ثقافة

تونس تُحيي أربعينية عبداللطيف بن عمار بعرض أفلامه

تُحيي تونس، على امتداد يوميْ السبت 18 والأحد 19 مارس، أربعينية المخرج التونسي الراحل عبداللطيف بن عمار، بعرض مجموعة من أبرز أفلامه بقاعة الطاهر شريعة بمدينة الثقافة الشاذلي القليبي بالعاصمة تونس، وذاك وفق البرنامج التالي:

السبت 18 مارس: انطلاقا من الساعة الثانية بعد الزوال بالتوقيت المحلي، سيتمّ عرض فيلم “حكاية بسيطة كهذه” (إنتاج 1970)، وهو أول فيلم تونسي شارك في مهرجان كان السينمائي.

وفيه يتتبّع عبداللطيف بن عمار في 97 دقيقة، المخرج التلفزيوني “شمس الدين” الذي قرّر تصوير تقرير محوره العمال التونسيون في أوروبا.

ويصوّر بن عمار الصعوبات التي يُواجهها المخرج في فيلمه الوثائقي، والعقبات التي تعترض الشخصيات.

الأحد 19 مارس: انطلاقا من الساعة الثانية بعد الزوال، يتمّ عرض فيلم “سجنان” (1973)، وفيه يطرح الراحل في 110 دق إشكالية التوفيق بين فشل الحياة العاطفية للشاب “كمال” وبين الوعي السياسي الذي يُمارسه من خلال الكفاح النقابي.

يليه في تمام الساعة الرابعة والنصف ظهرا عرض فيلم “نغم الناعورة” (2002)، والفيلم الذي تدوم مدة عرضه 107 دق، ينطلق من طرح فكري عميق حول الهوية بين البطلين اللّذين ينتميان إلى جيلين مختلفين: الأول ويمثّله شاب في أواخر العقد الثاني اسمه “محمد”، والثاني يمثّله “علي” العائد من الولايات المتحدة الأمريكية، وهو كهل في العقد الخامس من عمره.

فارس السينما التونسية

ترجّل عبداللطيف بن عمر في السادس من فيفري الماضي عن عمر ناهز الـ80 عاما. وولد بن عمار في الـ25 من أفريل 1943، بتونس، وقدّم مجموعة من الأعمال السينمائية المرجعية، مثل “النخيل الجريح” وهو الفيلم الخامس من جملة أفلامه الروائية الطويلة التي أخرجها.

ويُعدّ الراحل أول تونسي يُشارك في مهرجان كان بفيلم “حكاية بسيطة كهذه” (1970)، وفاز ثلاث مرات في مهرجان أيام قرطاج السينمائية بجوائز التانيت البرونزي عن الفيلم السالف ذكره، والفضي سنة 1974 عن فيلم “سجنان” (اُختير ضمن أفضل مائة فيلم عربي)، والذهبي عن فيلم “عزيزة” عام 1980.

وإلى جانب ما سبق، أنتج الراحل عددا من الأفلام المهمّة في مسيرة السينما التونسية وأخرجها، منها: “نغم الناعورة” 2005، “النخيل الجريح” 2010، كما أخرج مجموعة من الأفلام القصيرة مثل “جامع القيروان” و”الصادقية”، وقدّم إلى التلفزيون التونسي رباعية “خطى فوق السحاب”.

كما أنتج الأفلام الأولى لمخرجين تونسيين عندما كان شريكا مع لطفي العيوني في مؤسّسة “لطيف للإنتاج”، منها: “رقية” للفيتوري بلهيبة و”الهائمون” للناصر خمير.

ظلّ بن عمّار يحلم بإنجاز فيلم عن العدوان الفرنسي على ساقية سيدي يوسف سنة 1958 ضمن إنتاج مشترك تونسي جزائري، لكن “ماكينة البيروقراطية” الصّدئة حالت دون ذلك.

عبداللطيف مناضلا ثقافيا

عنه يقول وزير الثقافة الأسبق رؤوف الباسطي: “لا يتّسع المجال في هذه المقدّمة الوجيزة لاستعراض كل مراحل مسيرة عبداللطيف بن عمار الثريّة والزاخرة بالفعل والإنجاز، والتي ستعرض بإسهاب في العديد من المداخلات، لذا سأكتفي هنا بالقول إنّ عبداللطيف كان مبدعا مثقّفا ومناضلا ثقافيا مسكونا بحب هذه الأرض وبهاجس التوق المتجدّد إلى الأفضل والأروع”.

ويُضيف: “فبعد نجاح شريطه الطويل الأول نجاحا غير مسبوق، حيث كان “حكاية في غاية البساطة” أول عمل تونسي يُنتقى للمشاركة في المسابقة الرسمية لمهرجان كان الدولي سنة سبعين وتسعمائة وألف، ظل سعيه دؤوبا إلى مزيد تطوير طاقاته الإبداعية مستفيدا من تجارب احتكاكه بمخرجين كبار أمثال فرنكو زفرلي وروبرتو روسليني، وطامحا إلى تحقيق حلمه بالإسهام في إنشاء سينما وطنية تُعبّر بصدق عن مشاغل مجتمعنا وهمومه وتُحيي ذاكرتنا الجمعية”.

ويسترسل الباسطي: “ظلّت لغته السينمائية تنضج أكثر فأكثر من “رسائل من سجنان” إلى “عزيزة” الذي أحرز التانيت الذهبي في أيام قرطاج السينمائية، “فنغم الناعورة”، وصولا إلى “شارع النخيل الجريح” الذي ما كان عبداللطيف يُريده أن يكون الأخير، والذي بلغ فيه درجة من النضج الإبداعي جعلته يتطرّق بأسلوب سلس سهل مُمتنع متميّز رائع إلى ثلاثة أحداث حارقة، هي معركة الجلاء وحرب الجزائر مع الإرهاب وحرب الخليج في العراق، وذلك من خلال الغوص برفق جريء في أعماق تجربة إنسانية مأساوية لفتاة تجهد في البحث عن أخبار أبيها الذي استشهد قبل أن يراها وليدة”.

“ينبش عبداللطيف في أغوار ذاكرتنا الجماعية بشجاعة تجعلنا نقف على شظايا فواجع الماضي القريب ومآسي الحاضر الرهيب. وتشاء الأقدار أن يتزامن يوم توديع عبداللطيف إلى مثواه الأخير مع إحياء ذكرى العدوان الغاشم على ساقية سيدي يوسف، تلك الفاجعة الملحمة التي كان عبداللطيف يستعد لإنجاز عمل ضخم حولها بإنتاح مشترك تونسي جزائري. وقد حدّثني مرارا عن مشروعه هذا الذي استعاد به حماس شبابه وكان يُريده أن يكون تتويجا لقصة غرامه مع الذاكرة”، وفق شهادة الباسطي.

ويختم: “عبداللطيف لم يكتف بإخراج الأفلام الروائية الطويلة بل أبدع أيضا في إنجاز الوثائقيات، وكان يتعامل مع اللغة السينمائية والصور فيها كالصائغ الذي يتفنّن في انتقاء الأحجار الكريمة ويؤلّف بينها. كما خاض أيضا مجال الإنتاج وذاق ويلاته في تجربتيْ “لطيف للإنتاج” و”بان دورون”.

و”عبداللطيف من أول السينمائيين الذين أدركوا أنّ النهوض بإنتاج الصورة في وطننا يمرّ حتما عبر التعاون والتكامل بين قطاعيْ السينما والتلفزة، وكانت له إسهامات قيّمة وترك بصمات في مجال الإنتاج الدرامي ومجال الإكساء التلفزيوني، إلى جانب جهده الإبداعي والإنتاجي كانت لعبداللطيف مساهمات قيّمة في لجان التفكير التي تُعنى بتطوير القطاع السمعي والبصري، وتعاون مع السلط العمومية كلّما أتاحت له فرص القيام بعمل رأى فيه نفعا لهذا الوطن، ولم يتنكّر في تعاونه هذا لمبادئه بصفته مبدعا مستقلّا ينحاز في كل أعماله إلى الكادحين وللبناة الصادقين”، كما ما جاء في ورقة رؤوف الباسطي التي عنونها بـ”عبداللطيف مناضلا ثقافيا”.