“ألم أعدك بأنني سأخرجك من عالم التوحّد؟ الحمد لله اليوم ربحنا الحرب مع بعضنا في الفيراج”. بهذه الكلمات خاطبت أم تونسية ابنها ميدو بعد أن قالت إنه شُفي من مرض التوحّد بفضل مدرجات ملعب رادس وجماهير النادي الإفريقي حسب تعبيرها.
لطيفة العياري أم لبنت وولد تعمل عاملة نظافة في مدينة المرسى ضواحي العاصمة تونس. اكتشفت في السنوات الأخيرة أن ابنها ميدو مصاب بالتوحد ، لكنها قررت مواجهته خارج عيادات الأطباء واعتمدت مسارا علاجيا فريدا من نوعه.
لطيفة استغلت عشقها للنادي الإفريقي ودأبت على اصطحاب ميدو إلى ملعب رادس لحضور المباريات ليأخذ مكانا له بين الجماهير ويكتشف صخب التشجيع. شيئا فشيئا بدأ الطفل الصغير يتفاعل مع أجواء المدارج في ملعب رادس ويردد أهازيج أحباء الأحمر والأبيض حتى أضحى واحدًا منهم.
كتبت لطيفة على فيسبوك وقالت: “سنة 2018 عندما كان ميدو في حصة علاج نفسي سألته الطبيبة: هل لك إخوة فرد قائلا: ” نعم لي أخت وكثير من الإخوة لكنهم لا يعيشون معي في البيت وإنما في ملعب رادس”. كانت تلك الكلمات أول “بوادر شفاء” ميدو، حسب ما ذكرته أمه، مضيفة: ” نعم أنا لطيفة العياري عاملة النظافة التي ناضلت من أجل تربية أبنائها، ابنتي بطلة في التايكوندو وابني ميدو بطل انتصر على التوحّد بفضل الله وجمهور النادي الإفريقي”.
وعبرت لطيفة عن سعادتها “بشفاء ابنها” وقالت: “التوحّد من أصعب الاضطرابات النفسية، يتطلب الكثير من الجهد والصبر، شكرا لكم لأنكم اعتنيتم بابني .”وأردفت السيدة المتيمة بحب النادي الإفريقي: “أنا نجحت رغم ظروفي المتواضعة في ظل غياب الأب نجحت بفضل الله وبفضل حبي للإفريقي في إدماج ابني بين الجمهور، وهو متميز في دراسته ولا يحتاج الآن إلى مرافقة إلى المدرسة”.
ماذا يقول طب الأطفال؟
البرنامج العلاجي لوالدة ميدو دفعنا إلى بحث المسألة من الجانب العلمي، فاتصلنا بمختص في طب الأطفال رضا عيّاش، الذي أكّد أن أهم خطوة في اتجاه علاج مريض التوحّد هي وضعه في محيط يمكنه من التواصل مع الآخرين ويخرجه من عزلته.
وأوضح عيّاش في تصريح لبوابة تونس أنه بغض النظر عن درجة مرضه فإن حضور الطفل ميدو بين الجماهير بصفة دورية واندماجه في أجواء الملاعب غيّر سلوكه إلى الأفضل، وقال: “مشاهدة اللاعبين أمامه مباشرة قد يكون عاملا مؤثرا في نفسية الطفل”.
ويعتبر رضا عيّاش وجود الأم إلى جانب ابنها في الملعب أمرا محببا يُشعره بالطمأنينة رغم الأجواء الصاخبة المحيطة به.وأضاف طبيب الأطفال التونسي أن مرض التوحّد مجال واسع وما يزال تحت الدراسة العلمية في العالم، مشيرا إلى أن جهل أسبابه الحقيقية وغياب علاج دقيق يدفع كثيرين إلى البحث عن حلول بديلة بمبادرات فردية، على غرار ما فعلت السيدة لطيفة العياري.
الملعب ليس إطارا صحيا للعلاج
في المقابل، كان رأي علم النفس مغايرا لطب الأطفال، إذ تعتبر المختصة في علم النفس هاجر النايل أن ملعب كرة القدم ليس إطارا صحيا للعلاج نظرا لوجود عنف لفظي وإمكانية مشاهدة عنف مادي وهو ما قد يؤثر سلبا على الوضع النفسي للطفل.
وأضافت أن التعايش مع المجموعة أمر محمود، لكن الطفل ميدو في حاجة إلى الاندماج والتواصل مع أطفال في إطار معين لا مع جماهير من مختلف الشرائح العمرية.
وقالت الطبيبة التونسية إنه لا لوم على الأم عندما ارتجلت واعتمدت هذه الطريقة، لكنها غير سليمة بشكل كبير لأن سبب تحسن سلوك ابنها كان بسبب إحساسه بالانتماء إلى المجموعة، وهو جمهور النادي الإفريقي، وفق قولها.
ودعت هاجر النايل الأم لطيفة العياري إلى توفير أنشطة لابنها تعوضه عن الأجواء في الملعب حتى ينمو ويتعايش في محيط يلائم عمره وطبيعة مرضه.
كما انتقدت المختصة في علم النفس عدم اهتمام الدولة بمرضى التوحد وعدم توفير فضاءات مختصة للاعتناء بهم.وتعتبر هاجر النايل أن مرض التوحد قد يصبح اختصاصا طبيا مستقلا عن علم النفس لأنه مجال واسع.