“مشهد انتخابي في ظل ساحة سياسية متغيرة”..الكاتب والمحلل السياسي مراد علالة يقدم قراءته للجدل المرتبط بإعلان قائمة المرشحين للاستحقاق الرئاسي
مثلما كان منتظرا، خلف إعلان هيئة الانتخابات عن قائمة المرشحين المقبولين للمشاركة في الاستحقاق الرئاسي، موجة واسعة من الحيرة والانتقادات من جانب المرشحين والمتابعين للمشهد السياسي.
تساؤلات يتداولها الشارع التونسي والأوساط الإعلامية، عن المعايير التي بموجبها أقرت الهيئة إسقاط ملفات 14 مرشحا على خلفية عدم استيفاء الشروط المتعلقة بالتزكيات الشعبية،إلى جانب شرط الجنسية بالنسبة إلى مترشح واحد، وفق ما أعلن عنه رئيس هيئة الانتخابات فاروق بوعسكر.
وعلى الرغم من تأكيد بوعسكر بأن رفض ملفات المرشحين الـ14 غير مرتبط بالحصول على البطاقة عدد 3، إلا أن هذا التصريح لم يحل دون تشكيك عديد المرشحين في قرارات الهيئة، والذين تحدثوا عن تعرضهم إلى “الإقصاء دون مبررات قانونية”، كما أعلنوا عن الطعن في قراراتها أمام القضاء الإداري.
بوابة تونس استطلعت قراءة الكاتب والمحلل السياسي مراد علالة بشأن هذا الجدل القانوني والسياسي المثار حول قرارات الهيئة وتداعياته المنتظرة على الاستحقاق الرئاسي.
تضييق دائرة المشاركة
يرى الكاتب الصحفي والمحلل السياسي مراد علالة، أن ملف الترشحات التي رفضتها الهيئة ما يزال مفتوحا على شتى الاحتمالات وعديد التطورات، خاصة مع توجه عديد المرشحين إلى القضاء الإداري لـ “إنصافهم”، وهو ما يشير إلى عدم اقتناعهم برواية هيئة الانتخابات والمبررات القانونية التي قدمتها.
وأوضح علالة في هذا السياق إلى تعويل المرشحين الذين سيلجأون للطعن في قرار هيئة الانتخابات أمام القضاء الإداري في وجود سوابق تاريخية، وقع خلالها إنصاف مرشحين في نفس الوضعية.
وفي قراءته لقرارات هيئة الانتخابات، اعتبر محدثنا أنها “ضيقت دائرة الترشح وربما اهتمت أكثر بالمسائل التقنية والتعقيدات، على حساب توسيع دائرة المشاركة”.
وذكر علالة أنه في البداية كان هناك ترحيب من الهيئة بقبول كل الترشحات، رغم “المعرفة المسبقة بأن الكثير منها ترشحات فلكلورية واستعراضية، والحال أن حوالي ثلث الترشحات تقريبا كان جديا، وللأسف مثل هذه الترشحات غير الجادة ميعت الاستحقاق، وأساءت إلى صورته”، وفق تعبيره.
وفي قراءته لقرارات الهيئة التي انتهت إلى رفض ملفات 14 مرشحا، والجدل المثار حوله، بين مراد علالة أن أداء الهيئة كان محل انتقادات عديدة من مختلف المتابعين، مبينا أن “الكرة في ملعب القضاء الإداري، كي يحدد إلى أي مدى كانت الهيئة نزيهة في تعاملها مع الترشحات واحترمت حق الترشح”.
وشدد علالة في هذا الإطار، على أن المسألة لا تتعلق بالحكم على هيئة الانتخابات، بالنظر إلى أن التحفظات والانتقادات الموجهة إليها معروفة، والتي تدور في فلك القول بأن “هذه الهيئة نصبها رئيس الجمهورية على المقاس”، كما أن طريقة عملها لم تكن محل إجماع داخل المشهد السياسي، لكن الفيصل سيكون القضاء الإداري، والذي سينظر في مطالب المرشحين الذين يعتبرون أنه وقع إقصائهم.
مخاوف من عزوف الناخبين
ويتفق مراد علالة مع الآراء القائلة، بأن إقصاء الهيئة لـ 14 مرشحا من بينهم منافسون محتملون لرئيس الجمهورية قيس سعيد وفق أغلب الملاحظين، فاقم من حجم السجال في الساحة السياسية، والانتقادات الموجهة إلى هيئة الانتخابات والمقاييس المعتمدة من جانبها من قبل المرشحين الذين جرى استبعادهم.
ويضيف حول هذه النقطة: المواعيد الانتخابية مناسبة لتوسيع دائرة المشاركة السياسية والتناظر والمنافسة بين المشاريع السياسية، ولكن عندما تجد نفسك بين 3 مرشحين فقط، فهذا سينعكس على نسق الحملة الانتخابية، وعلى المنافسة والبرامج، وخاصة نسبة المشاركة.
ويحذر مراد علالة من أنه في ظل هذه القائمة المضيقة من الترشحات، فإن السؤال يطرح حول حجم المشاركة المتوقعة، وهل يمكن الوصول إلى نسبة مئوية من الإقبال على الاقتراع، “تعكس الشرعية والمشروعية”، حسب قوله.
واستدرك: في نهاية المطاف، فإن المنتظر من الانتخابات هو تثبيت الشرعية والمشروعية للتعبير عن السيادة الشعبية، ولكن بانحسار عدد المترشحين، ومع حديث البعض عن تقدم الرئيس قيس سعيد، فإن هذا قد يؤثر على نسبة المشاركة حيث سيعتبر عدد كبير من الناخبين أن النتيجة محسومة مسبقا، وشهدنا هذا الأمر سابقا في الاستفتاء على الدستور وفي انتخابات مجلس نواب الشعب والانتخابات المحلية، ما يجعل التحدي الأخطر بالنسبة للاستحقاق الرئاسي، هو أن تكون نسبة المشاركة ضعيفة.
مشهد انتخابي في ساحة سياسية متغيرة
وعلى صعيد آخر، يلفت الكاتب الصحفي والمحلل السياسي التونسي إلى مسألة “إدارة الانتخابات بقانون انتخابي في ظل معطيات سياسية متغيرة”، وفق قوله، مضيفا:”نحن نتحدث عن ترشحات وتزكيات شعبية مع مرشحين لم يعد لهم ذلك الغطاء الحزبي والماكينات الحزبية التي كانت تسمح بسهولة بتجيمع التزكيات وضمان الحق في المشاركة وتسوية الملفات في وقت قياسي”.
وتابع: نحن حافظنا على التشريعات المختصة بالانتخابات الرئاسية والتي تعود إلى انتخابات 2014 و2019، والحال أن هناك متغيرات سياسية، والمشهد لم يعد نفسه، في ظل غياب الحضور الحزبي، وهذا أفرغ العملية السياسية من جدواها”.
وحسب مراد علالة، فإنه باستثناء المرشح زهير المغزاوي الأمين العام لحركة الشعب الذي تمكن من بصعوبة من توفير التزكيات، بقي فقط رئيس الجمهورية قيس سعيد الذي اعتمد على ماكينة التي اشتغلت في حملته الانتخابية سنة 2019، تحت مسمى الحملة التفسيرية، والتي أعادت اليوم تشكيل نفسها وجمعت التزكيات، وفي عدى ذلك، فإن المشهد السياسي تغير ولم يعد نفسه الذي شهدناه في المحطات الانتخابية الرئاسية السابقة، ومن “المفارقات أن ننجز انتخابات بمعايير قانونية في بيئة سياسية متغيرة”.
وإجابة على سؤال “بوابة تونس”، بشأن ملاحظات بعض المتابعين عن تأثير التقسيم الجديد للدوائر الانتخابية على عملية جمع التزكيات، اعتبر محدثنا أن هذه المسألة تتأتي للتدليل على أن الترتيب القانوني لم يكن منسجما مع الواقع السياسي.
واستطرد: ما حدث هو تفكيك للمشهد إلى دوائر متعددة، في الوقت الذي لا يوجد فيه أحزاب سياسية وماكينات حزبية قادرة على التعبئة وضمان تجميع التزكيات. وحول تقديراته بغمكاية دعوة عدد من قوى المعارضة إلى مقاطعة الانتخابات بناء على قرارات الهيئة، أشار مراد علالة، إلى أن كل الفرضيات واردة، مذكرا بأن انطلاق الحملات الانتخابية سيمثل اختبارا لمحرار الإقبال الشعبي المتوقع، من خلال تقييم مدى تساوي الحظوظ بين المرشحين الثلاثة في إقامة الحملات والتحركات، والقدرة على الوصول إلى العمق الشعبي.
وأضاف: تأثير الدعوات إلى المقاطعة نسبي، بالنظر إلى وجود حالة عزوف طبيعية لدى الشارع التونسي، شهدناها في المحطات السابقة، فالتونسي اليوم أولويته اقتصادية واجتماعية، أكثر منها سياسية، واقناعه بالمشاركة في الانتخابات ليس بالأمر الهين، وسواء كانت هناك دعوات للمقاطعة من عدمها فهناك مشكلة العزوف التي تدركها هيئة الانتخابات والتي تتفاقم من استحقاق إلى آخر، ومع امكانية أن تبقى قائمة المرشحين على حالها، وتكون الحملات الانتخابية باهتة أو غير متكافئة، فمن المرجح أن يكون حجم الاقبال ضعيفا خصوصا مع ضعف أداء الهيئة في علاقة بالحملة التحسيسية والتواصلية للتحفيز على المشاركة في الانتخابات.