كذّبت تحليلات أجرتها شبكة “سي أن أن” الأمريكية، بالاشتراك مع “مشروع التهديدات الحرجة CTP” التابع لمعهد “American Enterprise”، ومعهد “دراسات الحرب”، ادّعاءات رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، التي تزعم الاقتراب من تحقيق النصر ضدّ حركة حماس والمقاومة في قطاع غزة.
وكان نتنياهو قال أمام الكونغرس ووسط التصفيق الحار، يوم 24 جويلية، إنّ “النصر (على حماس) في الأفق”، لكنّ التحليلات للعمليّات العسكريّة التي نفّذتها المقاومة، منذ بدئها ملحمة “طوفان الأقصى” في الـ7 من أكتوبر الماضي، تروي قصة مختلفة، وتلقي بظلال ثقيلة من الشكّ على هذه الادّعاءات.
ووجدت التحليلات، التي استندت إلى بيانات عسكرية من المقاومة و”الجيش” الإسرائيلي ولقطات ميدانية ومقابلات مع خبراء وشهود عيان، أنّ نحو نصف الكتائب العسكرية التابعة لحماس، في شمالي قطاع غزة ووسطه، أعادت بناء قدراتها القتاليّة، على الرغم من مرور أكثر من 9 أشهر على حرب الإبادة الإسرائيلية المتواصلة ضدّ القطاع، التي مثّل القضاء على القدرات العسكرية للمقاومة أحد أهدافها.
ويُظهر البحث أنّ حماس نجحت في استخدام الموارد المتناقضة على الأرض بصورة فعّالة، إذ إنّ عدة وحدات تابعة لها عادت إلى مناطق رئيسيّة، زعم “الجيش” الإسرائيلي تفكيك المقاومة وإنهاء وجودها فيها، بعد معارك ضارية وقصف مكثّف.
وشكّك مدير “ملف الشرق الأوسط” في “CTP” والمشرف على البحث المشترك، بريان كارتر، في صحّة مزاعم الاحتلال، قائلا: “الإسرائيليون يقولون إنّهم طهّروا مكانا ما، لكنهم لم يفعلوا ذلك بالكامل، ولم يهزموا هؤلاء المقاتلين على الإطلاق”.
“النهوض من الركام”
تضمّ كتائب الشهيد عز الدين القسّام، الجناح العسكري لحماس، 24 كتيبة منتشرة في مختلف أنحاء قطاع غزة، وركّزت التحليلات التي شاركت فيها “سي أن أن” على إعادة بناء 16 كتيبة، في شمالي القطاع ووسطه، حيث استمرّت المعارك الأطول التي خاضها “الجيش” الإسرائيلي.
أما فيما يتعلّق بجنوبي القطاع، فاستبعدت التحليلات الكتائب الموجودة في تلك المنطقة، بسبب “عدم اكتمال البيانات حول وضع الكتائب الـ8 الباقية”، علما بأنّ البيانات الدقيقة والمشاهد التي تبثّها المقاومة، تؤكّد استمرارها في خوض المعارك وتنفيذ العمليات النوعيّة ضدّ القوات الإسرائيلية.
ومن بين الكتائب الـ16، تمكّنت 7 موجودة في شمالي القطاع المدمَّر من إعادة بناء بعض قدراتها العسكرية، مرة واحدة على الأقل، خلال الأشهر الـ6 الماضية.
وأظهرت الأدلّة عودة النشاط العسكري للمقاومة في نقاط اشتعال رئيسيّة. ففي مخيم جباليا شمالا، أقرّت “إسرائيل” بأنّها عادت في ماي (أي قبل نحو شهرين فقط)، إلى مواجهة مقاومة شرسة تمارسها 3 كتائب تابعة لحماس، على الرغم من تدمير المنطقة في قصف إسرائيلي دام 3 أشهر تقريبا في الخريف (أي في بدايات الحرب).
وفي حي الزيتون، في مدينة غزة، نفّذت “إسرائيل” 4 عمليات توغّل، وفقا للتحليلات.
وأفادت مصادر ميدانيّة من شمالي غزة لـ”سي أن أن” بأنّ أعضاء من حماس يشرفون على الأسواق المدمَّرة، ويعيدون استخدام المباني المحترقة وتحويلها إلى مواقع للمقاومين. وأكّد أحد الفلسطينيين للشبكة أنّ وجود حماس في المنطقة “أقوى ممّا يُتخيّل”.
في الـ7 من جانفي، أي بعد 4 أشهر على اندلاع الحرب، أعلن “الجيش” الإسرائيلي أنّه “قام بتفكيك هيكل قيادة حماس في شمالي قطاع غزة”. وبعد أيام فقط، وردت تقارير عن هجمات على دوريات إسرائيلية في الأجزاء الشرقية من مدينة غزة.
كذلك، أظهرت مقاطع فيديو في الأسابيع التي تلت ذلك، مقاومين من حماس يخرجون من تحت الأنقاض، ومن المرجّح أن يكون ذلك قد تمّ من خلال شبكة الأنفاق المترامية الأطراف في القطاع.
ولدى تعليقه على هذا الأمر، قال بريان كارتر من “CTP” إنّ حماس انتعشت بعد أقلّ من أسبوع على انسحاب “الجيش” الإسرائيلي من شمالي القطاع، في جانفي، كما تابع، انسحب هذا الأمر على مختلف أنحاء القطاع، واستمرّ.
وأضاف كارتر، في السياق نفسه: “كانت هذه (العودة في الشمال) هي العملية الحاسمة التي اتّخذتها كتائب حماس”.
وتحدّث ضابط إسرائيلي رفيع المستوى إلى “سي أن أن”، لم تذكر اسمه، ملمّحا إلى أنّ سعي “إسرائيل” لملاحقة حماس في كل مكان في غزة يتطلّب وقتا طويلا جدا. وقال الضابط: “سندخل كل مكان ترفع فيه حماس رأسها. هل يمكن أن تستمر هذه الحرب إلى الأبد؟ كلا. مجتمعنا غير مهيّأ لهذا. والمجتمع الدولي غير مهيّأ لهذا أيضا”.
وإزاء ذلك، شبّه الضابط النشاط العسكري الإسرائيلي في قطاع غزة بـ”عدّاء الماراثون الذي لا يعرف أين يقع الإستاد. يركض ولا يعرف ما إذا كان يسير في الاتجاه الصحيح”.
ويرى العقيد في الجيش الأمريكي بيتر منصور، الذي ساعد في الإشراف على نشر 30 ألف جندي أمريكي إضافي في العراق في عام 2007 في الاستراتيجية المعروفة بـ”The Surge” التي تهدف إلى “مكافحة التمرد”، أنّ “حقيقة أنّ الإسرائيليين ما زالوا في غزة، يحاولون استئصال عناصر من كتائب حماس، تظهر أنّ نتنياهو مخطئ.. إنّ قدرة حماس على إعادة تشكيل قواتها المقاتلة لم تتضاءل”.
القسّام تجرّ الاحتلال إلى القتال
إضافة إلى ما سبق، قال ضابط إسرائيلي متقاعد رفيع المستوى إنّ حماس “بدأت عملية التجنيد منذ 3 أو 4 أشهر، وانضمّ إليها الآلاف”. وهنا تجدر الإشارة إلى أنّ المتحدّث باسم كتائب القسّام، أبو عبيدة، كشف، الشهر الماضي، أنّ الكتائب “تمكّنت من تجنيد آلاف من المقاتلين الجدد خلال الحرب”، مُطَمئِنا إلى أنّ قدراتها البشرية بخير.
وفي غضون ذلك، لا تزال كتائب القسّام تجرّ القوات الإسرائيليّة إلى دورات متكرّرة من القتال، كما وجدت التحليلات.
وأشارت التحليلات إلى أنّ عملية إعادة البناء تمّت بطريقتين مختلفتين، إذ أعادت بعض وحدات كتائب القسّام تنظيم صفوفها، فدمجت خلايا تراجعت من أجل تكوين كتائب قتاليّة فعّالة، في حين أعادت وحدات أخرى نشاطها، فجنّدت مقاتلين جددا، وصنعت أسلحة جديدة من الموادّ المتفجّرة التي خلّفتها القوات الإسرائيليّة وراءها، وهو ما أعلنته المقاومة حين أكّدت أنّ “بضاعة الإسرائيليين رُدَّت إليهم”.
وإذ تمّ “تقليص الفصائل الأصليّة بشكل كبير”، بحسب البحث، عمدت حماس إلى “الاعتماد على تكتيكات حرب العصابات، ووضع الأفخاخ وإقامة الكمائن”، عندما تشنّ القوات الإسرائيلية توغلا في وسط مخيّم أو حي، كما تُظهر مقاطع الفيديو من ميدان القتال.
وقد انكشفت دورة الانتعاش في مخيم جباليا، الذي تعرّض تقريبا للتدمير الكامل، حيث استخدمت “إسرائيل” بعض أثقل الذخائر (والتي حصلت عليها من الولايات المتحدة بصورة أساسيّة) خلال المرحلة الأولى من الحرب.
وبعد 3 أشهر من القصف العنيف، زعمت “إسرائيل” أنّ الكتائب الـ3 في جباليا “تفكّكت”. ثم وبعد أقلّ من 6 أشهر، قالت إنّ الوحدات أعادت تشكيل نفسها. وبعد ذلك، قامت القوات الإسرائيلية بتوغّل آخر في المخيم، وقال “الجيش” إنّه واجه بعض “أشرس المعارك” منذ بداية الحرب كلّها.
وعندما انسحبت القوات الإسرائيليّة من جباليا، في 31 ماي، أشار تحليل وضع الكتائب الـ3 إلى أنّ “الجيش” فشل في تدميرها.
وفي سياق متّصل، قال أستاذ العلوم السياسيّة في جامعة شيكاغو ومؤلّف 4 كتب عن “مكافحة التمرّد”، روبرت بيب، إنّ حماس، “بأفرادها ومقاتليها وقادتها وأنصارها، مندمجة بعمق داخل السكّان”، موضحا أنّها “بَنَت روابط مع السكّان، تعود إلى عقود من الزمن”.
ويرى بيب أنّ “إسرائيل تعمل على توليد الغضب السياسي الإضافي، والحزن الإضافي، والعاطفة الإضافية”، التي من شأنها أن “تدفع المزيد من الناس إلى أن يصبحوا مقاتلين”.
وأضاف أنّ “القوّة الاستراتيجية الفعليّة لحماس آخذة في النمو، وأنّ قوّة حماس تكمن في قدرتها على التجنيد”.