تونس

تونسيات على خط الدفاع عن الحريات وتعزيز حقوق المرأة

الحديث عن يوم المرأة العالمي في تونس، يرتبط بشكل رئيسي بالنضالات النسائية التي طبعت بصمة عميقة في الحقل السياسي والحراك الحقوقي، لتجسيد المساواة الكاملة مع الرجل وبناء مناخ مدني وتشريعي يدعم مزيدا من الحريات لصالحها، ويكرس مشاركة واسعة لها في شتى المجالات، ويضمن مكافحة الاضطهاد والعنف والاستغلال وهي ظواهر ما تزال مستشرية في المجتمع التونسي.

طوال السنوات التي سبقت ثورة الحرية والكرامة في تونس وما تلاها لاحقا من مخاض سياسي وانتقالي، سجلت مدونة الشرف قائمة طويلة من التونسيات اللاتي خلدن إسهاماتهن دفاعا عن الحريات والديمقراطية وحقوق المرأة.

أيقونات نضالية تونسية تتقدمها كل من الراحلة مية الجريبي الأمينة العامة السابقة للحزب الجمهوري، والمحامية والناشطة الحقوقية راضية النصراوي، بإجماع كل المتابعين والمؤرخين للمشهد التونسي.

أيقونتان خالدتان

تجربة مية الجريبي وراضية النصراوي لا تختزل في المشاركة الريادية في الفضاء العام فحسب، بل تمثل استمرارا لمسار تاريخي طويل للحركة النسوية التونسية منذ تشكل ملامحها الأولى في عشرينات القرن الماضي، وصولا إلى المبادرات النسوية المعاصرة خلال السبعينات والتي نشطت في مواجهة احتكار الدولة لقضية المرأة والمقاربة السياسية والاجتماعية الضيقة المرتبطة بها.

في حديثها لبوابة تونس عن إسهامات هاتين الشخصيتين، تلفت الباحثة الأكاديمية والناشطة السياسية فتحية السعيدي إلى أن نضالات راضية النصراوي على الصعيد الحقوقي كان لها دور مباشر في إمضاء تونس على الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب سنة 1987، بفضل نشاطها الواسع في الدفاع عن المساجين السياسيين، وتصديها للانتهاكات والاعتداءات والممارسات المهينة التي كانوا عرضة لها داخل السجون والمعتقلات.

الأيقونة الحقوقية التونسية اختمرت تجربتها أواسط السبعينات عقب ما عرف بمحاكمات الحركات اليسارية، لتلعب على مدار أكثر من ثلاثة عقود دورا سياسيا حقوقيا مهما في الدفاع عن القضايا الإنسانية، رغم الحصار والتضييقات التي تعرضت لها من جانب النظام السابق، كما قدمت نموذجا فريدا في تمثيل السجناء والمعتقلين الإسلاميين رغم خلفيتها الفكرية اليسارية، وهو ما يعكس قناعتها وشخصيتها المؤمنة بحق الفرد في الحرية والكرامة والمعاملة التي تحترم إنسانيته بقطع النظر عن أفكاره وأيديولوجياته.

تجربة الراحلة مية الجريبي تعكس برأي الأستاذة فتحية السعيدي مسارا استثنائيا، من خلال موقعها كأول امرأة تونسية ترأس حزبا سياسيا “داخل مجتمع كان حتى سنوات قريبة لا يدعم وصول المرأة إلى المراكز القيادية، ومواقع اتخاذ القرار” حسب تعبيرها.

 قيادة مية الجريبي للحزب الجمهوري كللت مسارا طويلا من التضحيات دفاعا عن الحريات السياسية ومجابهة الديكتاتورية، ومناصرة لقضايا التحرر النسوي في تونس والوطن العربي.

وتضيف محدثتنا “كلا الشخصيتين لعبتا دورا فاعلا ومؤثرا في حراك المعارضة الوطنية زمن العهد السابق، وتعتبران وجهين سياسيين وحقوقيين يستأثران ببصمة مؤثرة في الذاكرة الوطنية، استمرت إسهاماتهما في المشهد السياسي بعد سنة 2011”.

معارك التناصف وتعزيز الحقوق

حضور التونسيات في خط الدفاع عن الحريات والديمقراطية استمر بعد سقوط الديكتاتورية، ليفسح الحراك السياسي والاجتماعي والمدني الواسع الذي عرفته البلاد عقب الثورة، المجال لجيل جديد من المناضلات النسويات.

أسماء نسائية خاضت معارك التناصف ودسترة الحقوق والحريات ومكافحة الاتجار بالنساء والعنف ضد المرأة، إلى جانب المشاركة الرائدة في الدراسات الجندرية على الصعيد الأكاديمي.

رئيسة تحرير موقع “إنسان” خديجة السويسي تحدثت لبوابة تونس عن أبرز المحطات النضالية النسوية عقب الثورة، والتي تبلورت أولى ملامحها في الوقفة النسائية أمام المجلس التأسيسي يوم انعقاده الأول، للتذكير بمطالبهن الدستورية، لتتعدد من بعدها التحركات دفاعا عن مبدإ المناصفة والمساواة في باب الحقوق والحريات في الدستور.

مكتسبات تشريعية  

القانون عدد 58 المتعلق بمناهضة العنف ضد المٍرأة والذي وقع إقراره سنة 2017، يعد بنظر خديجة السويسي أحد أهم منجزات الحركة النسوية في تونس، بفضل تجند مختلف أطيافها السياسية والمدنية والأكاديمية.

نضالات عززت مكانة المرأة ودعمت حقوقها المكتسبة بفضل ثلة من الشخصيات من بينها يسرى فراوس الرئيسة السابقة لجمعية النساء الديمقراطيات، وسلوى كنو رئيسة منظمة النساء التونسيات للبحث حول التنمية “الأفتريد”، والتي قدمت عديد البحوث والدراسات المهمة المتعلقة بالعنف ضد المرأة في الفضاء العام.

كما أشادت محدثتنا بجهود النائب عن كتلة حركة النهضة يمينة الزغلامي، والتي لعبت دورا كبيرا ومهما في معركة المصادقة على القانون عدد 58 داخل كواليس مجلس نواب الشعب.

المدونة والناشطة السياسية الراحلة لينا بن مهني كانت بدورها من الفاعلات في مسار الدفاع عن مطالب النساء التونسيات وتعزيز حقوقهن السياسية والاجتماعية، دون إغفال المقاربات العلمية التي قدمتها نخبة من الأكاديميات على غرار الأساتذة آمال القرامي في البحوث المرتبطة بقضايا المرأة ووضعها الاجتماعي.

وتشير خديجة السويسي إلى أن مبادرة الأستاذة القرامي بإحداث الماجستير الخاصة بالجندريات في جامعة منوبة، كان لها الفضل في دعم مسارات البحث في دراسات النوع الاجتماعي بالجامعات التونسية وتطويرها، إلى جانب كل من الباحثتين رجاء بن سلامة ودلندة الأرقش.