ثقافة

تاريخ الحارة بقفصة وذاكرتها بين دفتي كتاب

صدر أخيرا عن جمعية صيانة مدينة قفصة كتاب “تاريخ وذاكرة الحارة بقفصة” لمؤلفته الباحثة التونسية نورة كرو.

ويُعدّ الكتاب الذي أتى في 173 صفحة، عملا بحثيا ميدانيا في علم التراث يدرس تاريخ الأقلية اليهودية  وذاكرتها التي عاشت بمدينة قفصة (جنوب غرب تونس)، وكانت مكوّنا من مكوّنات النسيج الاجتماعي بمدينة الفسفاط، حيث يعود تاريخ سكان المنطقة إلى العصور القديمة، كما أن سكانها متنوّعون ولها أقليات عرقية ودينية من بينها اليهود.

ولإعادة التاريخ الاجتماعي للفئة اليهودية بقفصة وذاكرة الحي الذي وُجدوا فيه اعتمدت المؤلّفة في بحثها مقاربة تاريخية وأخرى إثنوغرافية (وصف الأعراق البشرية)، وقد تضمن الجزء الأول من الكتاب المقاربة التاريخية بالاعتماد على بعض المصادر والمراجع المكتوبة عن تاريخ اليهود بمدينة قفصة، والتي تعدّ نادرة، ممّا اضطرّها إلى البحث في عدة وثائق أخرى بالأرشيف الوطني وأرشيف الإدارة بالملكية العقارية بقفصة، وأرشيف بلدية قفصة.

لا حدود طوبوغرافية للحي

اعتمدت الباحثة على المراجع والدراسات والوثائق المكتوبة والصادرة بشأن المجموعات اليهودية بالبلاد التونسية، باعتبار أن تاريخ اليهود بقفصة مرتبط ارتباطا كبيرا بالمجموعات اليهودية، التي وُجدت بعدة مدن تونسية.

ومكّنتها هذه المقاربة من معرفة التطوّر التاريخي لليهود بقفصة، وتحديد أصولهم، وتتبّع تطوّرهم الديمغرافي، ومكان إقامتهم بالرغم من قلة عددهم، حيث أنه لم يتجاوز الخمسين عائلة في القرن التاسع عشر، وتقريبا الألف بين 1904 و1908، ثم 639 حسب التعداد العام للسكان للعام 1946.

وبداية من سنة 1948 بدأ عددهم يتضاءل إلى حين مغادرتهم النهائية للمدينة بعد حرب 1967، حيث عاش يهود قفصة في حي أُطلق عليه “الحارة” أو “حارة اليهود”، ولم تكن لهذا الحي حدود طوبوغرافية، ولم يتضمن  تقسيما مكانيا وعرقيا، أين تعايش فيه اليهود والمسلمون جنبا إلى جنب.

مقاربة إثنوغرافية

انبنى الجزء الثاني من الكتاب على المقاربة الإثنوغرافية من خلال عمل ميداني ووصف لمختلف الأماكن الخاصة والعامة للحارة، مثل معبد اليهود المسمى “البيعة”، وأيضا الديار مثل “الدار الغارقة” و”دار الشريف” و”الترميل”.

والتريمل، مبنى يقع خارج الحي، تحديدا في الزاوية اليمنى للجدار الجنوبي للقصبة وتغذّيه مياه عين “لالة العوينة”، وهو ينقسم إلى ثلاثة أحواض، وهي: ترميل الرجال وترميل النساء وترميل اليهود الذي تعرّض لعدة أضرار إلى حد الطمس، كما تعرّضت أغلب هذه الشواهد التاريخية للضرر والتلف والنسيان.

وجاء في الإصدار بقلم مؤلفته: “ولئن اندثر أيضا المعبد اليهودي الثاني المسمى “اشيبا” والمقبرة اليهودية التي وُجدت بسيدي منصور-الدوالي بقفصة، فإن صورة اليهودي في المخيال الشعبي ما زالت حاضرة من خلال ما تمّ جمعه من شهادات شفوية ووثائق مكتوبة، لتبقى شاهدة على ذاكرة المكان وتاريخ الفئات الاجتماعية المُتعايشة عبر الزمن”.

ونورة كرو متحصلة على شهادة الأستاذية في علوم المكتبات والتوثيق من معهد الصحافة وعلوم الإخبار بتونس، وعلى شهادة الدراسات المعمّقة في العلوم السياسية من كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس، وعلى شهادة الدراسات المعمّقة في التراث من كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية 9 أفريل بتونس. 

اشتغلت موثّقة بإدارة المطالعة العمومية، فرئيسة مصلحة بوحدة النهوض بمصادر الذاكرة والهوية الوطنية بديوان وزارة الشؤون الثقافية، ثم كاهية مدير بإدارة الفنون الركحية، فمديرة التكوين والرسكلة، وتشتغل حاليا مديرة المتاحف بالإدارة العامة للتراث بوزارة الشؤون الثقافية.