة، أنّه يقضي معظم وقته في عقد الصفقات المربحة لصالح شركته المتخصّصة في بيع القفازات الطبية، يدمن كريغ ارتياد الملاهي الليلية وإغداق الهدايا على عدد من بائعات الهوى.

فخلال التحقيقات، تلقّت الشرطة مكالمة هاتفية من مجهول ينصحهم بالتوجّه إلى ملهى ليلي، والبحث عن سجلّ زيارات كريغ هناك لفتاة تدعى شانون.

وبالفعل تمكّنت الشرطة من التحقّق من إنفاق كريغ آلاف الدولارات كلّ أسبوع على فتاة الهوى شانون.

عند استجوابها، أكّدت شانون تعوّد كريغ الحضور لمشاهدتها وتلقيها العديد من الهدايا الثمينة منه، لكنّها أصرّت في الوقت ذاته أنّه لا وجود لعلاقة غرامية بينهما وأنّه مجرّد زبون مثله مثل البقية.

لم ينكر كريغ ارتياده الملهى، وقال إنّه يذهب إلى هناك للعمل أيضا ولعقد صفقات لشركته، وهو أمر معتاد في المنطقة. لكن إثبات ارتباط كريغ بعلاقة شخصية أو بعلاقة عمل مع شانون، لا يقدّم تفسيرا لوفاة زوجته ستيفاني.

فواتير وديون

توصّل رجال الشرطة إلى ما يفيد إنفاق كريغ مبلغ 100 ألف دولار على الملهى الليلي الذي يرتاده، فقرّروا تفتيش منزله للبحث عن تفسير لامتلاكه هذا القدر الهائل من الأموال.

عثر أحد المحقّقين على حقيبة مخبّأة في رفّ بالسقف، تحتوي على فواتير لمجوهرات ثمينة، وفواتير خلاص لإقامة ببعض الفنادق الراقية، وهدايا باسم شانون راينهارت، وورقة كُتبت عليها مجموعة من التواريخ والأرقام لمبالغ مالية ضخمة.

وبدا كأنّ الورقة تحتوي على لائحة ديون ومواعيد تسليمها. ولفكّ لغز حزمة الفواتير الخاصّة بشركة كريغ، استعانت الشرطة بفريق من خبراء الحسابات للتدقيق فيها.

اكتشف المحاسبون أنّ شركة توزيع القفازات الطبية التي يمتلكها كريغ لم تشتر يوما أيّ منتوج، وكل الأموال التي تحتويه حساباتها هي في الحقيقة أموال المستثمرين الذين ينتظرون الأرباح، والتي وصلت إلى دين ضخم يبلغ 800 ألف دولار.

اكتشف الخبراء وجود مجموعة من الأرقام صنّفها كريغ على أنّها أرباح وكان مجموعها 1.4 مليون دولار، وهو ما يتطابق مع مبلغ بوليصة تأمين زوجته، ومجموعة ثانية مصنّفة على أنها خسائر ضمّت ديونا للمستثمرين، وَضع إلى جانبها مبالغ بسيطة بمثابة دفعات تطمين لهم.

وما أثار دهشة المحقّقين أنّ ورقة الحسابات ضمّت موعدا نهائيا لخلاص الديون ينتهي في أواخر شهر أفريل/نيسان، تاريخ مقتل ستيفاني، وهو ما بدا دافعا قويا لارتكاب الجريمة والانتفاع ببوليصة التأمين لسداد الديون.

التشريح يفكّ لغز الوفاة

بعد اكتشاف دافع الجريمة، صار من الضروري العثور على الأداة أو أيّ دليل على الطريقة المعتمدة في القتل.

شعر طبيب التشريح بضرورة ملحّة لإجراء تشريح شامل ودقيق، بعد اعتراف كريغ بميل زوجته إلى تعاطي بعض المهدّئات لتقليل حدّة الضغط والإجهاد اللّذين تتعرّض لهما جراء مزاولتها مهنة المحاماة.

وبعد التدقيق والتمحّص، أثبت الطبيب أنّ معدة الضحية كانت تحتوي على كمية مهدّئات أكبر من المسموح به، وهو ما أدّى إلى تنويمها قبل قتلها. كما كشف البحث عن اضطرار كريغ إلى خنقها، لأنّه تفاجأ باستفاقتها عندما وضعها في حوض الاستحمام وهي فاقدة للوعي.

بعد التأكّد من ضلوعه في مقتل زوجته، حُوكم كريغ بالسجن مدى الحياة دون الحقّ في التمتعّ بسراح مشروط.