تحرَّك وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن أمس الاثنين، للتعامل مع الانتقادات المتزايدة داخل صفوف الوزارة بشأن سياسة إدارة الرئيس جو بايدن للحرب بين إسرائيل والفلسطينيين إذ دعا مئات من موظفي الحكومة بشكل علني وفي أحاديث خاصة إلى وقف إطلاق النار في غزة، حسب رويترز.
وقالت مصادر مطّلعة على الأمر إنّ ما لا يقلّ عن ثلاث برقيات تنتقد سياسة الإدارة أرسلت عبر “قناة المعارضة” الداخلية في الوزارة، والتي تأسّست خلال حرب فيتنام وتسمح للدبلوماسيين بإثارة المخاوف بشأن السياسة مع وزير الخارجية دون الكشف عن هوياتهم.
وتركز الانتقادات على دعم بايدن الراسخ لإسرائيل في أعقاب انطلاق طوفان الأقصى.
وشنت إسرائيل في أعقاب ذلك حملة عسكرية متواصلة على غزة تسبّبت في استشهاد أكثر من 11 ألف فلسطيني، وفق وزارة الصحة في القطاع ليشهد العالم الفصل الأكثر دموية منذ سنوات في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني المستمرّ منذ عقود.
ورفضت واشنطن دعوات من زعماء عرب وفلسطينيين وآخرين لمطالبة إسرائيل بوقف هجومها على قطاع غزة الذي تسيطر عليه حماس، لكنها دعت إلى فترات توقف مؤقتة للسماح بدخول المساعدات وإجلاء الأمريكيين والأجانب.
وفي رسالة عبر البريد الإلكتروني موجهة إلى موظفي وزارة الخارجية، أقر بلينكن، الذي عاد لتوّه من رحلة استغرقت تسعة أيام إلى الشرق الأوسط وآسيا، بالأثر العاطفي الذي أحدثه الصراع في العاملين وكذلك بالانقسامات المحتملة داخل القيادات حول السياسة.
وقال بلينكن في الرسالة التي حصلت رويترز عليها: “أعلم أنّ المعاناة التي سببتها هذه الأزمة بالنسبة إلى الكثيرين منكم لها أثر كبير في المستوى الشخصي”.
وأضاف: “المعاناة المصاحبة لرؤية صور يوميا للرضع والأطفال والمسنين والنساء وغيرهم من المدنيين الذين يعانون في هذه الأزمة، أمر مؤلم. وأنا شخصيا أشعر بذلك”.
وتابع: “أعلم أيضا أن بعض الأشخاص في الوزارة قد يختلفون مع الأساليب التي نتبعها أو لديهم وجهات نظر حول ما يمكننا القيام به بشكل أفضل. لقد نظمنا منتديات في واشنطن للاستماع إليكم، وشجعنا المديرين والفرق على إجراء مناقشات صريحة مع العاملين حول العالم على وجه التحديد حتى نتمكن من سماع تعليقاتكم وأفكاركم. لقد طلبت من قيادتنا العليا الاستمرار في القيام بذلك”.
وكان موقع “هافينغتون بوست” أوّل من أورد تقريرا عن هذا البريد الإلكتروني، حسب ما نقله موقع القدس العربي.
وتأتي رسالة بلينكن وسط احتجاجات في الولايات المتحدة ودول أخرى تطالب بوقف إطلاق النار، وقلق واسع النطاق بين المسؤولين بشأن تعامل الولايات المتحدة مع أزمة الشرق الأوسط. وأعلن أحد مسؤولي وزارة الخارجية استقالته وقال إنه يعارض استمرار تقديم مساعدات إلى إسرائيل تتسبب في سقوط قتلى.
وفي الأسبوع الماضي، نشر أكثر من 500 شخص عملوا في حملة بايدن الانتخابية عام 2020 رسالة اطلعت عليها رويترز تدعو الرئيس إلى دعم الوقف الفوري لإطلاق النار. ونظمت مجموعة من موظفي الكونغرس وقفة احتجاجية، الأربعاء الماضي، في مبنى الكابيتول للمطالبة بوقف إطلاق النار، حسب صور تداولتها وسائل التواصل الاجتماعي.
وبينما تشير بعض المصادر إلى وجود “إحباط عميق” بين العاملين في وزارة الخارجية، يقول عدد من المسؤولين إن ترحيب قيادة الوزارة بمجموعة متنوعة من الأصوات من غير المرجح أن يغير سياسة بايدن بشكل جذري.
وفي مؤتمر صحفي الاثنين، قال المتحدث باسم الوزارة ماثيو ميلر إنّ بلينكن التقى عددا من الأشخاص من مكاتب مختلفة داخل الوزارة للاستماع إلى آرائهم حول السياسة المتعلقة بالحرب بين إسرائيل والفلسطينيين.
وأضاف ميلر: “إنه يشجع الناس على تقديم تعليقات. ويشجع الناس على التحدث إذا اختلفوا. وهذا لا يعني أننا سنغير سياستنا بناء على ما يختلفون عليه”.
من جهتها، كشفت صحيفة لوفيغارو الفرنسية أنّ عددا من السفراء الفرنسيين في الشرق الأوسط وجهوا رسالة تعرب عن أسفهم لانحياز الرئيس إيمانويل ماكرون إلى إسرائيل.
وذكرت الصحيفة الفرنسية أنّ “مذكرة السفراء الفرنسيين المنتقدين لسياسة ماكرون تجاه حرب غزة تعدّ بمثابة تمرد دبلوماسي”.
واعتبر السفراء الفرنسيون انحياز ماكرون إلى إسرائيل يشكل قطيعة مع موقف باريس التاريخي المتوازن تجاه الإسرائيليين والفلسطينيين.
وأوضحت لوفيغارو أن “مذكرة السفراء الفرنسيين تعد خطوة غير مسبوقة في تاريخ فرنسا الدبلوماسي الحديث مع العالم العربي”.
وأشارت إلى أن نحو 10 سفراء فرنسيين في الشرق الأوسط وبعض بلدان المغرب الكبير وقعوا بشكل جماعي مذكرة يعربون فيها عن أسفهم لسقوط ماكرون في معسكر إسرائيل خلال الحرب الجارية بين الكيان وحماس، حسب ما جمعته الصحيفة من معلومات.
وأوضح دبلوماسي في باريس، اطلع على المذكرة، أنه جرى توجيهها إلى وزارة الخارجية لترفعها بدورها إلى قصر الإليزيه.
ويقول المصدر إن الوثيقة يمكن اعتبارها بمثابة تمرد دبلوماسي.