تونس

تونس تبدأ مرحلة الكفاح ضد “كوفيد طويل الأمد”

سمية المرزوقي

قرّرت تونس تركيز أوّل عيادة خارجية لعلاج حالات ما بعد الكوفيد في المستشفى العسكري الميداني بصفاقس، في محاولة لتطويق الفيروس في كلّ مراحله. وهي خطوة تتناغم مع مساعي العالم إلى وضع حدّ لاستنزاف الهيئات الصحية والموارد المخصّصة لها. فقد أثبت العلماء أنّ أغلب المتحوّرات، خاصّة متحوّر “دلتا”، تترك مخلّفات مزعجة ومؤلمة ومكلفة في كثير من الأحيان، حتى بعد مغادرتها أجسام المرضى. وقد تستمرّ هذه الأعراض داخلها شهورا وأحيانا سنوات. 

أكّد المدير الجهوي للصحّة، الدكتور حاتم الشريف، في تصريح لوكالة تونس إفريقيا للأنباء، أنّ العيادة الخارجية الجديدة لما بعد كوفيد-19، ستكون معزّزة بأطباء عامّين وأطباء اختصاص وأعوان شبه طبيين.

وأوضح الشريف أنّ العيادة الجديدة ستُعنى في مرحلة أولى بفحص مرضى كوفيد-19، الذين أقاموا بالمستشفى العسكري الميداني، والّذين ما زالوا يعانون من مخلّفات صحّية جرّاء إصابتهم بالفيروس.

لكنّ الاهتمام بحالات ما بعد الكوفيد ليس جديدا في تونس، وهو غير مرتبط بإرساء الوحدة الجديدة، لأنّ الكثير ممّن يعانون من الأعراض طويلة الأمد ظلّوا يتابعون تطوّر وضعهم الصحّي مع بعض الأطباء داخل عياداتهم الخاصة وداخل بعض المستشفيات، خاصّة قسم الأمراض الصدرية، وفق ما أفاد رئيس قسم الطب الاستعجالي بتونس، الدكتور سمير عبدالمؤمن، في حديثه لـ”بوابة تونس”.

ما هو كوفيد طويل الأمد؟

تُعرّف منظّمة الصحة العالمية كوفيد طويل الأمد بأنّه حالة ما بعد كوفيد-19، وهي تشمل مجموعة الأعراض الطويلة الأجل التي يعاني منها بعض الأفراد بعد إصابتهم بالفيروس.

يقول الدكتور عبدالمؤمن لبوابّة تونس: “يمكننا الحديث عن الكوفيد طويل الأمد عندما تستمرّ الأعراض إلى حوالي 6 أسابيع من بداية الإصابة بالعدوى”.

ورغم أنّ معظم الأشخاص الّذين يصابون بالكوفيد يتعافون بالكامل، فإنّ بعض الأشخاص يصابون بمجموعة متنوّعة من التأثيرات المتوسّطة والطويلة الأجل، مثل الإرهاق وضيق التنفّس والخلل في وظيفة الإدراك وبعض المتاعب النفسيّة.

كما يمكن أن تؤثّر حالة ما بعد الكوفيد في قدرة الشخص على القيام بأنشطة يوميّة، مثل العمل أو الشؤون المنزلية.

وأشار الدكتور عبدالمؤمن إلى ظاهرة لافتة، وهي الزيادة في حالات الزهايمر وتفاقمها في تونس مع ظهور أعراض محدّدة، مثل اضطرابات في الذاكرة والتركيز وبعض المتاعب في حاسة السمع لدى عدد من المتعافين من متحوّر “أوميكرون”. لكنّه لفت في الوقت نفسه إلى أنّه لا يمكن تأكيد ارتباط كلّ هذه الأعراض بالكوفيد، إلّا بعد صدور دراسات علمية تثبت -فعلا- هذا الرابط.

هذه الأعراض قد تستمرّ منذ إصابة هؤلاء بالمرض أوّل مرة أو تتطوّر بعد شفائهم. ويمكن أن تظهر وتختفي ثم تعاود الظهور بمرور الوقت.

المتعافون من أوميكرون أقلّ عرضة للأعراض

يشير تقرير بريطاني، نشرته المجلّة العلمية “ذو لانست” إلى أن متحوّر أوميكرون أقلّ تسبّبا في الأعراض طويلة الأمد المعروفة باسم “الكوفيد الطويل”.

وتفحّص فريق الباحثين من جامعة كينغز كولدج لندن، بيانات نحو 100 ألف شخص قاموا بتسجيل أعراض الكوفيد الخاصّة بهم على إحدى التطبيقات المخصّصة للغرض.

وكانت النتائج أنّ أكثر من 4% من المصابين خلال موجة أوميكرون قد سجّلوا أعراضا طويلة الأمد للكوفيد، مقارنة بـ10% من المصابين في موجة دلتا السابقة.

ولكن مع إصابة عدد أكبر بكثير خلال موجة أوميكرون، كان إجمالي عدد المصابين أعلى.

وقالت الباحثة الرئيسية للدراسة، الأخصائية البريطانية كلير ستيفز: “يبدو أن متغيّر أوميكرون أقلّ تسبّبا في الكوفيد الطويل من المتغيّرات السابقة. ولكن ما يزال واحد من كل 23 شخصا يصاب بالفيروس، يعاني من الأعراض لأكثر من أربعة أسابيع.

ويرجّح العلماء أنّ انخفاض خطورة المتحوّر أوميكرون يرجع إلى خصائصه الأساسيّة، وإلى مستويات عالية من المناعة لدى المواطنين بعد تلقّيهم اللّقاحات وتعرّضهم لإصابات سابقة.

وهو ما أكّده الدكتور عبدالمؤمن بقوله: “إنّ متغيّر أوميكرون يختلف عن بقية المتحوّرات كونه يتسبّب في عدوى أقلّ ضررا، وغالبا ما تقتصر على مجرى الهواء العلوي المتكوّن من الأنف والحنجرة والقصبة الهوائية، خلافا لما تسبّبه المتغيّرات السابقة من خطر على الرئتين وعملية التنفّس برمّتها”.

ورغم انخفاض حدّة أوميكرون، يشدّد رئيس قسم الاستعجالي على ضرورة الانتباه وعدم التراخي في اتّخاذ التدابير الوقائية وإكمال التلاقيح، لأنّ المتعافي من هذا المتحوّر يمكنه التقاط العدوى به عديد المرات في ظرف وجيز.

وتجدر الإشارة إلى أنّ تونس قد تجاوزت الموجة الخامسة لمتحوّر أوميكرون، مع انحسار ملحوظ لعدد الإصابات اليومية ونسبة التحاليل الإيجابية. فعلى سبيل المثال سجّلت البلاد 74 إصابة جديدة بفيروس كورونا المستجد يوم 29 أغسطس الماضي، مع نسبة تحاليل في حدود 5.73% من مجموع التحاليل. بينما قُدّرت نسبة التحاليل الإيجابية في الفترة الممتدّة بين يومي 18 و24 جويلية/يوليو الماضي بـ38.02%.

أعراض أخرى حتّى بعد عامين من التعافي

توصّلت دراسة أجرتها جامعة أكسفورد البريطانية، إلى أنّ تشخيص ضباب الدماغ والخرف والصّرع بعد عامين من الإصابة بفيروس كوفيد-19، أصبح أكثر شيوعا من التهابات الجهاز التنفّسي.

حلّلت هذه الدراسة -التي نشرت نتائجها بي بي سي- مخاطر 14 اضطرابا مختلفا في 1.25 مليون مريض بعد عامين من كوفيد، معظمهم في الولايات المتّحدة. ثمّ قارنتهم بمجموعة متطابقة من1.25 مليون شخص مصابين بعدوى تنفّسية مختلفة.

وتبيّن أنّ في المجموعة المصابة بالكوفيد، بعد عامين، كان هناك المزيد من الحالات الجديدة من:

الخرف والسّكتة الدماغية وضباب الدماغ عند البالغين الّذين تزيد أعمارهم عن 65 عاما، ضباب الدماغ عند البالغين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و64 عاما، والصّرع والاضطرابات الذهانية عند الأطفال.

ووجد الباحثون أنّ زيادة خطر الإصابة بالاكتئاب والقلق لدى البالغين، تستمرّ أقلّ من شهرين قبل العودة إلى المستويات الطبيعية.

وعلّق البروفيسور ديفيد مينون، من جامعة كامبريدج، على تفشّي تلك الاضطرابات بعد فترة طويلة من الكوفيد، بأنّ تأثير البقاء في المستشفى مع كوفيد “يساوي 20 عاما من الشيخوخة (بين 50 و70)”.