ثقافة رأي

تلكّؤ في تزويده بالنور الكهربائي.. فيلسوف تونسي يغضب ويرسل “رسالة حرة” إلى رئيس الجمهورية

صابر بن عامر

تحت عنوان مدينة “التدقيق والتحقيق” ڨفصة، كتب “الكاتب الحر” -كما يوصّفه أصدقاؤه ومريدوه، وكما هو مخطوط في بطاقة تعريفه الوطنية في سابقة تونسية يتيمة- سليم دولة بتاريخ التاسع من فيفري 2023 (فجر الخميس بعمرة ڨفصة الشمالية)، رسالة “حرّة مفتوحة” إلى رئيس الجمهورية قيس سعيّد يشتكيه فيها تلكّأ “شركة الكهرباء والغاز” بمدينة ڨفصة من تزويده بالنور الكهربائي لما يزيد عن نصف عام.

حصل ذلك، ويحصل، رغم قيامه بجميع الإجراءات الإدارية المُلزمة مع دفع معاليم الأشغال والإنجاز كاملة من ماله الخاص، لكن النور لم يصله، الأمر الذي أصابه بـ”العطالة الحبرية”، وهو الذي ينام ويصحو إما على قراءة كتابة وإما على كتابة آخر جديد.. فكانت الرسالة التي تحصّلت بوابة تونس على نسخة منها، والتي جاء فيها ما يلي:

تحية تليق بما ترون أنّه يليق بقيمتكم ومقامكم، وبعد

الموضوع: التدقيق والتحقيق في شأن تجاوزات في شأني شخصيا من قبل “شركة الكهرباء والغاز” بمدينة ڨفصة.

“إنّ الشركة المذكورة -والتي كانت مفخرة الوطن لسنوات طوال قبل أن تستحيل إلى مسخرة حقيقية- ظلت تماطلني بتثبيت الكهرباء ببيتي الريفي بعمرة العامرة بأهلها وأسلاك الكهرباء المحيطة بي ما يزيد عن السنتين”، وفق ما جاء في مانيفستو سليم دولة، الموجوع في وطنه المُشتهى.

ويسترسل صاحب كتاب “ديلانو شقيق الورد”: “أي نعم.. إذ بعد أن قامت الشركة بدراسة التكاليف ودفعت لها مستحقاتها كاملة، 3800 دينار، ثمن تثبيت الكهرباء بـ5 عرصات/حرصات، وبعد 7 أشهر.. نعم 7 أشهر، حين قدم السيّد المقاول لتثبيت الكهرباء تبيّن له أنّ الأمر يتطلّب 7 عرصات عوضا عن 5 عرصات، وتوالت الدراسات في أزمنة متفرّقة.. وأنا عاطل عن الكتابة والقراءة”.

ويتساءل دولة: “فهل أنا المسؤول عن توظيف من تعوزهم الكفاءة المهنية –مثلا- في الشركة تلك؟”، مُسترسلا: “وإن هو الخطأ وارد وليس خطيئة، أما أن يتقادم عهده ذلك الخطأ يصبح جريمة حقيقية، وفي حقي شخصيا، إذ بجهلهم وتجاهلهم وإهمال واجباتهم، أضعت من حياتي الكتابية سنتين اثنتين، زائد القلق، والتوتّر النفسي، والعيش على الفوانيس الشمسية الصينية، والاستحمام بالماء البارد”.

ويسترسل الفيلسوف والشاعر التونسي، قائلا: “ما لا يليق بحر ذكره للحرائر والأحرار، وباختصار المطلوب، أولا، القيام بواجبكم الوطني في إصلاح ذلك المرفق الوطني الذي ترهّلت أوضاعه، قبل أن يضيع.. إذ إن أخبار بعض موظفيه متداولة على ألسنة العامة والعوام هنا.. وفي أكثر من مكان مع احترامي الشخصي للمخلصين والمخلصات لذواتهم والوطن”.

ويُضيف: “ثانيا، أن تكلّف الدولة التونسية محاميا للدفاع عمّا ألحقته “الشركة” من أضرار في شأني باعتباري كاتبا حرا.. أضاعت عليه شركة الكهرباء والغاز بڨفصة -المدينة القديمة الأزلية- شروط إمكان إنجاز تحقيق مخطوطاته طوال سنتين”.

ويستشهد صاحب كتاب “الجراحات والمدارات” بمقولة أبي تمام: “شكوت وما الشكوى لمثلي عادة.. ولكن تفيض الكأس عند امتلائها”.

ويُضيف: “وإن أنا أعرف “أنّ السعادة والنجاح إلى جانب أهل الخضوع والتملق” -وأنا لم أخضع ولم أتملّق أحدا ولم أهرب من البلاد حين محن- وكذلك وأيضا أعرف “أنّ البدو إذا وسع لهم أسرفوا ” على رأي بن خلدون، وإن أنا بدوي الأصل، غير أني لم أسرف في الصبر على غير الوطن الذي أهانني لسنوات طوال.. وما يزال.. وإنّ مطلبي ليس “السعادة” التي لا يمكن أن تصرف في غير الحاضر.. وفي الحاضر أطلب شخصيا الاقتصاد في النكد الوطني، الاقتصاد في تبذير الذكاء العاطفي، والاقتصاد في تبذير الوطن أصلا”.

ويقول أيضا: “السيّد الرئيس لقد كنت كتبت لرئيس تونسي سابق.. قبل الحدث الثوري حين تمّ طردي تعسفيا من العمل: “لا يعقل أن يكون الشرف للبلاد والدمار للكتاب”، إذ كنت اُتّهمت بتحريض الشباب فلسفيا على التمرّد والعصيان المدني، كما لازمتني تهمة “الكفر” و”الردة”، لأني كنت وما أزال ضدّ ثقافة التكفير والرداءة، إذ كل ما كان في البلاد وما يزال يدعوك لبيع رأسك ليروس عليك غبيّ حزبي، أو متنفّذ بيروقراطي مقذوف به دون معيار كفاءة في منصبه، كأن يكون مستشارا ثقافيا -مثلا- وهو في مقام المنشار القاطع لشجرة القيم الثقافية في البلاد، فكان شعاري وما يزال “لا رئيس لي سوى راسي”.. َومن أعجبه فقد أعجبه، ومن لم يعجبه، فله وحشة الطريق وقلة الزاد وعثاء السفر”، كما ورد الأمر في الأوراق القديمة”.

ويختم دولة رسالته إلى سعيّد، بقوله: “أرجو أن تتعهّدوا الأمر بكل جدية، لئلا أجدني، مضطرا، ومردّدا ما كان قد كتبه شاعر “إرادة الحياة” أبوالقاسم الشابي في واحدة من تلويحاته الحبرية ذات إحساس بمرض “التوناس” (المرض بتونس التي تقتل غالبا أجمل البنات والأبناء من المخلصين والمخلصات لها)، حيث كتب: إنّي يائس من المشاريع التونسية”.

هكذا انتهت رسالة سليم دولة اليائس من المشاريع التونسية، رغم إسهامه في إنشاء جيل من الأدمغة التونسية، إناثا وذكورا، أسهموا بدورهم في بناء وطن من نور، وهو المدرّس والفيلسوف والشاعر والكاتب الحر الذي يأبى الظلام.  

ويُعدّ سليم دولة ممثّلا للفلسفة المنفصلة عن البحث الأكاديمي، صدرت له في النقد الفلسفي “ما الفلسفة؟”، “ما الثقافة؟”، “الثقافة والجنوسية الثقافية”، كما صدر له “الجراحات والمدارات” و”بيان بغداد السقراطي”، وفي الشعر: “السلوان والمنجنيقات”، “ديلانو شقيق الورد”، “كليمنسيا الجميلة”، و”معلقة أمي.”