نشرت مجلة فورين بوليسي، الخميس 04 أوت/أغسطس، تقريرا أوضحت فيه أنّ تجربة الديمقراطية الرائدة في تونس شارفت على نهايتها، بدخول البلاد في مرحلة الحكم المطلق بعد تفرّد قيس سعيّد بالسلطة.
حكم مطلق
وأوضح التقرير الذي عُنون بـ” الربيع العربي يتلاشى في تونس بدستور قيس سعيّد”، أنّ الناشطين والسياسيين في تونس يُحاولون قبول حقيقة إقرار الدستور الجديد للرئيس، قيس سعيّد، والذي غيّر بشكل جذري علاقتهم بالسلطة.
وبيّنت المجلة أنّ الدستور الجديد لتونس منح سعيّد سلطات واسعة وغير محدّدة، مشيرة إلى أنّ الرئيس فرض برلمانا تابعا له لا يكون مسؤولا إلاّ أمامه فقط، إضافة إلى أنّه لم يتضمّن أيّ آلية لعزله أو محاسبته إذا اقتضى الأمر.
ومن ضمن الصلاحيات الأخرى التي تحوز عليها سعيّد بدستوره الجديد، وفق التقرير، أنّ تعيين الوزراء وإعفاءهم لا يكون إلا بأمره وإرادته، والأمر نفسه ينطبق على المؤسّسة الأمنية والقضائية، فكلهم، حسب فورن بوليسي، مسؤولون الآن أمام رجل واحد.
الاستفتاء لتصفية الربيع
تقرير فورين بوليسي أورد أنّ الاستفتاء الذي شارك فيه حوالي 30% من الناخبين، قوبل برفض عدد هام من التونسيين، إذ شكّكت منظمات المجتمع المدني وأحزاب سياسية في نتائجه، التي أعلنتها في وقت سابق الهيئة العليا المستقلة للانتخابات.
وأورد التقرير، حجج المعارضة المتمثّلة، أساسا، في أنّ نسبة المشاركة المفترضة البالغة 30% ليست بالحجم الذي يمكّن الرئيس من إقرار دستوره الجديد الذي لم يشارك فيه أغلب التونسيين، وبناء “جمهوريته الجديدة” التي روّج لها، كثيرا، في أوقات سابقة.
وفي سياق متّصل، أشار التقرير إلى الاتهامات التي وجّهتها “جبهة الخلاص الوطني”، وهي تحالف أحزاب معارضة، للهيئة الانتخابية التي تغافلت عن عمليات “تزوير” أرقام نسبة المشاركة والنتائج في الاستفتاء على الدستور.
وأوضح التقرير أنّ أصوات دولية، من بينها الولايات المتحدة، انضمت إلى قافلة منتقدي الدستور الجديد، ما دفع الخارجية التونسية إلى استدعاء القائمة بالأعمال الأمريكية، من أجل التنديد بالتصريحات “غير المقبولة” لمسؤولين أميركيين انتقدوا الاستفتاء على الدستور والمسار السياسي في تونس.
وأكّدت بوليسي، أنّ الولايات المتحدة دأبت على انتقاد قيس سعيّد منذ اتّخاذه إجراءات استثنائية قبل عام من الآن، إذ اعتبرت واشنطن تلك الخطوات محاولة لوأد الربيع العربي والتجربة الديمقراطية الرائدة في تونس.
تطبيع مع الديكتاتورية
ترى المجلة، أنّه في الوقت الذي يستمر فيه الجدل حول نتيجة الاستفتاء، يكافح سعيّد ومؤيّدوه بكل الوسائل المتاحة لإيهام التونسيين بأن الموافقين على الدستور الجديد هم أغلبية ساحقة، فيما ينتظر جزء آخر إمكانية فرض الدول الأوروبية وأمريكا ضغوطا على النظام من أجل استعادة مسار الثورة والحفاظ على الديمقراطية وإن كانت هشة.
وجاء في التقرير، أنّ صوت المعارضة بدأ يخفت، تدريجيا، في تونس عقب إعلان نتائج الاستفتاء، مشيرا إلى أنّ أغلب الأحزاب، بما فيها التقدّمية، خيّرت الصمت ولم تعلن، إلى الآن، عن خياراتها المستقبلية في عهد قيس سعيّد.
وقالت فورن بوليسي إنّ: “حركة المعارضة في تونس تركت الأزمة الحقيقية في تونس والتفتت إلى انتقادات الولايات المتّحدة للمسار السياسي، منوّهة بضعف موقف اتحاد الشغل والمنظمات الحقوقية الذي لم يرتق إلى المستوى المأمول”.
وأشار التقرير إلى أنّه، باستثناء حركة النهضة، التي من المحتمل أن تقرّر قيادتها المشاركة في الانتخابات التشريعية المقرّرة في ديسمبر/ كانون الأول المقبل لمنافسة قيس سعيّد، لا يُستبعد أن تعلن باقي المكوّنات السياسية الأخرى استعدادها للعيش في ظل حكم “أوتوقراطي”.