تخفيض موديز: تونس تحت رحمة النقد الدولي
tunigate post cover
اقتصاد

تخفيض موديز: تونس تحت رحمة النقد الدولي

الإصلاح أو نادي باريس.. خبراء يحذّرون من خطورة تراجع التصنيف السيادي لتونس
2023-01-28 17:36

بعد تخفيض وكالة “موديز” (Moody’s) للتصنيف الائتماني، السبت 28 جانفي/كانون الثاني، النظرة المستقبلية لتونس إلى سلبية عند مستوى Caa2، محذّرة من أنّ المزيد من الانخفاض في الاحتياطات الأجنبية لدى البنك المركزي قد يدفعها إلى التخلّف عن سداد ديونها.

وحذّرت نشريّة صادرة عن الوكالة من أنّ تأجيل صندوق النقد الدولي المصادقة على برنامج تمويل جديد مع تونس، من شأنه أن يزيد من صعوبة حصولها على التمويل الخارجي، وتآكل الاحتياطي من العملة الصعبة.

ما هو التصنيف الائتماني؟

يُعنى بالتصنيف الائتماني، درجة تُظهر حكم مؤسّسات التصنيف العالمية على مدى معيّن، القدرة على سداد الديون، فمعنى أن يكون التصنيف ضعيفا أنّ هناك احتمالا بألّا يستطيع المدين الوفاء بالتزاماته، أما التصنيف المرتفع فيعني استبعاد الاحتمال.

في مقابل ذلك، يسهل التصنيف المرتفع على الحكومات والشركات، الحصول على تمويل وقروض سواء من الأسواق الداخلية أو الخارجية، وتتمّ عملية التصنيف بناءً على معايير اقتصادية ومحاسبية معقدّة أهمها الربحية، ثم الموجودات أو الأصول، والتدفّقات المالية التي توضّح الوضع المالي للمؤسّسة.

ما هي درجاته؟

 مستويات التصنيف لدى وكالات التصنيف الائتماني، تتراوح ما بين:

·     تصنيف (AAA) درجة أمان عالية، وهو أعلى تصنيف للجدارة الائتمانية، وإن كان يتضمّن درجات تابعة مثل (AA)، أو (A).

·     تصنيف (BBB) ويعني جدارة ائتمانية متوسّطة، ودرجاته المختلفة.

·      التصنيف (CCC) جدارة ائتمانية عالية المخاطر.

·     التصنيف الأخير (DDD) جدارة ائتمانية متعثّرة ودرجاتهما المختلفة كما في التصنيفين السابقين.

تصنيف تونس

التخفيض الجديد لوكالة “موديز” التصنيف السيادي لتونس من “caa1” إلى “caa2” مع آفاق سلبية، وتصنيف البنك المركزي التونسي، المسؤول قانونيا عن المدفوعات المتعلّقة بكل سندات الخزينة، إلى “caa2” مع آفاق سلبية كذلك، يؤشّر إلى عمق الأزمة الاقتصادية والمالية في البلاد.

ويعني التصنيف في خانة “Caa2″، وهي الدرجة قبل الأخيرة (Caa3)، أنّ الحكومة والبنك المركزي معرّضان إلى مخاطر عالية على مستوى إمكانية عدم القدرة على الإيفاء بالالتزامات المالية.

ويأتي هذا التصنيف ليعكس نتائج مراجعة الوضعية المالية والاقتصادية لتونس ودراستها وتطوراتها انطلاقا من 30 سبتمبر/أيلول 2022، إذ أعلنت وكالة موديز في 19 ديسمبر/كانون الأول وضع تصنيف تونس (Caa1) قيد المراجعة في اتّجاه خفضه.

وإلى جانب خفض تصنيف البلاد، فإنّ تصنيف الديون الخارجية غير المضمونة من الدولة والبنك المركزي تراجع كذلك إلى Caa2 مع آفاق سلبية أيضا.

وفسّرت الوكالة خطواتها في ما يخصّ مراجعة التصنيف، بعجز البلاد عن تعبئة تمويلات خارجية لتلبية الحاجيات العاجلة للحكومة، ما يعني أنّ مستوى مخاطر التعثّر في سداد القروض الخارجية في ارتفاع.

وفي سياق متّصل بعملية الخفض، فإنّ تأخّر وضع تونس في قائمة البرنامج التمويلي لصندوق النقد الدولي حيّز النفاذ، سيفاقم الوضعية الصعبة للمالية العمومية ويزيد من الضغوط على احتياطي البلاد من النقد الخارجي.

وينبّه التصنيف الجديد لوكالة التصنيف الائتماني، من أنّ الظروف التمويلية الصّعبة داخليا وخارجيا، ومستوى التداين الخارجي للبلاد، يزيدان من مخاطر التمويل، وذلك في ظل ضعف الحوكمة والمخاطر الاجتماعية الكبرى، ما يعني أنّ الوضعية التي وصلت إليها البلاد أصبحت محرجة للغاية.

إلى ذلك، تُحذّر النشريّة الجديدة من أن مزيد التأخير في إطلاق البرنامج التمويلي في صندوق النقد الدولي، سيتسبّب في تآكل المدّخرات من العملة الأجنبية تحت تأثير ارتفاع نسق تسديد الديون، مما ينجر عنه تزايد المخاطر المتعلّقة بالمدفوعات الخارجية واحتمال التوجّه نحو جدولة الدين الخارجي لتونس.

وفي آخر تحيين للبنك المركزي، تراجع احتياطي تونس من العملة الصّعبة، ليبلغ في 23 جانفي/كانون الثاني، 97 يوم توريد ما يُعادل 1363 مليون دينار، مقابل 134 يوم توريد من اليوم نفسه من السنة الماضية.

تعقّد الأزمة

يرى متخصّصون في الاقتصاد أنّ التصنيف السلبي الجديد هو بمثابة إنذار أخير للسلطة في تونس، من أجل اتّخاذ خطوات مستعجلة قبل حصول الكارثة والنزول بالتصنيف إلى “عالي المخاطر” وإعلان الإفلاس.

وعمليّا، لم يعد أمام تونس سوى الوصول إلى اتّفاق مع صندوق النقد الدولي من أجل حزمة إنقاذ مقدّرة بـ1.9 مليار دولار، فتخفيض وكالة موديز الترقيم السيادي لتونس كان متوقّعا في ظلّ استمرار الأزمة السياسية وغياب الاستقرار الحكومي، والذي انعكس بشكل مباشر على الجوانب المالية والاقتصادية.

ففي حال واصلت السّلطة إيلاء اهتمامها على جانب الحكم وإهمال الاقتصاد، وتعثّر الوصول إلى اّتفاق مع الجهة الدولية المانحة، فإنّ تونس ستبلغ مرحلة العجز التام عن تسديد ديونها، ما يعني أنّها ستطلب إعادة هيكلة ديونها عبر الذهاب إلى نادي باريس.

ونادي باريس مخصّص للدول التي لم تعد تستطيع الإيفاء بالتزاماتها المالية، وتقوم فيه بإعادة جدولة الديون بشروط مجحفة منها التقشّف وخفض الإنفاق، وهي خطوة تسبق نادي لندن الذي يرمز إلى إفلاس الدول واضمحلال مصداقيتها الاقتصادية.

وفي وقت سابق، حذّرت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني من أنّ الوقت ليس في صالح تونس، مشيرة إلى أنّ المرور بنادي باريس لا مفرّ منه مع ما يفرضه ذلك من إجراءات موجعة على المجتمع التونسي الذي أنهكت الأزمة الاقتصادية وغلاء الأسعار فئات واسعة منه.

ويؤثّر تخفيض التصنيف في مساعي تونس الوصول إلى الجهات المانحة بعيدا عن الصندوق النقد الدولي، إذ أنّ هذا الترقيم يعني للأسواق أنّ الدولة التونسية على حافة الإفلاس وأنّ التمويلات التي ستُقدّم إلى بلدنا مستقبلا تُعتبر مخاطرة كبيرة.

وترزح تونس تحت وطأة أزمة مالية خانقة، مدفوعة بعجز الدولة عن توفير السيولة لسداد النقص الحاصل في الغذاء والوقود، فيما تؤكّد المؤشّرات (مصادر رسمية) تراجع النمو والاستثمار واحتياطي النقد الأجنبي، وسط تحذيرات من شبح الإفلاس والانزلاق في الفوضى.

وارتفعت نسبة التضخّم في ديسمبر/كانون الأول الماضي، لتصل إلى مستوى 10.1% مقابل 9.8% نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وتعمّق عجز الميزان التجاري عام 2022 ليصل إلى 25.2 مليار دينار (نحو 8 مليار دولار).

ووفق قانون الموازنة لعام 2023، تخطّط الحكومة لتعبئة موارد خارجية بقيمة 14.8 مليار دينار (4.7 مليار دولار)، مقابل قروض داخلية بقيمة 9.5 مليار دينار (3 مليار دولار).

وفي ظلّ العطب السياسي وتعثّر عمليات الإصلاح، من المستبعد أن تقدر تونس على تحصيل حزم القروض المبرمجة، ما يعني أنّ الأزمة الاقتصادية ستواصل تدحرجها ككرة الثلج، وذلك في حال لم تجد صيغة لتعديل السوق الداخلية وتوفير الموارد الأساسية، واسترجاع ثقة المزوّدين الدوليين.

الاقتصاد التونسي#
البنك المركزي التونسي#
وزارة المالية#
وكالة موديز#

عناوين أخرى