اقتصاد تونس

تُنقذ المؤسسات لا البلاد.. سياسة حمائية دون رفع الإنتاج

أشرفت رئيسة الحكومة نجلاء بودن رمضان بقصر الحكومة بالقصبة، اليوم الخميس 25 ماي، على جلسة عمل وزارية خصّصت لمتابعة تنفيذ الإجراءات الحكومية الهادفة إلى ترشيد الواردات والتحكم في عجز الميزان التجاري.

معتقلو 25 جويلية

وتناول المجلس -وفق ما أشارت إليه الصفحة الرسمية لرئاسة الحكومة في فيسبوك- سبل دعم تنافسية المنتوج الوطني وضرورة تشجيع الشركات الأجنبية على الاستثمار بالبلاد التونسية.

وكان رئيس الجمهورية قيس سعيّد أكّد في 26 سبتمبر الماضي، “ضرورة الضغط على توريد المواد الكمالية للحد من اختلال الميزان التجاري مع عدد من البلدان، التي تضر بالمالية العمومية ولا تنتفع بها إلا الجهات المصدرة”.

وبات الوضع الاقتصادي في تونس حرجا في ظل استمرار ندرة السلع والمواد التموينية بسبب الصعوبات المالية التي تعيشها البلاد وتعثر الحكومة في تحصيل حزمة إنقاذ من صندوق النقد الدولي بقيمة 1.9 مليار دولار.

ويقول خبراء اقتصاد إن تضخم فاتورة استيراد الطاقة والغذاء، أدخل البلاد في دوامة من الاختلال المالي وذلك في ظل تراجع رافعات الإنتاج القادرة على تحقيق إيرادات يمكنها تغطية العجز التجاري.

سياسة حمائية

تهدف السياسة الحمائية التي تسعى إلى تركيزها حكومة نجلاء بودن إلى حماية الإنتاج الوطني من المنافسة الأجنبية، وتحقيق نوع من التوازن في المالية بالحفاظ على احتياطي النقد الأجنبي الذي بدأ يتآكل.

وتستند هذه السياسة إلى مجموعة من الأدوات التي تحد من الاستيراد وتُعيق تدفق السلع الأجنبية إلى الأسواق الداخلية، منها:

-الترفيع في المعاليم الديوانية (الرسوم الجمركية) وهي ضرائب تفرضها الدول على السلع المستوردة من الخارج أو المصدرة، وتُدفع أثناء عبور هذه السلع الحدود، ودخولها التراب الجمركي الخاضع للضريبة أو خروجها منه.

-فرض حصص الاستيراد: وتمثل تقييدا مباشرا لكمية السلع التي يمكن استيرادها سنويا، إذ تحدد الحكومة الكمية المسموح باستيرادها من كل سلعة، وتمنح رخصا للشركات المحلية من أجل توريد هذه السلع في حدود الكميات المضبوطة.

-مكافحة الإغراق: بيع السلعة بسعر أقل من تكلفة إنتاجها، أو بيعها بأقل من سعرها في البلد المصدر، وهذه الآلية لا يمكن اعتمادها في تونس نظرا إلى ضعف الإنتاج، كما أنّها مدانة من قبل الدول الموقعة على اتفاقيات التجارة.

وفي المجمل، فإنّ السياسة الحمائية تهدف إلى وضع حد  للإفراط في التوريد واقتصاره على مواد لا يمكن إنتاجها محليا، علاوة على مكافحة التهريب وتوسع الاقتصاد الموازي على حساب السوق المنظمة.

محدودية الإجراء

عمليا، اعتمدت تونس في فترات سابقة سياسة حمائية وأقرت حزمة من القرارات لترشيد التوريد منذ بداية تفاقم العجز التجاري، من بينها؛ مراجعة التعاليم الديوانية الموظفة على المنتجات الاستهلاكية والكمالية والمنتجات التي لها مثيل مصنوع محليا، لكن هذه الإجراءات لم تضع حدا لنزيف العملة الصعبة.

وتراجع صافي احتياطي العملة الصعبة، عند 93 يوما من الواردات أي ما يعادل 21.6 مليار دينار، إلى حدود 16 ماي، مقابل 123 يوما من الاستيراد (23.5 مليار دينار)، في 16 ماي 2022، وفق بيانات نشرها البنك المركزي التونسي.

ويقول اقتصاديون إنّ نتائج هذه السياسة تبقى محدودة بالنظر إلى حجم الأزمة المالية التي تعيشها البلاد، فقيمة واردات المنتجات الاستهلاكية محدودة في العجز التجاري المسجل في تونس.

ويرى الخبراء أنّ الإشكال الحقيقي الذي يجب معالجته في الوقت الراهن يكمن في العجز الطاقي وتراجع صرف الدينار التونسي وتقلص الاستثمارات، فالسياسة الحمائية يمكنها حماية بعض المؤسسات ذات القدرة التنافسية المنخفضة وغير القادرة على الصمود وقت الأزمات، لكن لا يمكنها إنقاذ البلاد من أزمتها المركبة.

ومن هذا الجانب، يؤكد المراقبون للوضع الاقتصادي، أنّ تونس أهدرت إيرادات الثروات الطبيعية كالفسفاط والمناجم وتبحث عن تقليص التوريد رغم أهميته، مشيرين إلى أنّه من الأولى إصلاح الاقتصاد بطريقة كلية عبر هيكلة المؤسسات الوطنية التي باتت عبئا على موازنة الدولة، والاعتناء بالفلاحة باعتبارها رافعة تنموية قادرة على تحقيق قيمة مضافة، ووضع قوانين جالبة للاستثمار.

وفي السياق ذاته، يلفت مراقبون إلى أنّ السياسة الحمائية دون إرساء منوال تنموي حقيقي يقوم أساسا على رفع قيمة الإنتاج ومراعاة الوضع الراهن والتحديات المستقبلية، تؤكد فشل السلطة في إدارة الأزمة الاقتصادية واحتوائها، واستمرارها في اتخاذ أنصاف الحلول.  

وفي ظل استمرار تراجع العملة الصعبة وعدم حصول تونس على قرض من صندوق النقد الدولي حتى الآن بسبب رفض الرئيس قيس سعيد شروط الصندوق المرتبطة برفع الدعم الطاقي والغذائي وإصلاحات المؤسسات الوطنية والتحكم في كتلة الأجور، من المنتظر أن تواجه حكومة نجلاء بودن مصاعب في توريد بعض المواد الأساسية على غرار القمح (أزمة في التزود بالخبز).