تراجع مكانة لغة الضاد هل مرده “قصورها عن التعبير العلمي”؟
tunigate post cover
ثقافة

تراجع مكانة لغة الضاد هل مرده “قصورها عن التعبير العلمي”؟

هي اللغة التي كرست جوهر العروبة الثقافي والتاريخي منذ حضارة اليمن
2020-12-18 17:00

وجدي بن مسعود 

لغتي أكرمُ أم لم تلد لذويها العُرب غيرَ المكرمات

إن ربي خلق الضادَ وقد خصها بالحسنات الخالدات

أبيات تعكس غيضًا من فيض ما قيل عن لغة الضاد، ومحاسنها وآدابها ومكانتها الحضارية والتاريخية والعلمية.

هي اللغة التي كرست جوهر العروبة الثقافي والتاريخي منذ حضارة اليمن وحضرموت حيث تكلمت الحميرية وهي الجذع الأول للغة الضاد، وصولًا  إلى اكتمال معالمها اللغوية والكتابية، التي عبرت عن الخصوصيات الأدبية لدى العرب، وجسدت فصاحة أشعارهم وعمق معانيها.

طوال قرون من التاريخ العربي والإسلامي، مثلت العربية خلال أوج انتشارها، عنوان العلوم والمعارف، ومدخلاً للثقافة والترجمة، وحمالة للانجازات المعرفية التي راكمها علماء العرب، وروادها في كل المجالات.

قصور المكانة

أهمية العربية ومكانتها، تتجاوزان أكثر من اعتبارها لغة مشتركة بين أقطار الوطن العربي من المحيط إلى الخليج، إذ تختزل خصوصية ثقافية وهوية حضارية جامعة.

في اليوم العالمي للغة الضاد، 18 ديسمبر، الذي أقرته اليونسكو موعدًا سنويًا للاحتفاء بمكانتها الحضارية والثقافية، أصبح الحديث عن مستقبل العربية في مواجهة التحديات العلمية وتراجع مكانتها، من بين أبرز التساؤلات التي يطرحها الباحثون، على ضوء نتيجة التحولات السلوكية والفكرية الطارئة على المجتمعات العربية، إلى جانب ضعف المنظومة التربوية، وقصورها عن ترسيخ مكانة محورية للعربية لدى الجيل الجديد في تمثله لهويته.

يشخص الباحث والأكاديمي الدكتور عبد اللطيف عبيد، في حديث لبوابة تونس تدهور مكانة العربية وحالتها في تونس، إلى “نقص الاعتزاز باللغة العربية”، ما أدى إلى تراجع مكانتها بالتعليم والإدارة، وحتى على مستوى النخب السياسية، التي تغلب عليها النزعة الثقافية واللغوية الفرانكفونية. 

“الاعتزاز بالعربية لم يعد متجسدًا بالقدر الكافي، والسبب أننا لم نعد نعطي لغتنا المكانة التي تستحقها، ولم نحرص على جعلها في صدارة استخداماتنا، بما في ذلك على صعيد المنظومة التربوية، فتراجع مكانة الضاد ليس مرده ضعف البرامج أو المستوى، بل سببه أن تلامذتنا عندما يمرون إلى المرحلة الثانوية يكتشفون أن العربية لا تصلح لهم، حيث يدرسون المواد العلمية بالفرنسية فينغرس في أذهانهم أن العربية قاصرة عن التعبير العلمي”، يضيف الدكتور عبيد.

 تحدي التعبير العلمي

تذهب بعض القراءات المتعلقة بمستقبل العربية، إلى القول بأن التطورات العلمية المتسارعة في ميادين التكنولوجيا والاختصاصات العلمية المعقدة، حصرت العربية في خانة ضيقة، إذ أصبحت بمثابة لغة أدبية وثقافية، نتيجة قصورها عن مجارة مكانة اللغتين الفرنسية والانجليزية، اللتان تعتبران من أهم اللغات العالمية استخداما في الحقول العلمية والاكاديمية.

قراءة يفندها الدكتور عبد اللطيف عبيد، والذي يشدد على كون العربية  قادرة على التعبير العلمي، مستشهدًا بتجربة تدريس العلوم باللغة العربية بالجامعات السورية ودول عربية أخرى، والتي أثبتت كفاءة لغة الضاد في توطيد أسس كل المعارف بما في ذلك الطب والهندسة على سبيل المثال، وكذلك عن قدرتها على التطور عبر ابتكار مئات المصطلحات الجديدة المرتبطة بهذه الفروع والتخصصات العلمية.

ويشدد محدثنا على أن “اللغة العربية ليست قاصرة كما يسوق البعض، فقد كانت في العصر الذهبي رائدة في كل التخصصات، مثل الفلك الجبر والطب والبصريات والجغرافيا، كما إن التجارب المعاصرة أثبتت أنها حمالة للعلوم، بشرط الاعتماد على مقاربة تركز على تدريس الانقليزية والفرنسية بشكل متخصص، بجانب تدريس العلوم بالعربية، ما يؤهل الكفاءات العلمية العربية من الحضور على المستوى الدولي”.

ويستشهد الدكتور عبيد  في ذات السياق، بنظام الإصلاح التربوي الذي وضعه الأديب والوزير الأسبق محمود المسعدي، كان ينص على التعريب المرحلي والممنهج لبرامج العلوم في المرحلة الثانوية، وهو مشروع انطلق تطبيقه قبل أن يقع التراجع عنه.

ويشدد الدكتور عبيد على أن سياسة تدريس العلوم بالفرنسية المعتمدة في تونس، تكتسي أبعادًا سياسية بالدرجة الأولى، وتعكس الأجندات الفرنسية المسقطة على الدول المنتمية إلى الحزام الفرنكفوني، بفرض المناهج العلمية بلغتها ما يحفظ لها نفوذها السياسي وهيمنتها الثقافية، معتبرًا أن تعريب العلوم لا يرتبط بقدرة لغة الضاد على استعابها، بقدر ما هو رهين إرادة سياسية لتفعيله.

العلوم#
اليوم العالمي للغة العربية#
لغة الضاد#

عناوين أخرى