لايف ستايل

تكرونة… قرية أمازيغية معلقة في سهول تونس

على قمة صخرية يصل ارتفاعها إلى 300 مترا فوق سطح البحر، تتربع القرية الأمازيغية “تكرونة” شاهدة على عراقة تاريخ تونس. 

غير بعيد عن مدينة النفيضة التابعة لولاية سوسة شرق تونس، تطل “تكرونة” على البحر الأبيض المتوسط وولايات سوسة وزغوان والقيروان. 

تاريخ تكرونة
ترمز مكرونة إلى اليوم إلى حضارة الأمازيغ في المغرب العربي. حافظت على اسمها الأمازيغي، الذي يرتبط باسم قبيلة أمازيغية سكنت الأندلس منذ القرن الثامن ميلادي. 

وفق مؤرخين، ينحدر سكان القرية من قبيلة أمازيغية تحمل اسم “تكرونة” أيضا، هاجرت إلى الأندلس بعد اعتناق الإسلام واستقرت قرب مدينة مالاغا أو المملكة التي أسسها القرطاجيون في شبه الجزيرة الإيبيرية خلال القرن الرابع قبل الميلاد شأنها شأن مدينة قرطاجنة الإسبانية أو كارتاخينا كما تلفظ بالإسبانية، ومدينة برشلونة المنسوبة إلى عائلة بركا التي ينتمي إليها القائد القرطاجي حنبعل. 

ومع سقوط الأندلس مجددا بيد الإسبان في بداية القرن السادس للميلاد، تم قمع المسلمين وتعذيبهم بأمر من ملكا قشتالة والأراغون. فاضطر المسلمون ومن بينهم سكان قبيلة تكرونة، إلى الهجرة إلى شمال أفريقيا واستوطنوا في قمة جبل وسط سهول ولاية سوسة، ليأخذ فيما بعد اسم قريتهم.

تتميز القرية بموقع جغرافي فريد أكسبها شهرة وجعل منها مقصدا سياحيا لآلاف الزوار من تونس وخارجها. فهي تتراءى للناظرين على بعد كيلومترات عدة،  تنتشر فيها المنازل من السفح لأعلى نقطة فيها، حيث ينتصب المسجد الصغير، ومن أعلى تلك الهضبة يستمتع زائر تكرونة بمشاهد غابات الزيتون المحيطة بها من كل جانب.

حافظت القرية على طابعها الأمازيغي ولم تتأثر بالحضارة الأندلسية التي تبدو على بعض القرى التونسية على غرار تستور ومجاز الباب في ولاية باجة شمال غربي تونس، وسليمان في نابل شرق البلاد، وغار الملح وقلعة الأندلس في بنزرت في أقصى الشمال. 

معمار فريد
اكتست جميع مباني “تكرونة” الطابع الأمازيغي من خلال تشييدها بالحجارة الجبلية. وتميزت غرف البيوت بأسقف نصف دائرية تحيط بفناء في شكل ساحة صغيرة. وانعكس ضيق المساحة التي شيدت فوقها تكرونة على المنازل فتم إنشاؤها ضيقة حتى يتسع المكان إلى الجميع. 

تبدو القرية للناظرين قلعة حصينة، فقد تراصت البيوت جنبا إلى جنب وكأنها على استعداد تام للتصدي لأي مخاطر خارجية أو للغزاة الذين قد يأتون من أي اتجاه لأن القرية تشرف على جميع الاتجاهات وكأنها جزيرة مرتفعة وسط السهول المنبسطة يمكن من خلالها رؤية القادمين من مسافات بعيدة في الأفق المترامي.

شهدت تكرونة حروبا بين قوات المحور والحلفاء في الحرب العالمية الثانية، ما أدى إلى تدمير عدد من المنازل وأجبر سكانها على النزول إلى السفوح.  

معمار مهدد بالاندثار
بالرغم من شهرتها وتاريخها الممتد، إلا أن القرية منسية بل باتت مهددة بالاندثار  بسبب غياب الماء الصالح للشرب. اضطر سكان “تكرونة” إلى الهجرة بحثا عن أبسط مقومات العيش في أماكن أخرى. لكن بقي سكان آخرون يواجهون هذه المصاعب التي عجزت الدولة التونسية على حلها منذ سنوات عديدة، وبقي الذين تمسكوا بالعيش فيها يتكبدون عناء توفير المياه وجلبها من أماكن أخرى على ظهور الدواب.

وفي شهر أكتوبر/ تشرين الأول العام الماضي، شهدت المنطقة انهيار جزء من الجبل وتساقطت الأحجار على الطريق المؤدي إلى المسلك السياحي، دون وقوع أضرار بشرية. 

هذه الحوادث أصبحت تتكرر باستمرار، والقرية باتت مهددة بالانهيارات الأرضية التي تصيب في كل مرة جانبا من المرتفع حيث تقبع وفي كل مرة تتدخل السلطات  لترميم الأجزاء المتساقطة. 

قبلة سياحية
رغم طبيعة الحياة القاسية في أعلى الهضبة، إلا أن بعض سكان القرية ناضلوا في سبيل إشعاع قريتهم في تونس والخارج، ونجحوا بإمكانياتهم الخاصة في فتح مشاريع صغيرة تشجع الزائرين على شد الرحال إليها.

عند أعلى الهضبة، ينتصب مقهى صغير يمثل وجهة معظم السياح المقبلين على “تكرونة”. صاحبته “حميدة” تشتهر أيضا بإعداد “خبز الطابونة” والكسكسي اللذيذ لتقدمه للسياح والتونسيين أيضا. 

موطن الشعراء
قرية “تكرونة” هي مسقط رأس الأديب التونسي الطاهر قيقة (1922 _ 1993)، الذي قال عنها واصفا ثراء مخزونها الثقافي والحضاري: “تكرونة هي الجبل، هي الريف، هي الجامع والزاوية والمقبرة والصخور المتناثرة بين المنازل، تذكر أهل القرية بالشدة والصلابة اللتين جبلوا عليهما مع الأنفة وعزة النفس والشموخ، تكرونة هي المنبت”.