لايف ستايل

تطبيقات التاكسي…”بيزنس” خارج نطاق العداد والقانون

وجدي بن مسعود

طوابير من سيارات الأجرة “التاكسي” تصطف على جانبي الطريق وفي المحطات العامة والساحات بمختلف مناطق العاصمة التونسية، دون حريف يجلس داخلها، بينما يجلس السائقون غير بعيد عنها يحتسون القهوة ويدخنون السجائر. 

لا يشي هذا المشهد الذي بات مألوفا في السنوات الثلاث الأخيرة في تونس بوفرة في عدد سيارات الأجرة إلى درجة الكساد، إذ ستفاجأ حال اقترابك من السواق بنبرة صارت مألوفة  “خويا راني نخدم بالأبليكاسيون”، أي “عذرا فأنا أعمل وفق التطبيقات الخاصة بخدمات التاكسي”.

عوضت هذه العبارة المستجدة في قواميس سائقي سيارات الأجرة “الجملة الأسطورية” التي تسيدت القطاع لعشريتين على الأقل، والمعروفة لدى التونسيين بعبارة “خويا ماكش في ثنيتي”، ومعناها «  وجهتك ليست وجهتي”.

البطش بجيوب الحرفاء

 تطبيقات سيارات الأجرة أضحت أداة جديدة “للبطش بجيوب التونسيين” والإمعان في مخالفة القوانين المنظمة للقطاع، فبعد أن كان السائقون ينتقون الحرفاء حسب “المزاج والأهواء” ووفق الوجهة التي تناسبهم، أصبحت التطبيقات التي تشرف على تشغيلها عدة شركات عنوانا جديدا لما يمكن أن نطلق عليه “بزنس التاكسي حسب الطلب”. 

بدأت هذه التطبيقات في الظهور في السوق التونسية قبل حوالي 4 سنوات، وعملت في البداية على تسويق خدماتها وعروضها عبر الصفحات الممولة على منصات التواصل الاجتماعي، مع التركيز على ميزاتها كحل سحري لمشكلة ندرة سيارات الأجرة في ساعات الذروة.

فخ المعلوم الإضافي 

لا يكلف الأمر سوى ضغط زر بسيط على التطبيقة التي يجري تنزيلها على الهاتف، ليكون التاكسي موجودا خلال دقائق قليلة، أسلوب نجح في زيادة الإقبال على الخدمة الجديدة خلال الأشهر الأولى من إطلاقها في السوق المحلية، وسط انخراط كبير لسيارات التاكسي في المشروع الذي يوفر لهم نسبة مرابيح إضافية.

لكن “المعاليم الإضافية” التي يدفعها الحرفاء مقابل التمتع بخدمة “التاكسي حسب الطلب”، سرعان ما تضخمت وتضاعفت بشكل متواتر وملحوظ خلال السنتين الأخيرتين، حتى أصبحت تقدر بثلاثة أضعاف التكلفة العادية للسفرة وأكثر في بعض الأحيان، كاشفة عن جشع الشركات الساعية إلى مراكمة ربح سريع وفاحش على حساب الحرفاء، ممن يضطرون مكرهين إلى اللجوء إلى خدماتها.

يتجنب سائقو سيارات التاكسي ممن يعملون على هذه التطبيقات الخوض في غمار الازدحام المروري، ويبحثون عن أيسر مسالك الربح الوفير بأقل عدد ممكن من السفرات، متصيدين عبر هواتفهم الذكية دخول حريف على الخط لطلب الخدمة.

يؤكد حديث إحدى الزميلات الصحفيات التونسيات لبوابة تونس عن تجربتها مع تطبيقات التاكسي الارتفاع المشط لسعر هذه الخدمة: “بالنسبة إلي تطبيقات التاكسي الفردي كانت جيدة في البداية، توفر الوقت وجهد البحث عن سيارة أجرة خاصة في أوقات الذروة، لكنها مؤخرا تحولت من نعمة إلى نقمة فإحدى الشركات الناشطة في هذا المجال وهي الأقدم، أصبحت تتقاضى أربعة أضعاف ثمن الخدمة مستغلة أوقات الذروة، وهذا استغلال فاحش، حتى بعد ظهور شركات أخرى ما تزال بعيدة عن المنافسة بسبب ضعف خدماتها”.

وتضيف محدثتنا التي طلبت عدم الكشف عن اسمها: “هذه الشركات عمقت أزمة التاكسي الفردي في العاصمة، فأغلب سائقي سيارات الأجرة أصبحوا يمتنعون عن نقل الحريف إلا إذا دفع ثمنا يوازي تكلفة تطبيقة التاكسي، القطاع أصبح كليا خارج السيطرة ومستعملو سيارات الأجرة هم الضحية”.

نشاط غير مقنن

تشير بعض التقديرات التي حصلت عليها بوابة تونس من بعض المتدخلين في القطاع، إلى أن نصف سيارات الأجرة العاملة في إقليم “تونس الكبرى”، أضحت تنشط اعتمادا على هذه التطبيقات غير المقننة في السوق التونسية حتى الآن. هذا الأمر انعكس سلبا على حجم الأسطول الموجود في الطرقات وهو العامل وفق التعريفة القانونية المحددة من قبل سلطة الإشراف.

وتوثق المشاهدات الميدانية الانتشار الواسع لسيارات “التاكسي الذكية”، فلم يعد نشاطها منحصرا وسط العاصمة وشارع الحبيب بورقيبة والضاحية الشمالية والأحياء الراقية، بل بلغ الأحياء الشعبية وضواحي العاصمة الواقعة على بعد 30 كيلومترا في بعض الحالات.

التجربة الميدانية تثبت بدورها التكلفة المتضخمة لتعريفة السفرة عبر هذه التطبيقات وخصوصا أثناء ساعات الذروة المسائية والصباحية وفي منتصف اليوم، إلى درجة أن رحلة عادية لا تتجاوز تكلفتها الطبيعية 3 أو 4 دنانير، يمكن أن تبلغ 12 دينارا وأكثر حسب تعريفة الشركة المشغلة والتوقيت.

غياب الرقابة 

في حديث لبوابة تونس يقر نائب رئيس الغرفة الوطنية لأصحاب التاكسي الفردي عادل عرفة بعدم قانونية هذه الخدمات التي تشرف عليها “شركات تعمل دون ترخيص أو رقابة”، حسب قوله.

ويضيف عادل عرفة: “قانونيا يقع تحديد معلوم السفرات اعتمادا على تعريفة العداد المضبوط بقرار مشترك بين وزارة النقل والتجارة”.

وفي تفسيره لأسباب تفاقم ظاهرة التطبيقات، أرجع محدثنا الأمر إلى عدم مراجعة تعريفة التاكسي منذ ثلاث سنوات رغم الزيادات المتكررة لأسعار المحروقات، والتي تلتهم هامش الربح الضئيل لسيارات الأجرة، ما يدفع السائقين إلى العمل مع تلك الشركات التي تقدم لهم هوامش ربح مرتفعة ومغرية.

واعتبر عادل عرفة أن وزير النقل السابق معز شقشوق يتحمل قسطا من المسؤولية في انتشار الظاهرة، قائلا: “خلال مشاركته في حصة تلفزيونية تحدث وزير النقل السابق عن استعماله تطبيقة التاكسي الذكية، وهو ما اعتبر بمثابة موافقة ضمنية من قبل السلطة المسؤولة على قطاع النقل على نشاط هذه الشركات”.

في السياق ذاته يرى نائب رئيس الغرفة الوطنية للتاكسي الفردي أن نشاط التطبيقات الذكية أضرت بإمكانيات المواطنين: “التعريفة الحالية لعداد التاكسي تعتبر باهظة بالنسبة إلى فئات كبيرة من التونسيين، فما بالك إذا تضاعفت هذه التكلفة من خلال هذه التطبيقات”.

ولفت عادل عرفة إلى أن الشركات المشغلة لهذه الخدمات “غير خاضعة للرقابة ولا تدفع الآداءات وسلطة الإشراف لا تحرك ساكنا للتصدي لهذه التجاوزات رغم علمها”.

وإجابة عن سؤال بوابة تونس بشأن التنسيق مع وزارة النقل للعمل على تقنين هذه الخدمات أو الحد من تجاوزاتها، أوضح محدثنا: “وزير النقل الحالي ربيع المجيدي أغلق مكتبه في وجوهنا ويرفض الاستماع إلينا أو مقابلة وفد عن ممثلي القطاع، منذ آخر لقاء عقده معنا في نوفمبر الماضي”.

“ليس لدينا إحصائيات”

بوابة تونس تواصلت كذلك مع مكتب الإعلام والاتصال بوزارة النقل بحثا عن توضيحات بشأن الملف، لكن المسؤولة طلبت إلينا إرسال رسالة عبر البريد الإلكتروني بشأن الموضوع، لعرضها على الإدارة العامة للنقل البري وموافاتنا بالجواب بعد 24 ساعة.

وبسؤال محدثتنا عن الوضعية القانونية للشركات المشغلة لتطبيقات التاكسي والتي شهدت ارتفاعا كبيرا في السنتين الأخيرتين، أجابتنا بالقول: “هل لديكم إحصائيات دقيقة أو دراسات عن عدد سيارات الأجرة في تونس العاصمة العاملة بهذه التطبيقات؟”.

ورغم إصرارنا على الحصول على تصريح فوري من أي مسؤول بالوزارة، إلا أن المكلفة بالإعلام اعتذرت بالقول إن “هناك إجراءات إدارية لا بد من احترامها” مضيفة: “سأحاول الرد غدا صباحا”.