تونس

تقرير: مصير القرض التونسي المتعثّر بيد “رئيس غير متحمّس”

اعتبرت رويترز في مقال تحليلي نشرته على موقعها، الخميس 9 مارس، أنّ محادثات تونس للحصول على حزمة إنقاذ من صندوق النقد الدولي تبدو متعثّرة منذ أشهر، مشيرة إلى عدم وجود مؤشّر على أنّ سعيّد متحمّس للموافقة على الخطوات اللازمة للتوصّل إلى اتّفاق ومساعدة البلاد على تجنّب أزمة مالية.

وكانت تونس توصّلت إلى اتّفاق مع الصندوق في سبتمبر للحصول على قرض بقيمة 1.9 مليار دولار، لكنّها تخلّفت عن الوفاء بالتزامات مهمّة.

وحسب المقال التحليلي، فإنّ تونس ستواجه، ما لم تحصل على القرض، أزمة شاملة في ميزان المدفوعات، مشيرا إلى وجود مدفوعات ديون خارجية إضافة إلى الديون الداخلية.

 وقالت وكالات للتصنيف الائتماني إنّ تونس قد تتخلّف عن السّداد.

من جهتها، أفادت مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا الشهر الماضي أنّ تونس أحرزت تقدّما جيّدا، وأنّ مجلس إدارة الصندوق سينظر في الاتّفاق قريبا جدّا، حسب ما ورد بالموقع.

وذكرت متحدّثة باسم الصندوق أنّ موعد نظر المجلس في الاتّفاق، سيتحدّد بمجرّد أن تكمل السلطات متطلّبات البرنامج.

في المقابل قال مسؤول تونسي إنّ “الأمور قد لا تتحرّك بسرعة لكنّها تتحرّك بوتيرة مطّردة”، مضيفا أنّ الحكومة تتوقّع إحراز تقدّم “ربّما في غضون أسابيع قليلة”.

المانحون يتشكّكون

ورد في المقال أنّ تونس لم تنفّذ تخفيضات مقرّرة في دعم الوقود، ولم تصدر قانون الشركات العامة الذي سبق أن وعدت به، ويعارض الاتّحاد العام للشغل صاحب النفوذ الإصلاحات الرئيسية التي يريدها صندوق النقد الدولي.

والأهمّ من ذلك -وفق المقال التحليلي- هو أنّ سعيّد لم يدعم الاتّفاق علنا ولم يلتزم بتوقيعه حال إقراره، ممّا يثير قلق المانحين من رفضه القرض أو إلغائه الإصلاحات بعد الحصول على الأموال أو تحميلهم المسؤولية عن أيّ تداعيات اقتصادية مؤلمة تترتّب عليها.

وحسب “رويترز”، فإنّه إذا استغرقت تونس وقتا أطول من المقبول لاستكمال الاتّفاق، فقد يرى الصندوق أنّ الأرقام التي يستند إليها لم تعد واقعية وبناءً عليه يتعيّن إعادة المفاوضات من جديد. 

وليس من الواضح متى ستصل الأمور إلى هذه النقطة.

وذكر المقال أنّ الحكومة تعاني بالفعل لتغطية تكلفة واردات السلع الأساسية.

 وشهدت الأشهر الماضية نقصا متكرّرا في سلع مدعومة مثل السكر والقهوة وزيت الطهي ومنتجات الألبان والأدوية، إذ تجاوز معدّل التضخّم 10%.

ودون الحصول على مساعدة خارجية -حسب الموقع- قد يتفاقم النقص ويمتدّ إلى سلع أخرى مثل الوقود.

كما قد تواجه الحكومة صعوبات في دفع رواتب موظّفي الدولة.

ولا يبدو أنّ أيّا من المانحين الأجانب مستعدّ لإقراض تونس دون الطمأنينة التي يوفّرها الاتّفاق مع صندوق النقد الدولي، إذ من الممكن أن تنفد الأموال قريبا من السوق المالية المحلية.

ولفت المقال إلى أنّه من شأن مصادر التمويل البديلة، مثل السحب من احتياطيات العملة الأجنبية أو طباعة النقود، أن تقوّض الدينار التونسي، ممّا سيؤدّي إلى تفاقم الصعوبات التي تواجهها الحكومة في الاستيراد وتسريع وتيرة التضخّم.

وحذّر البنك المركزي بالفعل من مثل هذه التحرّكات، فرغم استمرار بعض المساعدات الخارجية، مع تقديم مؤسّسات مالية دولية قروضا ذات أهداف محدّدة لدعم مشتريات الغذاء والوقود، إلاّ أنّها لا تكفي لتمويل الموازنة التونسية.

أسلوب حادّ

قال مانحون إنّ تونس كان من المفترض أن ترفع أسعار الوقود بنسبة تتراوح بين 3 و5% شهريا بموجب اتّفاق سبتمبر -حسب ما نشرته رويترز- لكنّها لم تفعل ذلك منذ نوفمبر.

وعلى الرغم من توقّع زيادة أخرى قريبا، إلّا أنّه يتعيّن أن تكون كبيرة جدّا لمواكبة الالتزامات.

وعلى الرّغم من أنّ الحكومة قالت الشهر الماضي إنّها وافقت على قانون بشأن الشركات المملوكة للدولة يُنظر إليه على أنّه تمهيد لجهود إعادة الهيكلة لخفض العبء المالي الهائل الذي تشكّله تلك الشركات على الدولة، إلّا أنّ هذا القانون لم يصدر رسميا.

ويبدو أنّ التأخير يعود بالأساس إلى سعيّد، الذي سيطر على معظم السلطات في 2021، وحلّ البرلمان، وعيّن حكومة جديدة، وانتقل إلى الحكم بالمراسيم.

مقال “رويترز”، أشار أيضا إلى أنّ سعيّد لم يبدِ اهتماما كبيرا بالسياسة الاقتصادية باستثناء إلقاء اللّوم على الفساد في مشاكل تونس، ورفض مناشدات المانحين بضرورة وجود قبول واسع لدى المجتمع للإصلاحات المؤلمة، من خلال اتّفاقات مع الاتّحاد العام التونسي للشغل الذي يعارضه بشدّة الآن.

كما أنّه بعيد كلّ البعد عن إرضاء المانحين بأسلوبه الحادّ وبحملة اعتقالات المعارضين، وخطابه المناهض للمهاجرين والتدخّل الأجنبي. ولم يترك لهم مبرّرا يُذكر لمنح تونس فسحة إضافية.

وعلّق البنك الدولي بالفعل عمله المستقبلي مع تونس، وقال صندوق النقد الدولي يوم الخميس إنّه “قلق” بشأن التطوّرات الأخيرة.

وفي الوقت نفسه، فإنّ تصريحات سعيّد المتعلّقة بالمساعدات تُوحي بأنّه إذا كان صندوق النقد الدولي والمانحون يأملون في موافقته العلنيّة على صفقة تستلزم إجراء تخفيضات في الإنفاق لا تحظى بشعبية، فربّما لا يحالفهم الحظ.

واستحضر المقال قول سعيّد لرئيسة الوزراء نجلاء بودن الشهر الماضي إنّ الحلّ ليس في الخضوع للإملاءات التي وصفها بأنّها “شكل جديد من أشكال الاستعمار”، وقوله إنّه إذا كانت الدول الأجنبية تريد مساعدة تونس “فليعيدوا أموالنا المنهوبة ويسقطوا الديون المتراكمة”.