عالم

جدل في فرنسا بسبب المئوية الثانية لوفاة نابليون بونابرت

مع إحياء الذكرى المئوية الثانية لوفاة نابليون بونابرت، يحتد الجدل في فرنسا بشأن هذه الشخصية التي لطالما اعتقد البعض أنه لا ينبغي الاحتفال بتاريخها المثير للجدل. وتحيي فرنسا الأربعاء 5 مايو ذكرى وفاته بتنظيم فعاليات وحورات في التاريخ وإقامة المعارض الفنية في أنحاء كثيرة من البلاد.

لُقب بونابرت  بـ “الصقر” ذا الاستراتيجية اللامعة، كان محاربا ماكرا، تقول بعض الروايات إنه “كان يكره النساء مارس الاستعباد بعكس قيم الثورة الفرنسية”.

رغم هذا الجدل في أوساط المثقفين والمؤرخين إلا أن الذاكرة الجماعية للفرنسيين تبقى مرتبطة بتاريخ هذا الرجل الذي ترك بصمته.

احتلال فرنسي يسميه الفرنسيون “حملة”

الحملة الاستعمارية التي قادها بونابرت، يعتبرها المؤرخون والمثقفون المصريون مشروعا استعماريا اعتمد أسلوب الغزو العسكري واحتلال مصر بالقوة وانتزاعها من الدولة العثمانية. الحملة الفرنسية على  مصر شملت ولايات الشام التي كانت تتبع الامبراطورية العثمانية وامتدت من عام 1798إلى 1801 ميلادي. التوسع الفرنسي كان مشروعا قديما من المشروعات التي عرضت على الحكومات الملكية السابقة في أوقات مختلفة وبأشكال متنوعة.

 قامت بها الجيوش الفرنسية بقيادة نابليون بونابرت، بغرض جعل مصر قاعدة استراتيجية تكون نواة للإمبراطورية الفرنسية في الشرق، وبعد فشل أهدافهم وإنهزامهم أمام الجيوش الإنجليزية بعد تحطيم أسطولهم في معركة أبو قير البحرية، رحلوا عن مصر عام 1801 بعد قضاء حوالي 3 سنوات.

إلا أن احتلال مصر كان رغبة قوية لدى فرنسا، وبقي أملا لساستها وقادتها ينتظرون الفرصة السانحة لتحقيقها متى سنحت الفرصة،وفي سبيل ذلك يبعثون رجالهم إلى مصر على هيئة تجار أو سياح أو طلاب ودارسين ، ويسجلون دقائق حياتها في تقارير يرسلونها إلى قادتهم.

ولما بدأ الضعف يتسرب إلى الدولة العثمانية أخذت فرنسا تتطلع إلى المشرق العربي مرة أخرى، وكانت تقارير رجالهم تحرضهم بأن اللحظة المناسبة قد حان أوانها ولا بد من انتهازها.

وصلت الحملة الفرنسية إلى الإسكندرية على متن أسطول يحمل جيوشا ومؤرخين وعلماء، ونجحت في احتلال المدينة في 2 يوليو 1798م بعد مقاومة من جانب أهلها وحاكمها السيد محمد كريم دامت ساعات، وراح نابليون يذيع منشورا على أهالي مصر تحدث فيه عن سبب قدومه لغزو بلادهم وهو تخليص مصر من طغيان البكوات المماليك الذين يتسلطون في البلاد المصرية، وأكد في منشوره على احترامه للإسلام والمسلمين.

وفي مساء 3 يوليو  1798   زحفت الحملة إلى القاهرة، وسلكت طريقين أحدهما بري و الآخر بحري، ولم يكن طريقا سهلا على الجيوش، بل قابلهم أهالي البلاد بمقاومة شرسة، فوقعت أول موقعة بحرية بين مراكب المماليك والفرنسيين.

 دخل نابليون مدينة القاهرة محاطا قواته من كل جانب، عازما على توطيد احتلاله للبلاد بإظهار الود للمصريين وبإقامة علاقة صداقة مع الدولة العثمانية، وباحترام عقائد أهالي البلاد والمحافظة على تقاليدهم وعاداتهم؛ حتى يتمكن من إنشاء القاعدة العسكرية، وتحويل مصر إلى مستعمرة قوية يمكنه منها توجيه ضربات قوية إلى الإمبراطورية البريطانية.

ومن القاهرة أصدر أوامره بأن تدار أمور مصر عن طريق دواوين عربية تابعة لسيطرته. ومنع جنوده من السلب والنهب وحمى حقوق الملكية الموجودة لكنه استمر في تحصيل الضرائب التي فرضها المماليك على أهل البلاد لتمويل جيشه، وجلس مع الزعماء المحليين واعترف باحترامه للشعائر الإسلامية وإعجابه بالفن الإسلامي، وطلب مساعدة المسلمين له ليعم الرخاء والازدهار مصر، وعقد حينذاك اجتماعا مع علماء الحملة لوضع الخطط للقضاء على الطاعون وإدخال صناعات جديدة وتطوير نظم التعليم المصري وتحسين القوانين المعمول بها، وإنشاء خدمات بريدية ونظام مواصلات، وإصلاح الترع وضبط الري وربط النيل بالبحر الأحمر.

ويعترف بعض الكتّاب أن الحملة الفرنسية كانت  القنطرة التي عبرت عليها مصر من العصور الوسطى إلى العصر الحديث،

وكانت الحملة الفرنسية على مصر تحمل مطبعة وفنانين وعلماء ومؤرخين وغيرهم،  وأنها رحلة اكتشاف ومحاولة تطوير بجوار السبب الرئيسى وهو سلب ثروات الشعوب، والتحكم فى العالم من منطق القوة، وتأسيس إمبراطوريات، وكان نابليون هو أول من فكر فى حفر قناة تصل البحر الأبيض بالأحمر لكنه لم يستمر ليحقق فكرته، وهو أول من اهتم علميًا برسم خريطة لمصر فقام علماؤه برسم الخريطة وبتأليف موسوعة «وصف مصر» والتى تتكون من ٢٠ مجلدًا بها وصف واقعى للشعب المصرى والأرض والعادات والتقاليد.

ولأول مرة فى التاريخ تشبهت النساء المصريات بالفرنسيات بحرية الملبس ووضع برانيط على رؤوسهن،  وكذلك بعض الرجال الذين حاولوا تقليد الفرنسيين، ولقد تم كشف حجر رشيد ونقله إلى فرنسا وحل رموزه ولغته بواسطة العالم الفرنسى شامبليون الذى فك أسرار لغة الفراعنة، وفى نهاية حكمهم لمصر وانسحابهم جاء محمد على والذى أسس مصر الحديثة من خلال ملاحظاته الحضارية التى رصدها، فى الفارق الضخم بين المماليك والأتراك من ناحية وبين الفرنسيين من الناحية الأخرى، واختار أن يطور مصر على غرار فرنسا وليس على غرار الدول الشرقية.

لكن فى الوقت نفسه، وفي معادلة استعمارية صرفة، يربط البعض، بشكل لا ينفي تمجيد الاحتلال، بين انتشار الطباعة في مصر والحملة الفرنسية. ويعتبرون أن الحملة الفرنسية جاءت بالتنوير استفادت منه الدولة المصرية بعد ذلك على يد محمد على باشا، فقد كانت الحملة بمثابة “صدمة حضارية”.

 الشخصية الأكثر “جدلا” في التاريخ الفرنسي

يُعدّ نابليون بونابرت أحد أشهرِ الشخصيّات في التاريخ الأوروبيّ، كانَ عسكريّاً في الجيش الفرنسيّ، وزعيماً سياسيّاً معنيّاً بالشؤون الأوروبية منذ عام 1799م وحتى عام 1815م. يقال إنه من المساهمين في ظهور الحضارة الغربيّة الحديثة، و”تنوير الشعوب الأوروبيّة” التي كانت خاضعة للأنظمة الاستبداديّة والإقطاعيّة، إذ لعبَ  دوراً أساسيّاً في الفترة التي تبعت الثورة الفرنسيّة، وأُطلقَ عليه لقب الامبراطور نابليون الأوّل.

ولد نابليون في الخامس عشر من شهر أوت (آب) عام 1769م، في مدينة أجاكسيو في جزيرة كورسيكا، وكان نابليون الطفل الثاني من أصل 8 أطفال لعائلةٍ من طبقة النبلاء الكورسيكيّة، وبحالةٍ اقتصاديّةٍ متوسطةٍ، فقد كانَ والده كارلو بونابرت محامياً.

 تلقى نابليون تعليمه الابتدائيّ حتى سن التاسعة في مدرسة التعليم الابتدائيّ للأولاد في أجاكسيو، ثم التحقَ  بفرنسا درس بالمدرسة العسكريّة الملكيّة في باريس عام 1784م، واستطاع أن يتخرّج منها بنصف الوقت المخصص للدراسة فيها بعد أن تمكن من إثبات انضباطه أثناء دراسته العسكريّة.


التحقَ نابليون بخدمة لويس السادس عشر عام 1785م، وبعد تخرّجه استطاعَ أن يحصلَ على رتبة ملازمٍ في وحدة مدفعيّة في فالانس وكانَ عمره لم يتجاوز 16 سنة.
ارتقى إلى رتبة جنرال وهو في الرابعة والعشرين من عمره، ثم أصبح قائدا عاما للجيش داخل فرنسا وهو في السادسة والعشرين. كان صعود نابليون سريعا ومذهلا. كان المحرك الرئيسي في انقلاب 18 برومير من العام الثامن (9 نوفمبر/تشرين الثاني 1799)، وحاز السلطة بالاستيلاء على منصب القنصل الأول قبل أن يستحوذ عليها تماما بإعلان نفسه قنصلا “مدى الحياة”، ثم توج نفسه إمبراطورا عل الفرنسيين في الثاني من ديسمبر/كانون الأول 1804. وقمع فرنسا بعد ذلك وأسس دولة بوليسية.

خاضَ نابليون خلال فترة حكمه في فرنسا عدّة حروب، بدأت منذ عام 1800م، وانتهت في عام 1815م بعد أن هُزمَ في معركة واترلو التي تعدُّ آخر الحروب التي خاضها. تسببت الحروب التي خاضها نابليون بفقدان الدول الأوروبيّة استقرارها، شنّ حروباً ضد مختلف التحالفات من الدول الأوروبيّة، كالنمسا، وروسيا، والسويد، وبريطانيا العظمى.


مكّن النصر الذي حققه نابليون في أوروبا الشرقيّة من تجنيد أفراد موالين له في مناصب السلطة في نابولي والسويد وهولندا وإيطاليا ووستفاليا وإسبانيا، لكنّ الميزانيّة الوطنيّة لفرنسا انهارت بعد عدّة هزائم أصابت الجيش الفرنسيّ، وبعدَ الحملة العسكريّة التي شنها نابليون على روسيا في الشتاء عام 1812م، وبسبب الضعف الذي أصاب فرنسا حدثت محاولة انقلاب على حكومة نابليون عندما كان في الحرب مع روسيا باءت بالفشل، حتى تمكنت القوّات البريطانيّة من اجتياح فرنسا، ممّا أدى لاستسلام نابليون يوم 30 من شهر آذار عام 1814م، ونفيه إلى جزيرة إلبا. 

استطاعَ نابليون الهرب من منفاه والعودة إلى باريس وحصل على دعم كبير حينذاك واستطاعَ استعادة عرشه، كما تمكن من إعادة تنظيم جيشه وحكومته، فقاد جيشه في معركة هزم فيها القوّات البروسيّة في بلجيكا، ولكنّه تعرّض للهزيمة في معركة واترلو، ممّا اضطره إلى التخلي عن لقبه وسلطاته، فطلب من الدول المنتصرة تعيين ابنه كإمبراطور ولكنّ طلبه رُفض، وتمّ نفيه إلى جزيرة سانت هيلينا؛ حيث كان معزولاً عن العالم الخارجي يمارس القراءة والكتابة، حتى أصيبَ بقرحة في المعدة أو بمرضِ السرطان عام 1817م، مات في منفاه يوم 5 من شهر أيّار عام 1821م، عن عمرٍ ناهز 51 عاماً.

ويتسائل الفرنسيون بمن وبماذا يحتفلون؟ وبعضهم يرى أنها مناسبة للمؤرخين لتقديم ثمار أكثر من خمسين عاما من البحث.