وجدي بن مسعود
مرة أخرى يعود النقاش حول قانون تجريم التطبيع في تونس، إلى دائرة الضوء في الفضاءات العامة والمؤسّسة البرلمانية، وذلك بعد انطلاق لجنة الحقوق والحريات بمجلس نواب الشعب، الاثنين 31 جانفي، في دراسة مقترح قانون بهذا الشأن.
وخلال الجلسة قدّم أعضاء اللجنة قراءة أوّلية بخصوص أهمية مقترح القانون بالنسبة إلى الشعب التونسي تجسيدا لالتزامه بالثوابت الوطنية، وكذلك مساندته اللّامشروطة للقضية الفلسطينية التي تأكّدت في عديد المناسبات.
طكا طرح أعضاء اللجنة ملاحظات بخصوص صياغة المشروع القانون وضرورة مراجعتها لمزيد الدقة والوضوح، إلى جانب التثبّت في محتوى بعض الفصول المقترحة لتكون في تلاؤم وتناغم مع القوانين خاصّة منها المجلة الجنائية.
سوابق تشريعية
مشروع القانون المقترح يشكّل ثالث مبادرة تشريعية من نوعها يقع طرحها في تونس بشأن تجريم التطبيع منذ ثورة 14 جانفي 2011، حيث طرح نواب المجلس الوطني التأسيسي سنة 2012 خلال المسودة الأولى للدستور ما عُرف بالفصل 26 الذي ينصّ على اعتبار التطبيع بأيّ شكل من الأشكال مع الاحتلال جريمة يعاقب عليها القانون، إلّا أنّ النقاشات بين الكتل السياسية انتهت إلى اعتبار الفصل المذكور متناقضا مع روح الدستور الجديد ونهجه القائم على تكريس الحقوق والحريات الأساسية والكونية، وتمّ الاتّفاق على إرجاء الجدل بشأنه وبحث إمكانية صياغة قانون أساسي بهذا الخصوص بعد انتخابات 2014.
وشهدت سنة 2018 تقديم كتلة الجبهة الشعبية بالبرلمان تقديم مقترح قانون أساسي لتجريم التطبيع مع الاحتلال، في خضم الغضب الشعبي بعيد جريمة اغتيال الشهيد طيار محمد الزواري من قبل جهاز الموساد الإسرائيلي، إلّا أنّ المشروع لم يحظ بالأغلبية اللازمة من الأصوات لتمريره والمصادقة عليه من قبل الجلسة العامة.
جدل متصاعد
المقترح التشريعي الجديد يتزامن مع جدل متصاعد في البلاد بشأن تورّط عديد الشخصيات الأكاديمية والفنية في التطبيع، كان أحدثها الضجّة المثارة قبل أيام قليلة حول مشاركة الفنانة التونسية آمال المثلوثي في حفلة موسيقية بمدينة حيفا بالأراضي المحتلّة، فضلا عن مشاركة عدد من الأساتذة الجامعيين، يتقدّمهم الحبيب الكزدغلي في مؤتمر علمي وأكاديمي في باريس، إلى جانب باحثين من الكيان المحتلّ قبل بضعة أشهر.
وكان رئيس الجمهورية قيس سعيّد قد وصف قبيل انتخابه سنة 2019، التطبيع بـ”الخيانة العظمى”، وهو ما جعله مطالبا من قبل طيف واسع من الرأي العام التونسي بضرورة تجسيد مواقفه الصارم عبر سنّ قانون يجرّم مختلف أشكال التعامل أو الاتّصال مع الاحتلال، ويفرض عقوبات على المتورّطين في هذه الممارسات.
ومن المنتظر أن تواصل لجنة الحقوق والحريات بمجلس نواب الشعب في الأسابيع القادمة، العمل على مشروع القانون من خلال عقد جلسات استماع مع عديد الأطراف لتقديم قراءتها ومقاربتها بشأن القانون قبل عرضه على الجلسة العامة، فهل تجسّد المؤسّسة التشريعية الشعار الذي رفعه التونسيون في خضم ثورتهم، وتستمع إلى نداء “الشعب يريد تحرير فلسطين والشعب يريد تجريم التطبيع؟”.