موجة من السخرية السوداء والانتقادات والتعبيرات والتساؤلات، اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي والمنصّات والمنابر الإعلامية في تونس، تفاعلا مع القائمات الاسمية الطويلة التي نُشرت بالعدد الأخير من الرائد الرسمي (الجريدة الرسمية المكلّفة بنشر القرارات والأوامر والقوانين)، بتهمة ارتكاب جرائم انتخابية من جانب الهيئة العليا المستقلّة للانتخابات بارتكاب جرائم انتخابية.
“قائمات اتّهام” ضمّت إعلاميين وسياسيين وصفحات فيسبوك وفنانين وأعضاء هيئات انتخابية، اكتظّت بها صفحات الرائد الرسمي في سابقة قانونية وإجرائية في تونس، منذ تنظيم أول انتخابات للمجلس الوطني التأسيسي في أكتوبر/تشرين الأول 2011.
أهم الأخبار الآن:
أما الاتّهامات فتراوحت بين القذف والسبّ، وخرق الصمت الانتخابي والتمويل الأجنبي والإشهار السياسي، ونسبة أمور غير صحيحة إلى موظّف عمومي، وإزعاج الغير عبر شبكات الاتّصالات العمومية.
تشهير غير قانوني
الإجراء الذي انتهجته هيئة فاروق بوعسكر، وصفه مدوّنون وإعلاميون بـ”غير القانوني”، كونه يشكّل تشهيرا بعشرات الأشخاص من مجالات مختلفة، فضلا عن أحزاب وهيئات ومؤسّسات إعلامية.
تصريحات ومواقف أخرى نزعت إلى إبراز التبعات القانونية لهذا الأمر، على غرار الصحفي نزار مقني الذي حذّر من خطورة، ما قد ينتج عن نشر هذه القائمات، مبيّنا أنّه كان يتوجّب على هيئة الانتخابات التريّث قبل النشر.
ووفق بعض الآراء التي علقت على الأمر، فإنّ القضاء وحده المخوّل بالفصل في إدانة المتّهمين والفصل بشأن الجرائم الانتخابية المنسوبة إليهم، فضلا عن كفالته الضمانات القانونية لحماية بياناتهم ومعطياتهم الشخصية، وهو ما دفع أحد المعلّقين على فيسبوك على التساؤل قائلا: “هل تحوّل الرائد الرسمي إلى لوحة لنشر الجداول اليومية للقضايا المعروضة على المحاكم؟”.
متى تنشر الإحالات القضائية في الرائد الرسمي؟
الصحفية منية العرفاوي كتبت بأسلوبها الخاص الذي يمزج بين الانتقاد والسخرية السوداء: “بوعسكر اشتكى الناس وبعد ذلك نشر أسماءهم في الرائد الرسمي، أوّلا منذ متى تنشر الإحالات على القضاء في الرائد الرسمي؟ وثانيا ما الغاية من نشر قائمة المحالين؟ إنهم والله يبشّرون بدين جديد”.
وتابعت العرفاوي: “إنّه زمن الهذيان المطلق، الرائد الرسمي أصبح كمثل سفينة نوح يجمعون فيه ذنوبنا ويرسلونا معه مباشرة إلى الجحيم”.
السخرية من وضع ساخر
السخرية واستحضار التشبيهات والإحالات الكوميدية والتعليقات الهزلية، كانت السمة الأبرز في تفاعل فئات متنوّعة من التونسيين وتعليقهم على الموضوع.
فوسط توالي عديد الإجراءات الغريبة وغير المسبوقة طوال الأشهر الأخيرة، والتي يصفها قطاع واسع من الشارع بـ”المهازل والطلعات الإخشيدية”، في إشارة ضمنية إلى الرئيس سعيّد وحكومته، أضحت السخرية والتعبيرات الهزلية، الأسلوب المفضّل للرأي العام للتعامل مع هذا الواقع “المضحك المبكي الذي لم نعد نستغرب منه شيئا”، وفق تعبير الصحفي معز الباي.
شخصية عبد الستار
عشرات التدوينات والمنشورات التي علّقت على المسألة، استحضرت شخصية “عبد الستار” المتقاعد من هيئة البريد، التي قدّمها الفنان التونسي الراحل الهادي العبيدي في المسلسل الشهير “الخطاب على الباب”.
“ستورة زوج بهيجة” كما يشتهر بين المشاهدين بمناكفاته مع الجيران ووعيده المتكرّر برفع دعاوى قضائية ضدّ كلّ سكان الحي، تحوّلت إلى لازمة طريفة متكرّرة على فيسبوك، لتجسّد مقارنة غير مباشرة بين هذه الشخصية الكوميدية بعباراتها الشهيرة “باللازمة ياما نشكي بيك”، أي ما معناه (أقسم بالله سأشتكيك إلى العدالة)، وبين هيئة الانتخابات التي جسّدت تهديدات “عبد الستار”، حتى أصبح “الرائد الرسمي برعاية ستورة زوج بهيجة”، على حدّ تعليق الناشطة نادية الشواشي.
المدوّن وجدي الجريدي لم يخرج منشوره عن سياق التهكّم، من خلال قوله إنّ “الرائد الرسمي تحوّل إلى ما يشبه صدى المحاكم”، مضيفا: “في المرة القادة قد نطالع به إعلانات النعي والوفيات”.
هيئة انتخابات أم رقابة على المصنّفات الفنية
ورود اسم الفنان معز التومي ضمن القائمة المنشورة بتهمة “الدعاية الانتخابية” خلال تقديمه عرضا مسرحيا، قوبل بموجة واسعة من التعليقات المتباينة، فبينما وصف البعض الأمر بأنّه “جزاء سنمار”، في إشارة إلى مواقف الفنان المذكور المؤيّدة لمسار 25 جولية/يوليو 2021، عبّر آخرون عن استهجانهم ورفضهم هذه “السابقة الخطيرة”، التي تمسّ حريّة التعبير والفن والثقافة، متسائلين “هل هذه هيئة انتخابات أم لجان يقظة ورقابة على المصنّفات الفنية والأعمال الإبداعية؟”.
السخرية والتهكّم اللّذان أحاطا بشر قائمات الاتّهام، قابلتهما أصوات أخرى اعتبرت أنّ مثل هذه السابقة تعكس تواصلا لـ”سياسة الترذيل” التي عمّت عديد المجالات، وكان آخرها المسار الانتخابي، قبل أن تبلغ للرائد الرسمي بصفتها الاعتبارية وتاريخها العريق، باعتبارها أول صحيفة تونسية صدرت منتصف القرن الـ19 قبل أن تتحوّل إلى النشرية الرسمية للبلاد التونسية.
أضف تعليقا