ثقافة

جامع علّولة جنوب تونس…العلم والدين والتاريخ في باطن الأرض

لطفي النايب

بين مرتفعات جبال دمّر، بالجنوب الشرقي التونسي، تقاوم منارة صخرية الزمن وتدفع عنها الأخطار منذ قرون، تدافع عن معلم ديني تاريخي يشهد على ثراء مدينة بني خداش التابعة لولاية مدنين.

هذا المعلم الديني هو جامع علّولة الحفري الذي بني تحت الأرض سنة 565 هجرية حسب الحفريات الفسيفسائية الموجودة به.

تاريخ منسي لمعلم ثمين

منذ أكثر من 900 عام، شُيّدت هذه الصومعة الصامدة المصنوعة من الحجارة والطين والتي شهدت عدة انهيارات في أجزاء منها بفعل الزمن.

بني الجامع فترة انتشار المذهب الإباضي في الجنوب التونسي وفي بعض المدن الجزائرية أيضا، ما بين القرنين الثالث والتاسع للهجرة.

اختيار إخفاء الجامع تحت الأرض يعود إلى اعتبارات أمنية لسببين: الأول: تخفيًا عن الأخطار التي تلاحق الأهالي لإبقاء المسجد آمناً، أما السبب الثاني فيرجح أن يكون المعمار التقليدي والبناء فوق الأرض غير دارج في تلك الحقبة التاريخية.

لزائر الجامع: لا تستهزئ بتلك الصومعة المتهالكة،  فتحتها قصور ودهاليز وحفريات مبهرة، كما أن جامع علولة بالجنوب التونسي يسع أكثر من 600 مصل تقريباً ويتميز بأقواسه الحجرية التي تحمل نقوشًا وزخارف قديمة جدا، بعضها اختفى بمرور الزمن، من بينها رسومات لسفن وأوراق زيتون وغيرها.

في الجامع أنفاق مظلمة ودهاليز مخيفة كانت توظّف لأغراض أخرى أبرزها تخزين المؤونة والمبيت والاحتماء عند الخطر.

منارة دين ومعرفة

إضافة إلى كونه مكانا مخصصا للصلاة والعبادة، فضلاً عن وظائفه الأمنية والاجتماعية، كان جامع علّولة مدرسة قرآنية تلقن فيها علوم الدين والدليل على ذلك وجود حجرات تدريس وأخرى لمبيت طلاّب العلم.

لطلبة العلم نفق جبلي تحت الأرض، يؤدي إلى الجامع، يسلكونه كلما حان موعد الدرس. هناك حفظوا القرآن والعلوم الشرعية والفقه وتخرّج منهم علماء مشهود لهم على غرار أبو القاسم بن إبراهيم البرادي، العالم الإباضي المعروف بمؤلفه ”الجوهرة المنتقاة”.

يقول المؤرّخون وكبار مدينة بني خداش إن تقاليد تحفيظ القرآن التي أرساها جامع علّولة قد انتشرت في بقية الجوامع التي بُنيت بعده في الجهة.

حفظ الجامع ضرورة عاجلة

تضم مدينة بني خداش الجبلية حوالي 159 معلمًا أثريا تاريخيًا، من بينها جامع علوّلة الذي اعترفت به الدولة منذ فترة قصيرة وتحديدا سنة 2004  حيث أدرج ضمن مواقع المعالم الدينية بالجهة.

وفي سنة 2019 أعادت المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة الإيسيسكو الاعتبار إلى الجامع التاريخي عبر إدراجه على القائمة النهائية للتراث الإسلامي، رغم عمليات التخريب والنبش التي طالته بهدف البحث عن الكنوز والتي أثرت على جماليته.

قيمة جامع علّولة التاريخية والدينية والثقافية تستدعي تدخّلاً عاجلاً من الدولة عبر المعهد الوطني للتراث لترميمه وحمايته من التخريب والبحث في تفاصيل المنقوشات والزخارف تحت أرضه، لمزيد فهم تاريخه والسعي إلى إدراجه ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو قبل أن تنهار صومعته ويدفن تاريخ بأكمله تحت أنقاضه.