تمثال شكري بلعيد يتسبب في أزمة افتراضية

مرة أخرى تتحول منحوتة فنية إلى قضية خلافية بين التونسيين، بدل أن تشكل رمزيتها عاملا موحدا لهم.

تدشين تنصيبة للشهيد شكري بلعيد بمدينة صفاقس يوم الأحد 7 أوت/ أغسطس، ضمن مبادرة تكريمية لذكراه من قبل الاتحاد الجهوي للشغل وبحضور الأمين العام نور الدين الطبوبي، أطلق العنان لموجة من التدوينات على منصات التواصل الاجتماعي انتقدت في معظمها التمثال المنجز، باعتبار “أن ملامحه لا تشبه صورة الشهيد بلعيد”، وفق أغلب المنشورات.

تشويه وتشكيك

وبين مواقف غاضبة من “التشويه الذي تعرضت له صورة شكري بلعيد”، وآخرين دافعوا عن الرؤية الفنية للنحات سمير قويعة الذي قام بإنجاز العمل، بلغ الجدل على فيسبوك مستويات عالية من التشنج والتأزيم، وسط انقسامات واتهامات متبادلة مغمسة بالسخرية والتشكيك.

وكتب حمادي لبيض في هذا الخصوص: “الجهة التي أعطت الإذن لصنع التمثال وتكفلت بخلاصه يجب أن تتحمّل مسؤوليتها بإعادة نحته، فليس فيه أي شبه من شكري بالعيد”.

بدوره طالب عبد الجبار المدوري بتدارك الخلل في ملامح تمثال بلعيد قائلا: “شكرا لكل من فكر في إقامة تمثال للشهيد شكري بلعيد لكنه لا يشبهه، لذلك يجب تدارك الأمر وإصلاحه، وكان من المفروض تكليف فنانين مختصين وعرض التمثال للتثبت قبل وضعه”.

وعلى الضفة المقابلة حاول المدون نزار شقرون في منشور مطول شرح فكرة “الرؤية الفنية” والتي لا تفترض أن تكون اللوحة الفنية أو المنحوتة نسخة من الأصل.

وكتب شقرون: “حتما إنه ليس شكري بلعيد، بل هو مقاربة فنية لشخصية شكري بلعيد دون ريب، فالجدل الحاصل حول مدى مطابقة التمثال لشخصية الشهيد، يعيد إلينا جدلا قديما حول علاقة المرجع بالمنحوتة، ويؤكد من جديد أننا ما زلنا نبحث في الصورة بجميع تمثلاتها عن المشابهة التامة مع الواقع، ويعيدني هذا الجدل إلى ألكسندر دل جوكندو زوج الموناليزا حين رفض استلام بورتريه زوجته من ليوناردو دافنشي وظلت لوحة الموناليزا، مهجورة في مرسم الفنان لسنوات”.

ثقافة التماثيل

موجة الانتقادات الافتراضية لم تكتف بالتشكيك في الجهد المبذول في إعداد المنحوتة، بل ذهبت إلى اتهام الاتحاد العام التونسي للشغل بتبذير أموال طائلة على “ثقافة التماثيل”، كما وصفتها ريم بالخذيري، التي اتهمت قيادة الاتحاد بالشعبوية، مضيفة “كان الأولى المساعدة في كشف قتلة بلعيد بدل ثقافة التماثيل”. في حين رأى آخرون أن ملامحه أتت أقرب لملامح نور الدين الطبوبي.

بيت بلعيد وأولاد أحمد

النقاشات المثارة حول تمثال شكري بلعيد أعادت إلى الأذهان “أزمة” منحوتة الشاعر الراحل محمد الصغير أولاد حمد، والتي قوبلت بسخرية كبيرة واعتبرت كذلك مسيئة إلى ذكرى “شاعر البلد” وتقزيما لشخصيته.

وكتب الصحفي صالح السويسي: “عندما شاهدت تمثال بلعيد تذكرت مباشرة تمثال أولاد أحمد، وهو ما يدفعني للسؤال لماذا ينجزون أعمالا رديئة وغير متقنة ثم يتذرعون بأنها أعمال فنية وإبداعية، ونحن كمواطنين لا نستوعبها ولا يحق لنا بالتالي انتقادها”.

بدوره نشر سمير الحرباوي: “لقد فعلوها من قبل مع الشاعر محمد الصغير أولاد أحمد وصنعوا له تمثالا مهينا، ومع ذلك تتواصل الرداءة والاستخفاف بمشاعر الناس في تمثال شكري بلعيد”.

ثقافة الإفتاء وصناعة الرأي العام

وبعيدا عن التفاعلات الافتراضية، استطلعت بوابة تونس رأي الناشط النقابي والمكلف بالإعلام بالمندوبية الجهوية للثقافة بصفاقس خليل قطاطة بشأن الجدل الذي أثارته حول منحوتة الشهيد شكري بلعيد.

واعتبر خليل قطاطة أن العمل هو نتاج رؤية فنية ذاتية تسعى لتخليد ذكرى شخصية وطنية في قيمة الشهيد بلعيد، وبالتالي فإن تقييمها لا يقوم على قياس نسبة الشبه بالشخصية الأصلية، وذات الأمر ينطبق على تمثال الشاعر أولاد أحمد والذي أنجز وفق فكرة تقريبية خاصة بالفنان، وهو ليس مطالبا بإنجاز نسخة مطابقة للأصل.

قطاطة اعتبر أن ظاهرة الجدل “الفيسبوكي” الذي يتفجر في كل مناسبة أو حدث، يعكس “ثقافة الإفتاء” المتأصلة لدى عموم التونسيين، مضيفا: “مهما كانت القضية أو المسألة سواء ثقافية أو سياسية أو اقتصادية، فإن الجميع يدلون بدلوهم ويعبرون عن آرائهم، فيصبح الكل متخصصا في الفن التشكيلي والتكعيبي والتجريدي ويتحولون جميعهم إلى محللين فنيين أو سياسيين”.

ولفت خليل قطاطة إلى أن “السوشيال ميديا” لعبت دورا في تشكيل وصناعة الرأي العام والتأثير فيه، فيكفي أن تنشر تدوينة أو رأيا بشأن عرض فني أو ثقافي حتى يبدأ العشرات في تناقلها، ويتأثر بها الآلاف رغم أنهم لم يشاهدوا العمل على سبيل المثال.

وتسبب عملية توجيه الرأي العام عبر منصات التواصل في “اختلاق أزمات من لا شيء”، وفق محدثنا، بعضها قد يكون عفويا وغير مقصود ناتجا عن الجهل وحسن النية، فيما يبدو بعضها الآخر مدبرا ومتعمدا.

وتحدث خليل قطاطة عن المنحوتة والتي جاءت بمبادرة من الاتحاد الجهوي للشغل بصفاقس تكريما لذكرى بلعيد.

وعلق محدثنا على بعض التصريحات التي تساءلت عن نصب التمثال بمدينة صفاقس بدلا عن مسقط رأسه ببوسالم على سبيل المثال، معتبرا أن رمزية الشهيد وإرثه ملك لتونس بأسرها بعيدا عن المنطق الجهوي الضيق.

أضف تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *