عندما سئل الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي في جوان 2016، في حوار عن قراءته للخلاف الخليجي، وموقف تونس تجاهه، صرح الرجل انه “واثق من تمكن قادة دول الخليج الشقيقة من تجاوز الأزمة التي يمرون بها، والتي نتمنى أن تكون وقتية”.
الرئيس التونسي الراحل أصر حينذاك على أنه “مهما كانت المآخذ، فإن الأمر يتعلق بخلاف داخل الأمة العربية والإسلاميّة، ويمكن الوصول إلى حل لهذه الأزمة عبر الحوار”.
اليوم ومع بداية انقشاع غيوم الخلاف والقطيعة التي غلفت العلاقات بين الدول الخليجية طوال ما يزيد عن 3 سنوات، لا بد من وقفة تأمل في موقف تونس الدبلوماسي من الأزمة، واختيارها الوقوف على نفس المسافة من كل الأطراف.
برغم الانتقادات التي طالت السياسية الخارجية التونسية على مستوى كثير من المحاور والقضايا، إلا أن أسلوب التعاطي مع ملف الخلاف الخليجي، وعدم الانجراف خلف التأجيج ولا المشاركة في حصار قطر، حظي بإجماع داخلي قل نظيره، وإشادة خارجية وعربية.
لم تمارس الدبلوماسية الوطنية فلسفة “الوقوف على الربوة”، والنأي بالنفس التي اعتادت تكرارها تجاه القضايا التي ترتبط بمحيطها الإقليمي، بل حللت أبعاد الخلاف وتداعياته الممكنة انطلاقًا من المصلحة الوطنية، والتزامها ثانيًا تجاه وحدة الصف العربي.
قبل ثلاث سنوات، وفي تصريح لوكالة تونس إفريقيا للأنباء، وصف السفير الكويتي بتونس علي أحمد الظفيري، “الموقف التونسي من الأزمة الخليجية الحالية، بأنه درس في العلاقات الدبلوماسية القائمة على الحكمة التي تجمع ولا تفرق”.
الظفيري أشاد حينها بموقف الدبلوماسية التونسية تجاه مختلف أطراف الأزمة ، دون انحياز واعتمادًا على فلسفة الحياد الايجابي.
أشاد السفير الكويتي يومها بموقف وزارة الخارجية التونسية، والذي اعتبره “رائعا” في اعتماد سياسة متوازنة، تقوم على التمسك بالوحدة الخليجية كجزء من وحدة الصف العربي، ودعم كل جهود الوساطة لحل الخلاف، كما أثنى بشكل خاص على موقف الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي، “والذي عرف كيف يدير الأزمة بحكمة، واستطاع أن يتجاوزها بموقف إيجابي ومقبول من مختلف الأطراف”.
التوصيف الايجابي الذي حظي به الدور التونسي في سياق الأزمة الخليجية، أبعد من مجرد المجاملة والإطراء السياسي، كونه صدر عن دبلوماسي وخبير في شؤون العلاقات العربية، يدرك أهمية توخي الدقة في التصريحات وإبداء الآراء.
تقييم السفير الكويتي، يلتقي مع مواقف أخرى لبعض العواصم العربية، وخبراء سياسيين أثنت جميعها على التعاطي الدبلوماسي التونسي الرصين مع الخلاف الخليجي، وكان على رأسها شهادة وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني.
“الطرح التونسي مطابق لموقف الدوحة منذ اندلاع الأزمة، اعتمادًا على طرح أي مخاوف من جانب دول الحصار، والجلوس إلى مائدة الحوار بدلا من التراشق الإعلامي”، هكذا لخص الوزير القطري أبعاد السياسة التونسية، والتي دعمت كل مبادرات الحل وأسندت مقترحات الحوار، ربما من وراء الكواليس وبعيدًا عن صدارة المشهد.
لم تنجرف السياسية التونسية وراء إغراءات التكسب والاستثمار في المواقف، كما فعلت بعض الدول الأخرى، برغم الإغراءات السعودية والإماراتية في مناسبات كثيرة، والتي حاولت استقطاب تونس إلى المحور السعودي وخاصة على صعيد الموقف من قطر .
تفادت الخارجية التونسية بفضل هذه المقاربة، الانحياز لأحد الأطراف على حساب الآخرين، ونجحت في التعاطي مع مختلف العواصم الخليجية بنفس المنطق، والحفاظ على نفس المسافة منها.
تمسكت الدبلوماسية الوطنية باستقلالية قرارها، ورفضت محاولات الوصاية وتوجيه سياساتها، أو تحديد علاقاتها الخارجية من منظور السعودية وحلفائها، التزامًا بما تقتضيه المصالح الوطنية وثوابت السياسية الخارجية مع الأشقاء العرب.
“أن تستمع إلى مختلف وجهات النظر وتتخذ الموقف الذي تحافظ فيه على مصالح بلدك على المستويين الإقليمي والدولي جعل من موقف التونسي في هذا الصدد درسًا في العلاقات الدبلوماسية”، يضيف السفير الكويتي في تصريحه سنة 2017، مبينًا نجاح تونس في معادلتها التي جمعت فلسفة المصلحة الوطنية، ودعم خيار الحل بين الأشقاء الخليجيين.