قائد لكتائب شهداء الأقصى.. أوجعت عملياته المحتل وأحرجه بالفرار من سجن جلبوع.. بطل “نفق الحرية” يعود شامخا إلى جنين
هو أحد أبطال عملية “نفق الحرية” الشهيرة، التي تحول منفذوها الستة من معتقلين في معتقل جلبوع شديد المراقبة إلى أساطير، بعد أن تمكنوا من خداع العدو وفضح وهن زنازينه، وعجزها عن لجم نداء الحرية الذي كان يتردد بين صدورهم وأرواحهم على مدار سنوات من الصبر والكتمان والحفر بأبسط الأدوات حتى وجدوا طريقهم إلى خارج القضبان.
مغامرة سريعة إلى الحرية
خرج زكريا الزبيدي من سجن جلبوع فجر السادس من سبتمبر 2021، لكن مغامرته إلى الحرية لم تدم سوى 3 أيام، قبل أن يعاد إيقافه من قبل شرطة الكيان، بسبب غياب التنسيق المسبق مع أي جهات من العائلات أو الفصائل، قبيل عملية الفرار، ما أدى إلى مواجهة الزبيدي صحبة رفاق المغامرة صعوبات في التحرك على الطرقات داخل الكيان المحتل في محاولة للوصول إلى جنين أو حدود الأردن.
انتهت مغامرة الأساطير وأبطال عملية نفق الحرية بعد أن تحولت إلى ملحمة جديدة توثق تمرد الفلسطينيين على قيود الاحتلال وأصفاده، لكن لحظة معانقتهم الحرية لن تطول بعدها، بعد الوعد الذي قطعته كتائب القسام على لسان المتحدث باسمها أبو عبيدة، بأنهم سيكونون على رأس قائمة أي عملية تبادل مقبلة مع الاحتلال.
لم يكذب رجال القسام وعدهم، وهم الذين كانوا يسابقون الزمن والإمكانيات ويرسمون الخطط ويضعون التقديرات، كي يطلقوا لاحقا أول رصاصة في طوفان هادر كان له أن يغير معادلة الصراع الفلسطيني مع الاحتلال.
صمدت غزة ومقاوموها وأبطالها بعد أن أذاقوا الاحتلال الويلات طوال 15 شهرا، وعضوا على النواجذ، بهدف الحفاظ على الغنيمة الأغلى في المعركة، أسرى العدو الذين شكلوا محور المعركة التفاوضية ومفتاح حرية مئات المعتقلين الفلسطينيين، بينهم عشرات من ذوي الأحكام الطويلة والمؤبدات.
العودة إلى جنين
جاءت أولى البشائر لمعتقلي نفق الحرية مع ورود أسمائهم ضمن قائمة المشمولين بعملية التبادل، ليشهد الشارع الفلسطيني في الضفة والقطاع خلال الدفعة الثالثة لعملية التبادل التي جرت الخميس، تحرير “تنين جنين”، كما يطلق على زكريا الزبيدي، المقاوم الشرس الذي دوخ الاحتلال، وبات مطاردا من أجهزته والشرطة الفلسطينية على حد سواء.
عاد الزبيدي مرفوع الرأس شامخا إلى دياره في جنين، قلعة أسود المقاومة، ومعقلها في الضفة، رغم ما واجهه خلال السنوات الثلاث الأخيرة من السجن من إجراءات انتقامية وتعذيب وسوء معاملة، من قبل سلطات الاحتلال، بعد فراره من معتقل جلبوع.
وكان نادي الأسير الفلسطيني قد كشف في تقرير سابق، عن معاناة الزبيدي من سياسة النقل الانتقامي من السجن كل 3 أشهر، فضلا عن تعرضه للتفتيش اليومي ونقص الملابس والطعام.
مسيرة قيادية ونضالية بالوراثة
يعرف الزبيدي بكونه أحد أبرز قادة كتائب شهداء الأقصى، الجناح العسكري لحركة فتح، وله تاريخ طويل في العمل النضالي والمسلح، حيث نفذ العديد من العمليات في الضفة الغربية ضد قوات الاحتلال، كما قاد الكتائب خلال الانتفاضة الفلسطينية الثانية التي اندلعت في سبتمبر 2000.
تعرض الزبيدي لعدة محاولات اغتيال فاشلة، كما واجه الاعتقال في عدة مناسبات.
طريق النضال والعمل العسكري يبدو قدرا وطنيا وعائليا توارثته أسرة زكريا الزبيدي منذ عام 1948، وهو ما يفسر تعرض بيت العائلة للهدم 3 مرات، وتكرار سجن كل أخوته، فضلا عن استشهاد شقيقيه وابنه، والذي لم يتمكن جميعا من تشييعهم بسبب اعتقاله وملاحقته من قبل الاحتلال.
تعود جذور الزبيدي المولود بمخيم جنين إلى حيفا بالداخل المحتل، والتي هجرتها عائلته قسرا عقب النكبة سنة 1948، وتلقى تعليمه الأساسي في مدارس وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونوروا”، ورغم انقطاعه عن الدراسة بسبب الملاحقات الأمنية والسجن، إلا أنه انتسب إلى جامعة بيرزيت سنة 2017، لنيل درجة الماجستير بقسم الدراسات العربية المعاصرة، حيث اختار موضوعا من وحي تجربته النضالية، حمل عنوان “الصياد والتنين: المطاردة في التجربة الفلسطينية من عام 1968 إلى 2018″.
ورغم اعتقاله سنة 2019 من قبل الاحتلال، إلا أنه تمكن من إنهاء أطروحته داخل المعتقل وتمت مناقشتها في جامعة بيرزيت سنة 2022.
رصاصة الانتفاضة التي صنعت “تنين جنين”
مسيرة زكريا مع العمل المقاوم انطلقت منذ سن الـ 13 إثر إصابته برصاصة في قدمه خلال الانتفاضة الأولى عام 1988، وبعدها بسنة اعتقل لمدة 6 أشهر قبل أن يعتقل مجددا سنة 1990، ويحكم عليه بالسجن 4 سنوات ونصف، بتهمة إلقاء عبوات حارقة على قوات الاحتلال.
وعام 1994 أطلق سراحه لينضم إلى الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية.
مع اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية في سبتمبر من عام 2000، قاد المجموعات المسلحة لكتائب شهداء الأقصى، وأصبح من أبرز القادة العسكريين في جنين، ونفذ العديد من العمليات ضد الاحتلال في الضفة الغربية.
نتيجة لنشاطه أصبح الزبيدي على رأس قائمة المطلوبين لقوات الاحتلال، وظل مطاردا سنوات عدة، إلى غاية 2007، عندما أعلن تسليم سلاحه والتوقف عن العمل المقاوم، بناء على قرار العفو العام الذي أصدره الرئيس محمود عباس.
رغم انخراطه في العمل الثقافي من خلال مؤسسة “مسرح الحجر” في جنين، والذي عمل من خلاله على تكريس الوعي الشعبي بالمقاومة، في سياقها الثقافي والفني، إلا أنه تعرض للمطاردة مجددا والإيقاف من قبل أجهزة السلطة في 2011 و2012، قبل أن تعتقله قوات الاحتلال في 2019 بتهمة القيام بأنشطة تحريضية.
حوكم الزبيدي في عديد القضايا، بما فيها بعض التهم القديمة التي تعود إلى فترة نشاطه المسلح على رأس كتائب شهداء الأقصى سنة 2003، وهو ما يؤكد النزعة الانتقامية لاعتقاله، وتصفية حساب قديم معه بعد أن دوخ العدو على مدار 3 عقود من العمل المقاوم، والعمليات العسكرية والتي أوجعت المحتل وثأرت للشهداء.