تونس

تونس: تقشف حكومة بودن يخيف خبراء الاقتصاد


على عكس التطمينات الرسمية والتفاؤل المخيم على تقديرات الحكومة التونسية، تبدو ملامح المرحلة المقبلة في تونس دقيقة وصعبة على المستوى الاقتصادي، اعتمادا على الأرقام التي توضح فداحة مستويات العجز المتنامية في الموازنة العامة، وصعوبة تعبئة الموارد المالية لتغطيته من السوق المالية العالمية في ظل وضع اقتصادي دولي مضطرب على وقع الحرب الروسية الأوكرانية.   

متغيرات عقدت الوضع الاقتصادي المحلي، وعجلت لتنفيذ إجراءات تصفها حكومة نجلاء بودن بـ”الموجعة” والضرورية حسب رأيها، ضمن عملية الإصلاح الهيكلي وتخفيف نزيف العجز المتصاعد.

إصلاحات بقرار من صندوق النقد

وبعد قرارات المجلس الوزاري الأخير وما تمخض عنه من إجراءات تتعلق بوقف الانتداب في الوظيفة العمومية، إلى جانب الانطلاق في مشروع توجيه الدعم إلى مستحقيه، يرى المحللون أنها تمثل رسالة ضمنية إلى صندوق النقد الدولي، باعتبار أن هذه القرارات تشكل جزءا من حزمة الإصلاحات التي يطالب بها تونس.

وإثر مناقشة المجلس الوزاري منظومة الدعم الجديدة وقانون الإحالة على التقاعد المبكر، ضمن الخطة الحكومية لتخفيض كتلة الأجور وما رافقها من توصيات رئيسة الحكومة بعدم تعويض الشغورات بالوظيفة العمومية، يتوقع الخبراء والاقتصاديون أن تكون الأشهر القادمة شديدة الصعوبة على التونسيين اقتصاديا، نتيجة موجة جديدة من التقشف الرسمي المرفوقة بزيادات مستمرة في ظل رفع الدعم التدريجي عن المواد الأساسية.

بوابة تونس استطلعت رأي الخبير رضا الشكندالي في أبرز معالم المرحلة المقبلة على الصعيد الاقتصادي، وتداعياتها المتوقعة السياسية والاجتماعية.

موازنة على حافة  المجهول  

يشير رضا الشكندالي إلى أن تقديرات كل الخبراء وحتى الرأي العام التونسي، تكاد تجمع على الوضع الصعب للاقتصاد التونسي، وما يرافقه من تقييمات سلبية ومتشائمة بشأن ملامح الفترة القادمة بناء على الأرقام والمؤشرات الحالية.

وأوضح الشكندالي أن الموازنة العامة للسنة الحالية تعاني من عجز إجمالي يقدر بحوالي 25 مليار دينار، وهي نسبة ضخمة تشكل حوالي 45 بالمائة من إجمالي حجم الموازنة العامة، مذكرا أن تعبئة الموارد اللازمة لسد هذا العجز يرتبط بشكل أساسي بمسار المحادثات مع البنك الدولي المفترض استئنافها في شهر مارس/أذار الماضي، بينما نحن الآن على عتبات شهر جوان/يونيو، ما يضع الواقع الاقتصادي العام على حافة المجهول، وسط توقعات بعدم التوصل إلى اتفاق قريب مع الصندوق”، وفق قوله.

شروط سياسية

ولفت محدثنا في السياق ذاته إلى أن تأمين الدعم أو المساعدات الاقتصادية سواء من الشركاء الأوروبيين أو واشنطن وحتى الجزائر بعد تصريح الرئيس تبون الأخير، صار مشروطا بالعودة إلى المسار الديمقراطي، ما يعني فعليا إغلاق كل المنافذ الدبلوماسية والسياسة الممكنة.

وأضاف رضا الشكندالي: “صندوق النقد الدولي تمسك بالحصول على ضمانات فعلية وتنفيذ حزمة الإصلاحات التي لم يقع الالتزام بها من جانب الحكومات السابقة، كما اشترط توافقا بشأنها من جانب القوى السياسية والاقتصادية والاجتماعية لاستئناف المحادثات مع الحكومة التونسية”.

إصلاح مبتور

ويأتي رفع الدعم على  رأس مطالب صندوق النقد، وهو ما قد يزيد من حدة وقع هذه الإجراءات على مختلف الطبقات الاجتماعية التونسية، خاصة بعد اعتماد سياسية التعديل الآلي للدعم على المحروقات.

ووصف الخبير رضا الشكندالي سياسة الإصلاح المنتهجة من قبل الحكومة بـ”المبتورة”، كونها ستزيد من معاناة المواطن في حين أنها لن تقدم له أية منافع على المستوى الملموس، وستتحول سياسة توجيه الدعم إلى مستحقيه إلى مجرد شعار شكلي، “في ظل كثرة الطبقات المعتمدة على الدعم في تونس بما ذلك الطبقة الوسطى التي تآكلت بشكل كبير”.

وأوضح الخبير الاقتصادي التونسي أن الخطة الجديدة القائمة على رصد ميزانية للتعويض المالي عن رفع الدعم، قد تكون نتيجتها عكسية مشيرا إلى أنه لا يستبعد أن تفوق الميزانية المخصصة للتعويض قيمة المبالغ المخصصة حاليا للدعم المباشر للمواد الأولية والمعيشية.